في قراءة لظاهرة ارتفاع الأسعار في المغرب للسلع الغدائية والمواد الطاقية،فان الوضع يتجه إلى المنحنى التصاعدي يوماً بعد الآخر، فالأثمان صاروخية، يكتوي بنارها المغاربة من الطبقة الفقيرة، وحتى المتوسطة التي لم تستطع مسايرة هذا الغلاء.
ورغم أن المغرب ينتج 100% من احتياجاته الوطنية من الخضر والفواكه والسمك، فإن أسعار هذه المواد تظل مرتفعة بالبلاد، مقارنة مع الدول المجاورة للمملكة بشمال إفريقيا.
وإذا كان المغرب بلداً زراعياً ويمتلك ثروة مهمة ومتنوعة من الأسماك، جعلته من المصدرين الرئيسيين في العالم لنوع “السردين”، لكن أسعار هذه المنتجات تظل مرتفعة داخل السوق الوطني، فما أسباب هذا الارتفاع غير المسبوق في أسعار عدد من المنتجات الغذائية، إلى جانب الزيادة في ثمن المواد الطاقية، رغم انخفاض ثمنها على المستوى العالمي، لماذا ارتفاع الأسعار في المغرب؟
رئيس الفيدرالية البيمهنية لإنتاج وتصدير الفواكه والخضر، الحسين أدردور، قال في تصريح صحفي خلال هذا الأسبوع، إن الجفاف وارتفاع أسعار الأسمدة التي تضاعفت عشر مرات، وارتفاع أسعار المحروقات، كلها عوامل دفعت إلى ارتفاع الأسعار في المغرب، و أضاف إن هناك فلاحين لم يستطيعوا المغامرة بزراعة الخضراوات بسبب هذه العوامل، ما جعل البعض منها قليلاً في السوق أمام ارتفاع الطلب من الخارج.
وبخلاف تطمينات الحكومة بشأن تراجع سعر الطماطم مثلاً، أكد أدردور أن “ثمن هذا النوع من البواكر لن يعرف أي انخفاض حتى حدود شهر يونيو 2022، وذلك بسبب الطلب المتزايد عليها من الدول الأوروبية، ومن إنجلترا، أن “أوروبا تسجل نقصاً في الطماطم، بسبب التراجع في إنتاجها لتكلفتها المرتفعة، حيث تعتمد في بعض تقنياتها على التسخين بالغاز، الذي تعرف أسعاره ارتفاعاً كبيرا.
التصدير يعمق الأزمة
و بخصوص التصدير و علاقته بهذا الارتفاع المهول، يقول الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، إنه من أسباب ارتفاع الأسعار في المغرب التصدير، الذي أصبح يشكل أولوية على الاستهلاك الداخلي، لكون السعر الذي تباع به هذه المواد يكون أغلى في الخارج.
و على سبيل المثال، قطاع الصيد البحري يسهم بما يقارب 2% من الناتج الداخلي الخام، ويوفر ما يناهز 96 ألف منصب عمل مباشر، وما يزيد عن 600 ألف منصب عمل غير مباشر، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الثروات البحرية في المغرب تتشكل من أكثر من 500 نوع، وهو ما يجعل المغرب يحتل المرتبة الأولى إفريقياً والـ13 عالمياً، من حيث حجم إنتاج الأسماك.
المتاجرون بالأزمات
إلى جانب التصدير، يربط حسن أدردور، رئيس الفيدرالية البيمهنية لإنتاج وتصدير الفواكه والخضر، بين ارتفاع الأسعار في المغرب ومن سمّاهم بـ”المضاربين”، الذين يتاجرون بالأزمات، ويعمدون إلى تخزين هذه المنتجات من أجل رفع ثمنها، وفي شهر مارس، حثّ وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، الولاة والمحافظين على التحلي باليقظة اللازمة لرصد أي اختلال محتمل في التموين ومسالك التوزيع، ومواجهته بالنجاعة والسرعة المطلوبتين، كما طالبهم بالسهر على فرض احترام المقتضيات القانونية، وتفعيل المساطر الزجرية الجاري بها العمل في حق كل المخالفين الذين يثبت تورطهم في ارتكاب مخالفات تمس بقواعد المنافسة الشريفة وبحقوق المستهلك أو بالصحة والسلامة العامة للمواطنين.
