قَدِمَ إيون بيرديكاريس إلى طنجة عام 1872، واستقر في إقامته الشتوية التي أطلق عليها إسم “قصر المنزه”، وهي مكان فندق المنزه حاليا، كان يلتقي فيها بأفراد الجالية الغربية.
شارك بيرديكاريس في إدارة المدينة، حيث ترأس لبضع سنوات لجنة النظافة، وفي وقت وجيز تمكَّن من الإستثمار في مشاريع جعلت منه صاحب أملاك وعقارات ضخمة في المدينة.
وفي عام 1878، قرر بيرديكاريس بناء وتهيئة إقامته الصيفية على مرتفعات ساحلية خلابة مطلة على مضيق جبل طارق على مساحة 300 هكتار، وقد أطلق بيرديكاريس إسم “مكان العندليب” على موقعه، وإسم “أيدونيا” على إقامته، هذه الأخيرة التي تعرف حاليا بإسم قصر بيرديكاريس.
وقد شكَّل حادث اختطاف بيرديكاريس مادة إعلامية مهمة تناولتها العديد من الصحف العالمية، ففي مساء 18 ماي 1904، استهدفت قوات الريسوني قصر أيدونيا وقامت باختطاف بيرديكاريس و ربيبه كرومويل فارلي، وصفت زوجة هذا الأخير بداية المشهد قائلة: ” بعد أن انتهينا من تناول وجبة العشاء وجلسنا في الصالون بحوالي عشر دقائق، إذ بنا نسمع صراخا آتيا من المطبخ، توجهنا إليه فإذا بنا أمام مجموعة من الرجال المسلحين بداخله، حاولتُ المقاومة لكنهم طرحوني أرضا، بينما وجَّهوا بنادقهم نحو رأس والدتي والبنات”.
وقد تمَّ إجبار بيرديكاريس و ربيبه على مرافقة رجال الريسوني راكبين على الخيل في رحلة طويلة انتهت بإطلاق سراحهما بعد قرابة شهر من المفاوضات العسيرة بين الريسوني والسلطان مولاي عبد العزيز.
رواية بيرديكاريس لحادث اختطافه
“قدمنا إلى قصر أيدونيا مقر اقامتنا الصيفية الذي يبعد حوالي خمسة أميال من طنجة، يومين قبل هذه الحادثة. المنزل الذي أقمناه هنا عبارة عن فيلا متواضعة تطل على مدخل مضيق جبل طارق، وتحيط بها أراضي تبلغ مساحتها حوالي 300 فدان، وتضم المنطقة الكثير من الغابات والصخور، إلا أن هذه الرحلة كانت كارثية علينا للأسف بسبب القلق والهلع الذي تسببت به غارة الريسوني علينا.
ترتبط ذكرى تلك الأمسية بشعور رهيب بالرعب. اجتمعنا في غرفة الاستقبال مباشرة بعد العشاء، عندما سمعنا الصراخ بصوت عال للخدم متبوعا بابن زوجتي كرومويل فارلي وزوجته وابنتيه والسيدة بيرديكاريس، هرعت إلى ممر يؤدي إلى قاعة الخدم، حيث تفاجأت بوجود مجموعة من المسلحين من أبناء البلد.
ولما أدرت رأسي نحوهم لتقصي حقيقة ما حدث، رأيت بعض خدامنا مقيدين وعاجزين عن الحركة، وفي نفس اللحظة هاجمنا هؤلاء المتسللون الذين ضربونا بأعقاب بنادقهم، وبعدها كانت أيدينا ملتوية تقريبا ومقيدة خلف ظهورنا بحبال متينة وحادة مثل السكاكين.
رفع قائد المتسللين يده وأعلن بنبرة صوت منخفضة مؤكدا أنه إذا لم نقم بأي محاولة فرار أو إحداث أي تشويش، فلن يصيبنا أي ضرر، ثم أضاف قائلا: ” أنا الريسوني..”، اكتشفت فيما بعد بأن هذا الرجل معروف بين أتباعه بمولاي أحمد بن محمد الريسوني “.
ردود فعل الاختطاف
ردا على اختطاف المواطن الأمريكي ورجل الأعمال أيون بيرديكاريس في المغرب، اندلعت أزمة بين ثيودور روزفلت الرئيس الأمريكي ومولاي عبد العزيز سلطان المغرب، على إثرها هددت واشنطن بقصف مدينة طنجة.
دوافع اختيار بيرديكاريس للإقامة في طنجة
تشير بعض المصادر إلى أن الدافع الرئيسي والمعلن لاختيار بيرديكاريس الاستقرار في طنجة وبناء إقامته الصيفية بالرميلات، بغض النظر عن كونه عاشقا للطبيعة، هو معاناة زوجته “إلين” من مرضها، حيث المناخ المعتدل والهواء الطلق والنقي للموقع قد يساهمان في تعافيها. تقول إحدى المصادر أن بيرديكاريس سمع لأول مرة عن مدينة طنجة في رحلة بحرية قام بها معها عبر المحيط الأطلسي، من خلال محادثة أجراها مع ضابط في البحرية الفرنسية حدثه فيها عن المزايا المناخية لهذه المدينة الجميلة، والتي قد تناسب زوجته وتساعدها على التعافي.
فضلا عن ذلك، فالموقع يمنح إمكانيات متعددة قد تكون دافعا غير معلن عنه. فكونه بعيد عن ضجيج المدينة وصخبها يجعل منه مكانا مناسبا لتنظيم حفلات واستقبال العديد من الشخصيات المرموقة، وبالتالي ربط العديد من العلاقات الاجتماعية. كما يوفر الموقع أيضا إمكانية مراقبة الساحل المطل على مضيق جبل طارق الاستراتيجي.
عبد اللطيف بنيحيى