لمياء سلاوي
الشعور بالملل مطلوب أحيانا ليتقن الصغار مهارة التخلص منه، ليس على الآباء القيام بكل شيء من أجل أبنائهم، بل على الأبناء أن يتعلموا فعل الأشياء بأنفسهم ومنها التخلص من شعورهم بالملل.
هذه وجهة نظر بعض الأمهات المتمرسات، فهن يؤكدن أنه مهما فعلت لأبنائك فالملل متسلل إليهم لا محالة، والحل من وجهة نظرهن يكمن في توجيه الأبناء لقضاء أوقاتهم بشكل مفيد وتوفير اللازم لهم، ومنحهم فرصة ليتخلصوا من الملل وحدهم، فالأطفال أعلم بأنفسهم وبما يحبون فعله.
توجيه الأطفال لكسر الملل
تقول دينا (40 عاما) إنه حينما يأتي أحد أبنائها ليشكو ملله وأنه لا يعرف ماذا يفعل بوقته، ترد عليه بجملة تمثل الحقيقة وهي “وأنا أيضا أحيانا أشعر بالملل وهو شعور مزعج وأعرف بشدة ما تشعر به، ولكن عليك ألا تستسلم لذلك، حاول أن تبتكر أمرا تستمتع بفعله”.
تضيف دينا، “غالبا أعطي ابني بعض المفاتيح كأن أوجهه للرسم أو قص الأوراق وعمل أشكال الأوريغامي التي يحبها، عادة ينسى الأطفال ما يحبون فعله، وهنا يكون دورنا في تذكيرهم وتوجيههم”.
تؤكد دينا، أن أغلب الآباء يشعرون بالذنب خلال الإجازة الصيفية، فمهما حاولوا ملء وقت الفراغ لأبنائهم إلا أن الملل سرعان ما يتسلل إلى الجميع، ولا يعرف الكبار ماذا يفعلون للصغار ليشعروهم بالفرح والبهجة.
مشاركتهم التفاصيل
إن توفير الحد المعقول من الأنشطة والألعاب والترفيه، مع ضرورة اللعب مع الصغار ومشاركتهم تفاصيلهم الصغيرة ساعة يوميا على الأقل، أمر كافٍ.
أحمد أب لثلاثة أبناء يقول من واقع تجربته مع أبنائه، “أتعجب من أمر أبنائي، فحينما كنت أتدخل لحل مشاكلهم سويا وأقنعهم بأهمية قضاء الوقت معا في اللعب بدل العراك لا يستجيبون، أما حينما أكدت لهم أنني لن أتدخل مرة أخرى بينهم وليفعلوا ما يرونه صحيحا، وجدت تصرفاتهم أصبحت أكثر نضجا، فهم يلعبون الألعاب الورقية أو يتفقون على مشاهدة برنامج معين، أصبحوا يتفننون في تمضية الوقت باستمتاع دون اللجوء إلي في كل دقيقة، كما أن علاقتهم ببعضهم بعضا تحسنت كثيرا، خصوصا احتواءهم لأختهم الصغيرة”.
تقول المستشارة الاجتماعية والتربوية الدكتورة ايمان السعيدي إن الملل يعبر عن حالة من فقدان الشغف والاهتمام بالأشياء والأحداث نتيجة تكرارها بشكل روتيني دون تجديد، والصغار قد يتسارع الملل إليهم أكثر من غيرهم نتيجة رغبتهم المستمرة في الاستكشاف والمعرفة، بالإضافة إلى وقت الفراغ وعدم وجود عمل ثابت وانعدام المسؤولية.
ففي الإجازات مثلا تقوم الأسر بالاشتراك في الأندية والأنشطة والدورات التدريبية، بالإضافة للألعاب الإلكترونية، ومع ذلك فالأولاد ساخطون طوال الوقت تحت مبرر الملل وعدم التجديد وأنهم يوميا يمارسون الأشياء نفسها، و هنا بالتأكيد نتكلم عن الأسر الميسورة، لأن أغلبية الأسر المغربية لا تستطيع توفير هذه الشروط، حيث أن الملاذ الوحيد في فصل الصيف بالنسبة لهم و لأبنائهم هو البحر، و هذا أيضا غير متوفر لدى العديد من الأسر المغربية، حيث أن المناطق الساحلية بالمغرب لا تغطيه كاملا. .