ويعتبر الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، لجوء عدد من الدول بعد الحرب الأوكرانية الروسية إلى التخزين، ومنها الصين التي تخزن حوالي 65% من حبوب الذرة، و60% من الأرز، و50% من القمح من أصل الإنتاج العالمي، (يعتبره) من العوامل الرئيسية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار على المستوى الدولي.
ومن ضمن العوامل أيضاً التي تسببت في غلاء الأسعار في المغرب، ارتفاع تكاليف النقل، بسبب تصاعد سعر المحروقات، لهذا بدأت الحكومة في صرف دعم مالي يتراوح ما بين 1000 و7 آلاف درهم للعاملين في قطاع النقل، للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الوقود.
أرباح مضاعفة لشركات المحروقات
أدت حرب روسيا على أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته على المستوى الدولي، غير أنه في نهاية مارس، أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بسحب مليون برميل نفط يومياً من الاحتياطي الاستراتيجي لمدة 6 أشهر، بهدف خفض الأسعار، ورغم انخفاض ثمن برميل النفط على المستوى الدولي لم ينعكس ذلك على مستوى السوق الداخلي بالمغرب، حيث تواصل ارتفاع أسعار “الغاز” و”البنزين”، والتي تجاوزت 14.80 درهم للتر الواحد.
هذا الارتفاع فسره الخبراء بـ”إشكالية مدة العقود ما بين الشركات داخل المغرب وعلاقتها بالخارج، والتي يتم من خلالها تحديد الثمن، حيث أن الشركات كانت قد اقتنت المحروقات بثمن مرتفع قبل انخفاضه، ونتيجة لذلك مازالت تداعيات هذا الارتفاع مستمرة، وبدوره يقول حسن اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية لصناعات البترول والغاز الطبيعي، ، إنه “عادة ما يكون مبرر رفع أسعار المحروقات بالمدة الفاصلة بين السوق الدولية والمستهلك.
وتابع المتحدث أنه “بعد تغييب شركة تكرير النفط الوحيدة في المغرب، أصبح ثلاثة فاعلين اقتصاديين يتحكمون في حوالي 80% من المحروقات، وهم الذين يقررون السعر، وما دامت لا توجد منافسة قوية فإنه طبيعي ألا يستفيد المواطن من أي تراجع للأسعار”.
وأضاف المتحدث أنه “عادة ما يكون هناك احتمال للخسارة، ولكن ما دامت الشركات اشترت المحروقات بثمن مرتفع ثم انخفض ثمنه على المستوى الدولي، كان من الأجدر أن ينخفض، لكن هذه الشركات لا تعرف سوى الأرباح، والتي تضاعفت بعد التحرير بنسبة 14 بالمائة.
من جهته، يرى رضى النظيفي، الكاتب العام للجامعة الوطنية لتجار ومسيّري محطات الوقود بالمغرب، أن أصحاب المحطات “لديهم ربح قارّ، ولا دخل لهم في ارتفاع الأسعار في المغرب الذي تتحمل مسؤوليته الشركات الموزعة للمحروقات”.
ودعا نظيفي في تصريح صحفي، الحكومة إلى إخراج النصوص المتعلقة بتطبيق قانون “الهيدروكاربور”، الذي تعاقبت عليه ثلاث حكومات “لتحديد من المسؤول عن هذا الارتفاع”، حسب قوله.
فيما اعتبر الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أن المبررات التي يقدمها المهنيون بأن تأثير الانخفاض على الأسعار قد يأخذ وقتاً أكبر بالنسبة للمحروقات، و”استغلال المستهلك” لا يجب السكوت عنه.
ضرورة التدخل لخفض الأسعار
كل المواطنين المغاربة اليوم، يطالبون الحكومة المغربية بإقرار ميكانيزمات و آليات تحفف من ثقل ارتفاع الأسعار، حيث يبدي الشارع المغربي تذمرا غير مسبوق، بسبب غلاء الأسعار الذي يهدد قدرتهم الشرائية، ان كان ذلك بالشارع أو على منصات التواصل الاجتماعي عبر الانخراط بمجموعة من الهاشتاغات الرامية الى حث الدولة على الانتباه الى الفئات الهشة التي بدأ معها الضرر منذ بداية جائحة كورونا الى اليوم.
لمياء سلاوي