أمل عكاشة
بات من المسلم به، توقع ارتفاعات جديدة في أثمنة كل شيء، ابتداء من المواد الطاقية إلى كيس الملح.. وإن كان الوضع لم يحرك بعد ساكنا على المستوى الاجتماعي، فمن المؤكد أن أجهزة الحكومة مستنفرة وقلقة، حيال الوضع الذي لا يمكن أن يعتبر بأي وجه، تحت السيطرة أو في عداد المعتاد..
ويعوزنا في معرفة جزء من تحركات الحكومة الصامتة، عرض وزارة الاقتصاد والمالية أمام مجلس النواب، لتقديم مرسوم فتح اعتمادات مالية إضافية لتغطية نفقات صندوق المقاصة، الذي يعتبر صمام أمان راهني للحكومة، إذ يغطي نفقات أهم المواد الأساسية للمغاربة؛ الغاز، القمح والسكر.
وقدمت الوزارة بداية، أرضية للظرفية المعلومة لدى الجميع؛ ارتفاع قياسي في أسعار المواد الاستهلاكية الأولية وارتفاع قياسي لأسعار الشحن! مبرزة بالأرقام انتقال سعر غاز البوتان من 450 المتوقعة في قانون المالية إلى ما بين 800 و850 دولار للطن، ونفس الأمر بالنسبة للقمح المستورد، إذ انتقل من 250 إلى 380، وأيضا السكر المستورد الواصل لسعر 460 دولار للطن مقابل 380 المتوقعة في قانون المالية.
وعل نفس المنوال، عرفت أسعار المحروقات كما ورد في عرض وزارة المالية، ارتفاعا بين الأسعار الاعتيادية والحالية، بلغ 116 في المئة بالنسبة للغازوال و128 بالمئة على صعيد البنزين.
وأمام هذا الواقع الصعب، تقول الوزارة أنها قامت بمجهودات جبارة، تمثلت بداية في تخويل دعم استثنائي لمهنيي الطريق، بغية الحفاظ على تعريفة موحدة وثابتة، حتى تنعكس على أسعار المنتجات والسلع، إضافة إلى سن تدابير على مستوى صندوق المقاصة، همت كلا من دعم قنينة الغاز الذي وصل لمبلغ 100 درهم للواحدة، إضافة إلى إنشاء دعم للقمح اللين ب135 درهم للقنطار، ناهيك عن خلق دعم آخر للسكر المستورد بمتوسط يناهز 1200 درهم للطن.
وعلى إثر جسامة هذه النفقات، أعلنت الوزارة على أن المبالغ المنفقة خلال الخمسة أشهر الأولى من السنة بلغت نسبة 96 بالمئة من الاعتمادات المقررة للمقاصة برسم قانون المالية، وبالتالي لا بد من فتح اعتمادات جديدة لتغطية نفقات السنة، وإلا سيُتفح الباب على مصراعيه للزيادات الصاروخية، ولن يبقى للحكومة أي أداة للتقليص أو التلطيف من وقع ذلك، فهي الآن مجبرة على ضخ 16 مليار درهم، ستصرف في الغاز والقمح والسكر، من أجل استمرارية دعم المقاصة.
فمن أين سيُؤتى بهذا المبلغ؟
تفيد مصادرنا أن هذه النفقات الاستثنائية المفروضة عالميا، تقابلها مداخيل استثنائية مفروضة وطنيا، بحيث سجلت المداخيل الضريبية زيادة بنسبة 21,1 بالمئة وغير الضريبية 5,3 بالمئة، وهو ما يقدر بأزيد من 116 مليار درهم، وتعزى هذه الزيادات بالأساس إلى الضرائب والرسوم المفروضة على المواد الطاقية المستوردة، حيث يصاحب ارتفاع أسعار الإيرادات، ارتفاع في مداخيل الضرائب والرسوم المرتبطة بها.
وتفصيلا أكثر في هذه المداخيل، تقدر الزيادة في العادية منها إلى متم شهر ماي الماضي ب 19,8 بالمئة ـ تشكل 15 بالمئة منها إيرادات جمركية ناتجة عن الضريبة على القيمة المضافة على المحروقات ـ بالإضافة إلى 6,7 مليار درهم ناتجة عن رسم الاستهلاك الداخلي عن المواد الطاقية.
وإن كان هذا الوضع يخلق وفرة في مداخيل الميزانية، تمكن الوزارة من تصريفه حسب ما يبدو لها من أهمية، كما هو الشأن في صندوق المقاصة موضوعنا، إلا أنه يبقى من حق المواطن أن يتسأل عن جدوى هذه الإجراءات والتدابير، فإذا نظرنا إلى دعم القمح اللين فإننا نجد أن الفيدرالية المغربية للمخابز تعلن تحرير سعر الخبز وفق قانون العرض والطلب وتنكر أي دعم من الحكومة، وإذا نظرنا إلى دعم السكر فنجد أن أكبر المستفيدين منه ليس بتاتا المواطن، أما إذا توجهنا إلى دعم الغاز فإن موزعوه أعلنوا شن إضراب وطني الأسبوع المقبل.. ويبقى القول، والحالة هذه إلى ما نادت به بعض النقابات، من تخفيض سعر الضريبة أو تعليقها على المحروقات أساسا، وكذا على بعض المواد الأولية، الشيء الذي سيختصر كل هذه الطريق الشاقة في تحقيق الموازنة، وسينعكس مباشرة على أثمنة جميع المواد، وكذلك، سيكفي الحكومة شر التضخم، الذي ما انفك يفلت من قبضتها.