ملء الفراغ بالجديد
توجّه المستشارة التربوية بعض النصائح إلى الآباء لقضاء إجازة ممتعة، ***حاول دفع ابنك لابتكار أنشطة جديدة مبدعة ومختلفة، خذه إلى نزهة في مكان لم تذهب إليه الأسرة من قبل أو منذ مدة طويلة، مع إعداد بعض الفقرات الترفيهية خلال اليوم، فهذا قد يجدد نشاط الأطفال ويقضي على إحساسهم بالملل لأسبوع كامل، مع الحرص على شراء لعبة جماعية جديدة في المنزل يشارك فيها الآباء والأبناء معا، *فهذا يعدّل المزاج العام للأسرة ويجدّد نشاط أفرادها.
*اشغل وقت الأبناء ببعض الأهداف التعليمية البسيطة مثل تعلم الرسم أو الخط العربي أو الأشغال الفنية اليدوية، ودورات تدريبية في اللغات وحفظ القرآن الكريم ومهارات الحساب. هذه الأنشطة تكسب الأطفال مهارات عقلية جديدة دون الضغط عليهم وتضييع حقهم في إجازة خالية من الأهداف التعليمية *الثقيلة.
*جلسة أسبوعية جماعية للقراءة تتناول كتابا جديدا يقوم أحد أفراد الأسرة باختياره بالتناوب في كل مرة قد تعمل على رفع وعي الأسرة وحبهم للعمل الجماعي وقضاء أوقات غنية بالمشاركة والعصف الذهني، بعيدا عن ثقافة الجزر المنعزلة القائمة على اكتفاء أغلب أفراد الأسرة بالأجهزة المحمولة وانقطاع *التواصل فيما بينهم.
إن علامات الانعزال بين أفراد الأسرة أصبحت تنذر بالخطر وتهدد تماسك الأسر والسلامة النفسية والعقلية للأبناء في ظل غياب التواصل المباشر وانقراض هواية القراءة والاطلاع وانتشار الألعاب الإلكترونية الفردية أو الجماعية، التي رغم عناصر التشويق والمشاركة فيها فإنها أصبحت تشكل إدمانا يهدد الكثير من الأسر ولا يجب ترك الأبناء له تحت دعوى محاربة الملل وملء وقت الفراغ وشهور الإجازة.
و نحن بدورنا نحث على الاستفادة من أوقات الفراغ و نطالب المسؤولين بتوفير بعض الشروط التربوية و الترفيهية للأطفال خلال العطل المدرسية، و خصوصا في فصل الصيف، و مع ضعف القدرة الاستهلاكية للأسر المغربية، بعد التصاعد اللامسبوق في أسعار المواد الاستهلاكية بما في ذلك المحروقات، فالأسر لم يعد باستطاعتها توفير الألعاب و الخرجات الترفيهية لأبنائها ، لذلك فعلى الدولة توفير هذا عبر افتتاح ورشات تربوية كالرسم و الموسيقى و كل ما هو ابداع فني و ثقافي من شأنه أن يرقى بأطفالنا و يساعدهم على الابداع و يحسسهم بالراحة النفسية المطلوبة و كذا خرجات لمنتزهات و شواطئ و احياء دور الكشفيات التي كانت جزء من كل أسرة مغربية سابقا، و عديد من الوسائل التي من شأنها أن تكون متنفسا للأطفال في العطل الموسمية و كذا طول أيام السنة و بالتالي سنتجنب كل ما نشهده الآن من انحراف و ادمان الكتروني و تدمير نفسي.



















