أمل عكاشة
ما فتئ الملك محمد السادس يجدد عنايته السامية بأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، إذ زخر خطاب تخليد ذكرى ثورة الملك والشعب المجيدة، بمضامين متعددة، تجسد اهتمامه الخاص وعنايته الثمينة بمغاربة العالم.
فكما هو الحال دائما، يكون اختيار مواضيع خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، التي تجسد وتجدد عمق روابط المحبة والتعلق، بين ملك فضل المنفى، على المساومة بوحدة الوطن وسيادته، وشعب قدم تضحيات جسيمة، من أجل عودة ملكه الشرعي واسترجاع الحرية والكرامة.. متضمنا لتوجيهات ملكية وجيهة ترسم سياسة الصلاح والفلاح للمغرب ومحيطه.
وقد اختار جلالته في خطاب الذكرى التاسعة والستين، أن يولي اهتمامه السامي بداية بالقضية الأولى والأساسية لكل المغاربة؛ الصحراء المغربية، فبعد أن عرج على النضال الديبلوماسي متعدد الجبهات، معلنا عن المعيار الأوحد والوحيد في قياس صدق ونجاعة العلاقات الديبلوماسية المستقبلية، قدم جلالته الخلاصة الهامة التي تفيد “أن حجر الزاوية في الدفاع عن مغربية الصحراء يبقى هو وحدة الجبهة الداخلية والتعبئة الشاملة لكل المغاربة، أينما كانوا، للتصدي لمناورات الأعداء”.
ويأتي تقدير وإشادة الملك بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، التي تقدر بحوالي خمسة ملايين شخص، إضافة إلى مئات الآلاف من اليهود المغاربة، نظرا لتميزها وتفردها بثلاث خاصيات أساسية؛ تتجلى الأولى منهن في ارتباطهم القوي بالوطن وتعلقهم بمقدساته، وحرصهم على خدمة مصالحه العليا، التي استمرت إلى الجيلين الثالث والرابع، والثانية في كون مغاربة العالم، معروفون بتوفرهم على كفاءات عالمية، في مختلف المجالات، العلمية والاقتصادية والسياسية، والثقافية والرياضية.. فيما تكمن الثالثة في روح التضامن والتكافل التي ما فتئت تعبر عنه في مختلف المحن والظروف.
وبالنظر إلى كل هذه المزايا الثمينة، التي تجعل المغرب منفردا برأسماله البشري، فإنه وجب التساؤل عن مدى رضى هؤلاء بمختلف الأوضاع التي يواجهونها عند زيارتهم لبلدهم، وهنا وجه جلالته أسئلته المباشرة؛ “ماذا وفرنا لهم لتوطيد هذا الارتباط بالوطن؟ وهل الإطار التشريعي والسياسات العمومية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم؟ وهل المساطر الإدارية تتناسب مع ظروفهم؟ وهل وفرنا لهم التأطير الديني والتربوي اللازم؟ وهل خصصنا لهم المواكبة اللازمة والظروف المناسبة، لنجاح مشاريعهم الاستثمارية؟”.
أسئلة كان لها وقع إيجابي على المهاجرين المغاربة، حيث عكست هواجسهم، مطالبهم وآمالهم، وأكدت عن كون ملكهم يتابع ويهتم بقضاياهم وارتباطهم بوطنهم الأم، ويبحث ويوجه الدولة ومؤسساتها من أجل ضمان حسن استقبالهم ومعالجة العراقيل والصعوبات، التي يواجهونها في قضاء أغراضهم الإدارية وإطلاق مشاريعهم الاستثمارية..
وفي هذا الإطار، أعطى جلالته تعليماته السامية لإحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها، بما سيمكن من التعرف عليها والتواصل معها باستمرار، وتعريفها بمؤهلات وطنها، بما في ذلك دينامية التنمية والاستثمار.
ومن منطلق أن “المغرب يحتاج اليوم، لكل أبنائه، ولكل الكفاءات والخبرات المقيمة بالخارج، سواء بالعمل والاستقرار بالمغرب، أو عبر مختلف أنواع الشراكة والمساهمة انطلاقا من بلدان الإقامة”، شدد جلالته على ضرورة إقامة علاقة هيكلية دائمة، مع الكفاءات المغربية بالخارج، بما في ذلك المغاربة اليهود، كما دعا الشباب وحاملي المشاريع المغاربة، المقيمين بالخارج، للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد.
أما على الصعيد الداخلي، وخاصة على مستوى المؤسسات العمومية، وقطاع المال والأعمال الوطني، فطالبهم الملك بالانفتاح على المستثمرين من أبناء الجالية؛ وذلك باعتماد آليات فعالة من الاحتضان والمواكبة والشراكة، بما يعود بالنفع على الجميع، كما دعا إلى تحديث وتأهيل الإطار المؤسسي، الخاص بهذه الفئة العزيزة من المواطنين، مع إعادة النظر في نموذج الحكامة، الخاص بالمؤسسات الموجودة، قصد الرفع من نجاعتها وتكاملها.
وتفاعلا مع هذا الاهتمام الملكي العظيم، اعتبر مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج أن الخطاب الملكي يعكس الاهتمام الذي يوليه صاحب الجلالة لأفراد الجالية المغربية بالخارج، ويبرز، مرة أخرى، حرص جلالته على مصالحهم وحقوقهم وتفاعله المتواصل مع مطالبهم وهمومهم، والسهر على إشراكهم في تنمية وطنهم المغرب.
وقد جاء في بلاغ للمجلس، أن مضامين الخطاب تعكس “التفاتة مولوية كريمة، وعرفان وطني، وإنصاف لأفراد الجالية المغربية بالخارج، لارتباطهم بوطنهم الأم وتمسكهم بمقدساته ودعمهم المستمر لمصالحه العليا، ووقوفهم الدائم إلى جانبه في وقت الرخاء والشدة..”.
كما لم يفت المجلس، أن جدد دعوته إلى كافة الفاعلين المؤسساتيين من أجل التفاعل الإيجابي في ما يتعلق بالإطار التشريعي وإعداد سياسات عمومية شاملة ومندمجة موجهة إلى الجالية المغربية بالخارج، تتماشى مع خصوصيات هذه الفئة من المواطنين المغاربة وتستجيب لتطلعاتها وانتظاراتها، سواء المتعلقة بتحسين الخدمات الإدارية الموجهة إليها، أو تقديم تحفيزات إضافية لها في ما يخص الاستثمار، أو تقوية تأطيرها الديني والثقافي والتربوي، أو خلق الظروف الموضوعية لإشراك كفاءاتها في مختلف الأوراش التنموية التي تعرفها المملكة.
وعلى سبيل الختم، لا بأس بالإشارة إلى أن مكتب الصرف كان قد أفاد مؤخرا، بأن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج تجاوزت 47.04 مليار درهم برسم النصف الأول من سنة 2022، مقابل 44.33 مليار درهم خلال الفترة ذاتها من السنة المنصرمة، مسجلا ارتفاعا بنسبة 6.1 في المئة بمبلغ 2.71 + مليار درهم مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، وهو ما يمكن من تدارك بعض من الاختلالات التي تواجه الموازنة المغربية، سواء من خلال التحكم في مستوى العجز التجاري، إنعاش المداخيل من خلال تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمبالغ المحولة الناتجة عن التكافل الاجتماعي للعائلات المغربية.