أمل عكاشة
مشاهد مرعبة مؤلمة، تلك التي شاهدناها نهاية الأسبوع الماضي، عند محاولة حشود من المهاجرين الأفارقة تجاوز معبر بني نصار بمليلية يوم الجمعة، ومعبر سبتة مساء الأحد الموالي.
ولعل خطورة الأمر، تكمن أساسا في مظاهر التنظيم المحكم لهذا الهجوم، مما يدل على تابعيته وأصله الإجرامي.. فمن العبث أن نعتبر أن شن الهجوم في يوم الجمعة ووقت انشغال الناس بمناسكهم التعبدية مع محاولة تشتيت انتباه وجهد الأمن بإدلاع حريق مفتعل بالغابة.. أمر بسيط أو عرضي، كما أن تنظيم ما يقارب الألفي شخص، مع ضمان تعبئتهم وانخراطهم الكامل في العملية، ولو كلفهم ذلك أرواحهم.. يرفع عاليا سقف الخطورة، أضف إلى ذلك تسلح الهاجمين بمعدات مهيّأة مسبقا لهذا الغرض، من هراوات وقضبان حديدية وحجارة.. يجعل الوضع أمام خطورة جسيمة.
ونفس الأمر ينطبق على محاولة يوم الأحد بمعبر سبتة، وإن لم يكن العدد بنفس الكثرة، فإن تكرار نفس الهجوم فيه الكثير من التحدي والمجازفة ومحاولة لفرض الفوضى وخرق النظام.. غير أن كل هذه المخاطر الجمة المتعددة، لم تجد أمامها سوى معاملة بحنكة ومهنية عالية من طرف قوات الأمن المغربي، مقدمة في سبيل ذلك تضحيات ثقيلة..
تضحيات جسيمة في سبيل الأمن والنظام الإقليمي.. لن تنسف بأي وجه
كابدت القوات الأمنية المغربية، على امتداد سنين طويلة، محاولات عديدة لجيوش من المهاجرين غير القانونيين، الراغبين في ولوج الأراضي الأوروبية بأي سبيل وطريق، ولا يمكن القول، في أي وقت وتحت أي ظرف، أن المغرب قصّر في دوره الفعال في هذه القضية، ويشهد له تاريخه الطويل في محاربة الهجرة غير القانونية، سواء على الحدود البحرية والبرية بل وحتى الجوية، وتبصم له منجزاته في إدماج المهاجرين في الوطن المغربي، وتمكينهم من كل سبل العيش الكريم، في تجسيد وحضور لبعد إنساني قل نظيره.
وها نحن اليوم، أمام تضحية جديدة تنضاف إلى المسار الطويل والمليء لعطاء الأمن المغربي، حيث أصيب 140 فردا من بجروح متفاونة الخطورة، من بينها خمسة خطيرة.
وأصابع الاتهام هنا، موجهة بالأساس إلى عصابات ومافيات تتاجر بالبشر دوليا، تبيعهم الوهم وتشتري “وهم”، فبعيد عن يدها تماما، النيل أو حتى الاقتراب من سمعة البلاد ودورها الريادي في القارتين الأوروبية والإفريقية في مجال الهجرة، فتراكم المواقف وتعديد المنجزات، لا تنال منه محاولات هوات الإجرام.
فحتى من جانب إسبانيا، المعنية الرئيسية أيضا بالهجوم، فقد صرح رئيس وزرائها، بيدرو سانشيز بأن الاعتداء هو هجوم على وحدة الأراضي الإسبانية، مبرزا بكل وضوح أنه إذا كان ثمة من مسؤول عن كل ما حدث على الحدود، فهي المافيات التي تتاجر في البشر.
الموقف الإسباني الواضح، والمعزز بتصريحات سفراء دول إفريقيا المجتمعين مؤخرا بالرباط على خلفية الحادث، حيث أشادوا وثمنوا بسياسة المملكة تجاه الهجرة، منذ زمن بعيد، لا يمكن إلا أن يرسخ للمكانة العظيمة التي يتمتع بها المغرب تجاه المتدخلين في ملف الهجرة، كما أنها تشكل جبرا معنويا مهما “لأضرار” يتحملها ولا يد ه فيها، سوى من زاوية عطائه الثمين من أجل السلم والأمان.
مأساة إنسانية.. ومطالب بالتدخل الحازم
رغم كل الحسابات والمعادلات والتوازنات.. يظل البعد الإنساني هو الأساس والمهيمن على هذه الأحداث المؤلمة، فمهما يكن من الأمر، فإن واقعة وفاة 23 شخصا، تتطلب وقفة حازمة ومستعجلة، للبحث وإيجاد الحلول، حتى لا تتكر الكارثة.
وفي ذلك، طالبت هيئات حقوقية عديدة، فضلا عن أحزاب ومجتمع مدني بفتح تحقيق حازم لكشف ملابسات وخلفيات الحادث، مع تحديد المسؤوليات وتنزيل العقوبات لزجر الأفعال الجرمية الخطيرة، التي يروح ضحيتها أعداد هائلة من الضحايا.
كما طالبت هذه الأصوات الحقوقية، أولا بتفكيك المخيمات الغابوية القريبة من حدود كل من سبتة ومليلية، ثم إدانة شبكات الاتجار بالبشر مع التنديد بالعنف من أي جهة كانت، هذا فضلا عن المناداة بالاسراع باعتماد قانون متعلق بالهجرة واللجوء على المستوى الوطني.



















