الشيخ العالم الصوفي الدرقاوي العربي بن العربي بوعياد الطنجي، جدي من أمي زينب بوعياد رحمهما الله، وقد حكت لي والدتي أنه هو من اختار لي إسم عبد اللطيف عند ازديادي، لأن طنجة يومها كانت تتهاطل عليها أمطار غزيرة أدت إلى فيضانات مهولة، مما جعل الناس يخرجون أفواجا يسألون اللطف بعباده، وكان رحمه الله من أقرب المقربين من الشيخ محمد بن الصديق الغماري مؤسس الزاوية الدرقاوية الصديقية، مما أهله لتأليف سفر شامل مؤرخ لسيرة شيخه جعل له عنوان ” نسيم وادي العقيق ” هو الآن قيد الطبع، وقد ترجم لجدنا العربي بوعياد الشيخ العلامة أُبَي بن محمد الزمزمي بن الصديق حفظه الله، فقال:
” العربي بن العربي بن محمد بوعياد، كان أسلافه من مدينة تلمسان، وقدم أحد أجداده مدينة طنجة عام 1292هجرية فسمي باسم والده. نشأ في مجتمعه نشأة يتيم تحفه رعاية الأسرة وعناية الجيران. وبعد عام 1297ه أدخلته والدته الجامع فتعلم فيه القراءة والكتابة، ودرس القرآن الكريم على الفقيه السيد عبد القادر المدور(ت.1301ه) ثم على أخيه الفقيه العربي المدور(ت.1316ه) الذي أتم عليه حفظ القرآن. ثم توجهت همته إلى دراسة العلوم الشرعية، فشرع في دراسة مباديء العلوم على المتصدرين للتدريس آنذاك، كالشيخ أحمد السميحي والشيخ محمد القاضي بن الصديق، وغيرهما.
ثم توجه إلى فاس حيث لزم دروس جماعة من علماء القرويين، منهم: أحمد بن الخياط، ومحمد كنيون، وإدريس عمور، وعبد الملك الضرير العلوي، ومحمد بن جعفر الكتاني، والفاطمي الشرادي.
ثم عاد إلى طنجة. ويبدو أنه ابتعد عن ميدان الثقافة ولم يعد له به ولا بأهله صلة بعد رجوعه من فاس، واستمر على حاله هذا إلى أن قيض الله له الشيخ محمد بن الصديق فتعرف عليه، وجلس معه، وحرص هذا الأخير على مصاحبته، أو على الأخذ بيده-على الأصح-، فكان يبعث من يأتيه به من بيته كل صباح إلى حانوت الحاج عبد القادر الجزيري بعقبة ابن ريسون حيث يجلسان، وذلك عام 1318ه.
قال ولده الأستاذ عبد السلام بوعياد:
“ومنذ أن جمعه الله به وهو على خير عظيم، وسلوك حميد، وفضيلة وعفة، وزهد وعبادة، وصدق وأمانة، موصل القلب بمولاه في سره ونجواه، مع الإعراض عن ملذات الحياة”.
وبسبب هذه المصاحبة عاد إلى ميدان العلم، وشرع في القراءة على ابن الصديق، فلازم دروسه العلمية التي كان يلقيها في الجامع الكبير وفي غيره، وكان صاحبنا على حظ وافر من الذكاء، سريع الفهم والإدراك، فساعده ذلك على التمكن من العلوم التي أخذها عن شيخه من نحو وفقه وحديث وتفسير.
ولما نحا شيخه نحو التصوف وأسس الطريقة الصديقية الدرقاوية كان هو من المبرزين في هذه الطريقة، فحاز عند أتباع شيخه وعند غيرهم من أهل هذا البلد مكانة مرموقة ومنزلة محترمة، فكان لا يذكر في المجالس إلا ب (مولاي العربي) كما سمعت هذا من أفواه كثير من وجهاء هذا البلد.
وسطع نجمه في ميدان العلم، فدرس وخطب وكتب. كان يلقي دروسا في النحو والفقه والشمائل والتصوف، وممن تتلذذ له الأساتذة عبد الحي، وعبد العزيز، والحسن، بنو الصديق، وغيرهم.
وكان يخطب خطبة الجمعة بالزاوية الصديقية، واستمر في القيام بهذه المهمة ما يقرب من ثلاثين سنة، ويؤم فيها أوقات الصلوات الخمس.
وكتب مقالات نشرت في “مجلة الإسلام” التي كانت تصدر بالقاهرة، وله ردود فيها على بعض علماء عصره، وكتب ترجمة حافلة لشيخه سماها “نسيم وادي العقيق” في مجلد وقفتُ عليه، وصاحب “التصور والتصديق” ينقل عنه كثيرا.
توفي يوم الإثنين ثاني شعبان عام واحد وسبعين وثلاث مئة وألف(1371ه) ودفن بالزاوية الصديقية على يسار محرابها”.
عبد اللطيب بنيحى