في جو يطبعه غياب الاحتفالات الجماهيرية والشعارات النقابية الرنانة، خلدت الشغيلة المغربية عيدها الأممي في هدوء وسكون شاب أغلب المدن المغربية.
ولم تمنع السياقات الدولية والوطنية الحكومة المغربية من بذل الجهود من أجل طبع أول عيد لها بسمات إيجاية، بحثا عن رضى الشعب وتطلعا لتشييد علاقات تفاعل إيجابية معه، فما فتئت أن أطلقت على المرحلة شعار “بناء الثقة” المعهود، لتعلن عن توقيع “الاتفاق التاريخي” الموقع بينها وبين النقابات وأرباب المقاولات الأكثر تمثيلية، كنتاج لجولات متعددة وطويلة من المفاوضات بدأت منذ فبراير الماضي.
مخرجات الحوار عبارة عن اتفاق تاريخي يعد الأول من نوعه حسب تصريح رئيس الحكومة، يضم تدابير دقيقة ومرقمة، بجدولة واضحة للإجراءات ومقيد ببرنامج عمل محدد التاريخ، بمنهجية عمل عقلانية ميزت بين ثلاثة مواضيع رئيسية شملت إصلاحات متعددة..
القطاع العام:
من أجل تحسين القدرة الشرائية للموظفين والموظفات العموميين، تم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3500 درهم صافية، إلى جانب تصفية الترقيات العالقة ورفع حصيص الترقي في الدرجة من 33 إلى 36 في المئة، فضلا عن رفع قيمة التعويضات العائلية للإبن (ة) الرابع والخامس والسادس إلى 100 درهم في الشهر وأيضا، إقرار رخصة الأبوة لمدة 15 يوما مدفوعة الأجر.
كما تم الرفع من قيمة التعويض عن الأخطار المهنية لفائدة الأطر الإدارية والتقنية بقيمة 1400 درهم شهريا.
وعلى صعيد سلالم الترقي، قررت الحكومة حذف السلم السابع بالنسبة للموظفين المنتمين إلى هيأتي المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، وإلحاقهم مباشرة بالسلم التاسع.
وفي نفس الصدد، أعلنت الحكومة عن عزمها مراجعة نظام الضريبة على الدخل، وإنشاء مؤسسة اجتماعية بين وزارية، تضم كافة موظفي قطاعات الوظيفة العمومية المحرومين من المؤسسات الاجتماعية.
وفيما يخص قطاع التعليم، باعتباره أولوية حكومية، قررت هذه الأخيرة تسوية وضعية المتصرفين التربويين ومستشاري التوجيه والتخطيط التربوي وكذا وضعية أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي المكلفين بالتدريس خارج سلكهم الأصلي، إلى جانب تسوية باقي الملفات المتوافق حولها، مع الالتزام بإصلاح المدرسة العمومية بإرساء نظام جديد موحد يهدف إلى تحفيز الموارد البشرية.
أما قطاع الصحة، فحظي بدوره بإصلاح قضى بمنح الأطباء الرقم 509 بالشبكة الاستدلالية في بداية المسار المهني، مع إقرار التعويضات المرتبطة بها، إلى جانب تسريع وتيرة ترقي الممرضين في مختلف الدرجات.
القطاع الخاص:
على غرار القطاع العام، عملت الحكومة على تحسين القدرة الشرائية للأجراء، من خلال سن التوحيد التدريجي للحد الأدنى للأجور بين قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة والقطاع الفلاحي، بتقرير زيادة بنسبة 10 في المئة ابتداء من شتنبر المقبل، في أفق الوصول للتوحيد التام سنة 2028.
كما قررت مراجعة قاعدة احتساب الأجور التي يتم على أساسها تحديد قيمة المعاش، لفائدة المحالين على التقاعد المتضررين من الجائحة، وذلك بعدم احتساب الفترة ما بين فبراير 2020 ودجنبر 2021 في تحديد قيمة المعاش، فضلا عن تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 يوم اشتراك إلى 1320 يوما، بما فيها تمكين المؤمن له من استرجاع حصة الاشتراكات الأجرية واشتراكات المشغل.
وفي سابقة من نوعها، ستعمل الحكومة على الإعانة في كلفة التصريح بالعاملات والعمال المنزليين في الضمان الاجتماعي، تشجيعا لعمل النساء وحماية لهن..
وعلى صعيد متصل، أعلنت عن عزمها الرفع من عدد اتفاقيات الشغل الجماعية المبرمة إلى مئة مقاولة سنويا على الأقل، وذلك من خلال وضع برنامج لتكوين الأطراف المعنية وتعزيز قدرتها لإبرام اتفاقيات الشغل الجماعية، كما ستضع رهن إشارتهم خبراء مختصين لتنشيط ومواكبة إبرام الاتفاقيات، فضلا عن إحداث جائزة وطنية لاتفاقيات الشغل المتميزة.
مأسسة الحوار الاجتماعي
ارتكزت الحكومة على رهان مأسسة الحوار الاجتماعي لتطبع مسارها السياسي، في اهتمام بالهواجس المرافقة لمستقبل الاتفاق الاجتماعي الحالي، وارتكزت على تفعيل أدوار اللجن الوطنية والجهوية والإقليمية، التي ستعقد اجتماعات دورية منتظمة، كما سطرت جدولة زمنية لإخراج القوانين والمراسيم التنظيمية الراهنة، سواء المتعلقة بشروط ممارسة حق الإضراب أو بمراجعة بعض مقتضيات مدونة الشغل وكذا القوانين المتعلقة بالنقابات المهنية وانتخاباتها..
وتأسيسا للأدوار الاجتماعية، ستعمل الحكومة على إخراج ميثاق وطني للحوار الاجتماعي مرتكز على مرجعية “السنة الاجتماعية”، يقضي بتقييم حصيلة الفاعلين سنويا، فضلا عن إحداث آليات مواكبة للمأسسة، تتجلى في المرصد الوطني للحوار الاجتماعي وأكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل والمناخ الاجتماعي.
كما تراهن الحكومة على إعطاء دفعة للمفاوضات الجماعية إلى جانب الرفع من جودة تفتيش الشغل وإشاعة الثقافة النقابية..
مجهودات تشاركية تبقى محمودة في شموليتها، وإن كان الاتفاق الاجتماعي تختلط وتمتزج فيه التدابير العملية بإعلان النوايا، ورغم نأيه وبعده عن مطالب النقابات المنادية بالزيادة في الأجور لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات، وشعارات التهميش والإقصاء والتوزيع العادل للثروات..
أمل عكاشة