لا داعي لنتخيّل ما كان ليحصل لو أضرب عمال النظافة ليوم أو اثنين أو ثلاثة. جنود لا يُستَبدلون في معركة لا تتوقّف. المهنة راقية والرسالة إنسانية، أمّا المجتمع فيسوده الكثير من التشوهات على مستويات مختلفة في أنماط التفكير، بدءاً من نمط التمييز مروراً بالوصمة الاجتماعية تجاه الآخرين وصولاً إلى الحكم عليهم وربط نجاحهم بصُوَر معيّنة.
عمال النظافة باعتبارهم جنود خفاء يعملون في أوقات مبكرة، يعملون في أوقات متأخرة، هدفهم الأساس إظهار كل مرافق المدن في صورة بهية، تجدهم في كل مكان، في الشوارع وفي الساحات، سلاحهم في ذلك وسائل تقليدية، فضلا عن آليات عفا عنها الزمن والغريب في الأمر أنهم يحاولون جادين وبإخلاص تنظيف الشوارع من مخلفات بقايا الطعام والأزبال التي يتركها السكان والمارة على حد سواء.
المواطن، كما الأسر، كما العائلات، كيفما تكون درجتهم ومركزهم الاجتماعي يتسببون في تلوث الفضاءات العمومية والساحات والشوارع وفي نفس الإطار يقدمون شكاوى بعدم نظافة المدن، ناسين بذلك أنهم السبب الرئيسي في ذلك متهمين هذه الفئة الهشة بعدم القيام بمهامها كاملة، علما أن هؤلاء لا حول لهم ولا قوة في ذلك، بحيث نجدهم يشتغلون في عز أيام القر بدون واقيات يدوية، كما يشتغلون في أوقات الحر دون أي امتياز يشجعهم على القيام بمهامهم في أحسن الظروف، قد يتعرضون أحيانا للتعنيف من طرف بعض التجار والسكان أو المارة، علما أن هؤلاء يشتغلون بإخلاص ولا يتوانون في القيام بمسؤولياتهم كاملة في مقابل أجر زهيد لا يُسمن ولا يُغني من جوع.
إنها فعلا فئة محرومة من أبسط الحقوق، لا يمكنها بأي حال من الأحوال المطالبة بحقوقها أو بتحسين ظروف عملها، لأنها تقع تحت طائلة الطرد التعسفي الذي يهددها من حين لآخر وفي ظل غياب ضمانات فعلية وحقيقية تحمي مصالح هذه الشريحة من العمال، سيظل الوضع كما هو عليه، علما أنهم من أولئك الذين يسهرون على نظافة مدنهم من شوائب سكانها ومجتمعها المدني ومن قاذورات جمعياتهم.
سهيلة أضريف