عبداللطيف بنيحيى
كان ذلك سنة 1988 بمناسبة مشاركتي في مهرجان المربد الشعري ببغداد، وكنت قد اقترحت على مدير المركز الثقافي العراقي بالرباط يومها، إمكانية تغطية إذاعية مباشرة لهذا الموعد الشعري الكبير لإذاعة طنجة، وبالتالي الترخيص للتقني الذي سيرافقني في سبيل إنجاز هذا التحدي، وبعد يومين اتصل بي مدير المركز الثقافي العراقي وأخبرني أن اللجنة المركزية المنظمة للمربد الشعري قد وافقت على هذا الاقتراح. وقد سرَّ المرحوم العربي السعيدي، أحد قيدومي تقنيي إذاعة طنجة الأكفاء، بهذه المهمة التي حققناها بنجاح باهر، رغم ظروف الحرب التي كانت ما تزال مستعرة بين العراق وإيران، حيث كانت عملية ولوج الإذاعة العراقية لإرسال برامجنا ومراسلاتنا تتطلب إجراءات دقيقة وتحريات مفصلة خضعنا لها بكثير من التحمل والصبر، من أجل مستمعي إذاعة طنجة في أبهى وأزهى مراحل عطائها الإذاعي المسؤول.
وأذكر أن الوفد المغربي كان يقيم بفندق الرشيد الفخم، وهو نفس الفندق الذي كان يقيم به شعراء كبار من مختلف الدول العربية من بينهم نزار قباني، وكذا روائيون ونقاد كان من بينهم يوسف إدريس الذي حصل في هذه الدورة على جائزة صدام مناصفة مع الأديب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، لكن الجائزة ستقتصر على يوسف إدريس بعد الرسالة التي وجهها إلى صدام حسين يعلن له فيها عدم قبوله تسلم الجائزة مناصفة، وهي القضية التي كنت قد أثرتها مع يوسف إدريس في حواري الإذاعي المطول معه ببهو فندق الرشيد، بعد حواري السابق معه بمدينة طنجة عندما كان مقيما بفندق رامبراند رفقة لويس عوض.
ومن بين الذكريات المثيرة بمناسبة هذا المهرجان، امتطائي لسيارة أجرة كبيرة رفقة الصديق رشيد المومني، انطلاقا من شارع السعدون في اتجاه مبنى جريدة “الثورة”، لزيارة الشاعر حميد سعيد، رئيس مجلس تحرير هذه الجريدة، نظرا لعلاقة الصداقة التي ربطتنا به عندما كان مديرا للمركز الثقافي العراقي بالرباط (1977/1975)، وعندما وصلنا إلى مقر الجريدة، سألت السائق عن ثمن هذه الرحلة التي لم تستغرق أكثر من عشر دقائق، ففاجأني بأن الثمن المعمول به هو كذا..(أي في حدود 600 درهم)، فقلت له مستغربا لا يعقل أن يصل الثمن إلى هذا الرقم المهول يا سيدي، فانتفض غاضبا وصرخ في وجهي عليك أن تدفع لي الأجر الذي حددته لك دون أن تناقشني..لأنك تستنزف وقتي بهذا الجدال العقيم..! وحين تظاهرت أمامه بالبحث في جيب البنطلون عن الأوراق النقدية التي منحوها لنا، وكانت عبارة عن بضع مئات من الدنانير العراقية، قلت له بمكر: هذه الدنانير منحها لنا السيد الرئيس صدام حسين..وأخبرك أننا ضيوفه من المغرب، لِذا فأنا أشكرك على معاملة ضيوف السيد الرئيس بهذه الطريقة..وهنا تحوَّل الرجل الذي تطاير جمر الغضب من وجهه المتجهم منذ ثواني إلى حَمَل وديع، وعانقني بحرارة زائدة رافضا أن يتسلم مني مليما واحدا..!! وبعد انطلاق سيارته بسرعة جنونية قال لي المومني: لم أعرف في حياتي شي طنجاوي مسخوط بحالك..