“زواج المال بالسلطة” شعار ردده الكثيرون بعد تولي حزب الحمامة قيادة الحكومة الحالية، مُحمِلينه الكثير من الخلفيات والشحنات، في اتهام مباشر بخدمة المصالح الخاصة على حساب الشعب ومنافعه العامة.. ويغيب عن هؤلاء المنعمين في سبات نظرية المؤامرة، أننا في دولة لها مؤسسات ومنظومة قانونية يستحيل معهما كل هذا الفساد.
مناسبة الحديث هنا، هو إضطلاع مجلس المنافسة بتفعيل دوره في دراسة أسباب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية، بعد الزيادات القياسية التي شهدتها الأسعار خلال الربع الأول من السنة الجارية.
وإذ يعتبر المجلس أنه لتقلبات الأسعار “الشديدة” نتائج مرتبطة بحالة الغموض المحيطة بظروف الانتعاش الاقتصادي العالمي، المسجل في فترة ما بعد الجائحة وكذا التوترات الجيو- سياسية التي تعرفها أوروبا على الخصوص، اللذان انعكسا على أسعار جل المواد والسلع المعنية بهذه الزيادة، بحكم أن جزء كبيرا من هذه المواد يتم استيرادها من الخارج، خاصة منتجات الطاقة والحبوب.. فإنه يضع نصب أعينه احتمال ارتكاب ممارسات منافية لقواعد المنافسة في الأسواق المغربية، إذ قد يلجأ بعض الفاعلون الاقتصاديون إلى استغلال هذا الوضع والزيادة في هوامش الربح الخاصة بهم لأجل مضاعفة أرباحهم.
وفي هذا الصدد، نستحضر اتهامات الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول بمراكمة شركات معينة لأرباح تجاوزت 45 مليار درهم نهاية 2021، بفعل تحرير أسعار المحروقات، إلى جانب اتهامات بالجملة طالت نفس الشركات كما الحكومة، جراء الارتفاع الصاروخي الأخير لأثمنة البنزين والغازوال..
اتهامات تحمل صدى على المواطن، تزكي الشعور بعدم الرضى وغياب الأمن القانوني.. جعلت المؤسسة الدستورية (مجلس المنافسة) تُفعِل مادتها الرابعة من أجل ضمان الشفافية والانصاف في العلاقات الاقتصادية، وذلك عبر طرح الأسئلة التالية: هل تتعلق الأسعار المسجلة في السوق الوطنية، بعوامل خارجية مرتبطة بارتفاع أسعار الموارد الأولية المستوردة؟ أم تعزى إلى عناصر غير مشروعة ومرتبطة بممارسات محظورة بموجب القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة؟
وتفيد مذكرة المجلس أن الدراسة ستنصب على منتجات مختارة عن طريق ثلاثة محددات، يتعلق الأول بطبيعة المنتج، إذا كان أساسيا أو غير أساسي، والثاني بمدى التبعية للأسواق العالمية، بالنظر إلى كونه مصنع محليا أم مستورد، بينما يتعلق العنصر الثالث بمستويات الزيادات في أسعار بيعها المسجلة في السوق المحلية.
وهكذا ستشمل الدراسة إلى جانب المواد الطاقية (الغازوال، البنزين، الفيول، الفحم) كلا من المواد الغذائية ومواد البناء، وذلك على فترة زمنية تمتد من 2018، قبل الأزمة الصحية، إلى الربع الأول من السنة الجارية.
ومن كل ما سبق، سيسعى مجلس المنافسة إلى تقديم عناصر الإجابة لفهم الأسباب الكامنة وراء التقلبات الأخيرة في أسعار البيع على الصعيد الوطني، مع تقييم انعكاساتها على الأسواق الوطنية، ثم اقتراح التوصيات الكفيلة بتحسين السير التنافسي للأسواق المذكورة.
وفي انتظار إصدار رأي المجلس، نشير إلى أن توصياته لا تعتبر ملزمة “قانونا” للإدارة المخاطبة بها، وإنما تحمل بعدا معنويا ثقيلا، أولا لأن القانون نفسه ألزم الإدارات بإخبار المجلس بما تعتمد اتخاذه من تدابير لتطبيق توصياته، ثانيا باعتبار آراءه وتوصياته تحمل آثارا على الرأي العام وثالثا والأهم لكون تقريره السنوي يرفع إلى نظر جلالة الملك..
وعلى سبيل الختم، تبقى إمكانية الفساد قائمة في أي نظام سياسي، وبين جدلية النظام والفوضى تظل دولة المؤسسات هي أحسن تعبير عن النضج الإنساني، فقط وجب تطويره وتحيينه وفق متطلبات كل زمان ومكان.
أمل عكاشة