لمياء السلاوي
مع الوقت والممارسة لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد عالم افتراضي يمثل آراء شخصية أو سياقات اجتماعية لأفراد، لكنها أصبحت ذات تأثير بالغ على الأفراد والمجتمع، بما تعرضه من مواد، تتداخل فيها الحقائق بالمبالغات والأكاذيب والشائعات أحيانا، وهو ما يجعلها جزءا من النقاش العام، مع غياب الخطوط الفاصلة بين الشخصي والعام، أو بين الفردي وما يتعلق بخصوصيات الآخرين وحياتهم، وأحيانا بالقانون والقضاء.
وعندما تطرح فكرة التنظيم لعالم التواصل، يبدي البعض خوفه من أن يكون هذا ضمن عمليات التقييد للحريات أو التعبير عن الرأي، بينما الحقيقة أنه باتساع منصات النشر يجعل هذه المنصات ذات مسؤولية لكونها قادرة على إثارة البلبلة والخوف داخل المجتمع، خصوصا في قضايا الرأي العام حيث يتم التداخل بين حق المجتمع في المعرفة، وما يمكن أن يمثل تدخلا في تحقيقات قضائية أو تعليقا على أحكام القضاء، حيث يضع البعض أنفسهم مكان جهات التحقيق ويصدرون أحكاما بالإدانة أو البراءة من دون أن يمتلك أي منهم أدلة أو معلومات تتيح لهم إصدار الأحكام، ومن أجل هذا يتم نشر معلومات وتقارير وهمية تضاعف من التشويش وتدافع عن متهمين من دون ظهور أي نوع من الأدلة، دون تفرقة بين الخيط الرفيع بين العام والخاص، وبين الحق في التعبير والعدوان على خصوصيات الآخرين، وهذا يحدث من أفراد يمثل كل منهم مصالح أو آراء محددة، ويسعى كل منهم إلى جذب مؤيدين لقضية وهمية.
استنادا لنظرية تشير إلى أن الأقلية تقود أحيانا بالضجيج والتنظيم والتسويق، وأن «5 % فقط يقودون مواقع التواصل الاجتماعي ويطرحون أفكارا جديدة، و95 % يعيدون نشر أو ترديد ما ينشره القادة ويمشون وراءهم، ويعجبون بهم.. ومن بين الخمسة وتسعين بالمائة، لا يوجد أكثر من 20 % فقط يتخذون مواقف بناء على قراءة الموضوع أو مشاهدة الفيديو، والباقي يحكم من العنوان، سائرا خلف الخمسة في المائة».
ونؤكد أن هذه الظاهرة لا تتعلق بنا وحدنا، لكنها ظاهرة عالمية وجدت طريقا للمعالجة ضمن سياق المجتمعات، حيث يتم التعامل بالقانون مع أي تدخل في القضاء أو النشر في قضايا معروضة أمام القضاء، والسعي لوضع قواعد وتشريعات تمنع تحول أدوات التواصل إلى أدوات تشهير وهجوم وانتقام، وتفصل بين الحق في التعبير، ومخالفة القانون، وتعتبر هذه الأدوات منصات عامة وليست مجرد حسابات فردية، خاصة فيما يتعلق بحقوق المجتمع، وخصوصيات الآخرين.
مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها على المجتمع
يؤثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع ككل، لأنها يمكن أن تؤدي لمشكلات كثيرة، حيث أن مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي كالتالي:
سلبيات التواصل الاجتماعي تتضح في أنها تقلل من عملية الاتصال المباشر بين أفراد المجتمع، مما يمنع البعض من اكتساب مهارات التواصل المباشر، حيث أن عدم تواصل المشاعر بين الأفراد و اقتصارها على استخدام رموز وصور للتعبير مما يسبب تبلد المشاعر ويزيد من فرص التفكك داخل المجتمع.
كذلك نجد انتشار الخمول والكسل بين أفراد المجتمع، حيث تم استبدال الزيارات العائلية والمقابلات والنزهات بالحديث عبر الشاشات دون حركة، إضافة الى التفكك الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث ينشغل كل فرد بهاتفه المحمول يتحدث مع الغرباء ويندمج في عالمه الافتراضي، مما يعزله عن أسرته وبالتالي يحدث ضعفا في العلاقات داخل الأسرة.
انتشار الشائعات عبر هذه الوسائل، حيث أصبح جزء كبير من الأخبار المنشورة عبر هذه المنصات كاذبة وغير حقيقية، و تأثر الخصوصية، و يتجلى فيه تدخل البعض في حياة الآخرين والبحث عن عيوبهم واقتحام حياتهم الخاصة، و لا ننسى ظاهرة التنمر ما يدخل العديد في حالات اكتئاب و من ثم انتحار.
تأثير السوشيال ميديا على الشباب
الشباب والأطفال والمراهقين هي أكثر الفئات التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي مما يسبب وقوع الكثير من الآثار السلبية النفسية عليهم، وأهمها ما يلي:
*اضطرابات النوم : الاستخدام المفرط والمبالغ فيه للسوشيال ميديا يسبب الأرق، حيث أن بعض الدراسات أشارت إلى تأثر إفراز الجسم لهرمون الميلاتونين باستخدام الهواتف الجوالة.
*النسيان وتأثر الذاكرة : يعاني الشخص الذي يستخدم هذه المواقع لفترات طويلة من النسيان وفقدان القدرة على التركيز وضعف الانتباه
*الرهاب الاجتماعي : تعود الشاب على استخدام هذه الطرق للتواصل مع الآخرين تجعله يميل للعزلة والانطواء، ومع الوقت ينعزل عن واقعه المحيط ويعيش في واقع افتراضي من صنع السوشيال ميديا، مما يسبب الرهاب والاكتئاب.
*تأثر العمل والدراسة : تؤثر على إنتاج الشخص وعمله وتعليمه، حيث ينشغل في المتابعة والتصفح ويهمل عمله ودراسته ويفقد تركيزه، ويعاني من تشتت الانتباه بين العمل والدراسة والعالم البديل الذي يتابعه على هذه التطبيقات.
*الإصابة بالأمراض : الانشغال في متابعة هذه المواقع يسبب الكثير من المشكلات الصحية وعلى رأسها البدانة وزيادة الوزن، أمراض القلب والشرايين، ارتفاع ضغط الدم، أمراض العيون، ضعف الجهاز المناعي نتيجة التعرض للشائعات والأخبار المزعجة.
*تأثر الحياة الشخصية : حيث يمكن أن يتعرض البعض لمشكلات نتيجة التواصل مع الغرباء خاصة المراهقين والمراهقات، كما يتعرض البعض للسرقة في حالة القيام بعمليات البيع والشراء عبر هذه المنصات.
و كي نختم كلامنا فان التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، يستطيع البعض أن يبحث عن كيفية الاستفادة المثلى منه واستخدامه كطريق إيجابي للتنمية الفكرية والمجتمعية، وهناك من يبحث عن الوجه السيء لوسائل التواصل الاجتماعي وأثرها السلبي على المجتمع، كل واحد منا يختار طريقه، انما بالنسبة للأطفال و المراهقين فالمسؤولية تنصب على الوالدين للتوجيه و الارشاد.