طُبعت أولى جلسات المساءلة الشفوية للدورة الربيعية للبرلمان، المنعقدة بداية هذا الأسبوع، بنقاش حاد ومحتدم، عكس إلى حد ما، ما يعيشه المجتمع المغربي من غليان وتهيج.. وإذا كانت طبيعة المؤسسة التشريعية، تفرض هذا الانعكاس الإيجابي، حيث يفترض من خلالها نقل أسئلة واستفسارات المواطنين، بما تحمله من انطباعات بالغضب والاستنكار.. إلى المدبرين وأصحاب القرار، لإحاطتهم علما بما يجري على صعيد كل أقاليم المملكة أولا، ثم لمساءلتهم عن تدبيرهم القطاعي وأيضا، لرصد جهودهم في حل المعضلات والمشاكل..
ولا يجادل اثنان في كون الموضوع الشاغل والمرهق للمغاربة في هذه الآونة؛ هو غلاء أسعار المواد الاستهلاكية وهواجس المستقبل في تأمين المؤن الغذائية.. الأمر الذي جسدته فعلا جلسة مساءلة وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، حيث أمطره النواب والنائبات بأسئلتهم الهجومية المباشرة، في رفض قاطع لأي محاولة جنوح لأجوبة نمطية، عمومية، بعيدة عن الواقع الكئيب.
بعد 14 سنة من المخطط الأخضر: فلفل ب25 درهما !
حظي نقاش غلاء أسعار الخضر والفواكه بحصة الأسد من تدخلات وتعقيبات النواب البرلمانيين، فلم يترد نائب في توجيه سهام غضبه على الوزير، معتبرا أن الأمر لا يخلو من اختلالات، فكيف يعقل أن تُصرف 15 ألف مليار درهم على المخطط الأخضر على امتداد 14 سنة، دون أن نصل للأمن الغدائي، مبرزا أن الهدف الأساسي من الإقدام عليه كان أساسا هو التمكن من التحكم في أسعار الخضر والفواكه، في حين نجد اليوم سعر الفلفل الأخضر يبلغ 25 درهما.
في نفس السياق، استنكر نائب آخر فائدة المخطط الأخضر على المغاربة، مصرحا أنه أخضر فقط في عيون الشركات المصدرة لخيرات البلاد، معتبرا أن خدمة المخطط لأجندات هذه الشركات، حتمت على المغرب تغييب الزراعات الأساسية لصالح أخرى موجهة للتصدير، كما تسببت في تعطيش مئات من الهكتارات بسبب اختيار زراعات غير منتجة.. متسائلا في الختام عن كيفية تدبير أزمة القمح، فهل سيأكل المواطن “أفوكا” عوضه؟ !
وفي جواب الوزير محمد الصديقي عن ما وجه له من استنكارات، أكد أنه لولا المخطط الأخضر وما صاحبه من مجهودات منذ عشر سنوات لكان المغرب في حالة كارثية، فبفضله نعيش اليوم وفرة في كل المنتجات الغذائية، ودعا إلى النظر إلى ما تكابده الدول الأخرى من نقص وشح في المواد الأساسية.. مقرا بكون الغلاء موجود، إلا أنه يرجع لموجة عالمية تفرضه !
وبحثا عن الحلول، قال الوزير إنه تم إشراك المعنيين من أجل توقيف التصدير من أجل تموين السوق الوطنية، داعيا إلى التحلي بالإيجابية في التعاطي مع الأمور. الأمر الذي تفاعل معه نائب معارض، معتبرا أن هذه الخطة كانت ستأتي أكلها لو عززت بالاستباقية قبل حدوث الأزمة..
السيادة الغذائية والأمن الغذائي.. هواجس المستقبل
وغير بعيد عن مشاكل ارتفاع الأسعار، تُطرح بنفس الحدة هواجس الأمن الغذائي للمغاربة مستقبلا، وهو ما تدارسه المجلس في محور المخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، حيث تساءل النواب عن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لتأمينه وعن أفق تحقيق السيادة الغدائية..
وفي توضيحه، أردف الوزير قائلا إن هناك موادا لا يسمح الإنتاج الوطني بتغطيتها وهي الحبوب والسكر وزيوت المائدة، فضلا عن المدخلات الفلاحية، خاصة البذور والأسمدة الآزوتية والمبيدات التي لا يتم إنتاجها محليا، معلنا أنه في هذا السياق، تعمل الوزارة على إعداد تصور لإحداث منظومة وطنية متكاملة للمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، سيتم الشروع في تنفيذه بمجرد تحديد رؤيته النهائية، مشيرا إلى أنه في جميع الأحوال، فإنه لا يمكن تكوينه في الظرفية الحالية، نظرا للارتفاع الكبير في الأثمنة على المستوى العالمي.
الحرب تَجمَح غلاء القمح
أما عن مادة القمح الأساسية في تغذية المغاربة، فقد أصبحت ترهق البال أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع غموض مآل الحرب على أوكرانيا وآجال انقضائها، الأمر الذي زكى من أسئلة النواب في هذا الصدد، منتقدين الارتفاع المهول لأثمنة القمح بالسوق الذي وصل إلى ثمن 600 درهم للقنطار، رغم أن الوزارة سقفته في 280 درهما، معبرين عن غضبهم الجامح من ظاهرة هيمنة “لوبيات” على القمح، التي أصبحت تلعب دور المخزن والموزع..
أمور وادعاءات فندها الوزير بالقول إن الوزارة، تزامنا مع ظروف الحرب، اعتمدت إجراءات لأجل تسقيف ثمن القمح، من خلال وقف استيفاء الرسوم الجمركية على واردات القمح واعتماد منحة جزافية على الفرق بين ثمن الاستيراد وثمن البيع، لضمان بيع الدقيق بثمن لا يتجاوز 3,5 درهما للكيلوجرام.
الجفاف ومسلسل دعم الفلاحين ومربيي الماشية
وحول تداعيات قلة التساقطات وتأخرها على الموسم الفلاحي الحالي، نقل النواب استفسارات مهنيي القطاع، عن الاستراتيجية الحكومية للدعم الواقعي والفعال للفلاحين ومربيي الماشية، الذين عانوا من تضرر غير معهود في نقص العلف والإنتاجات الفلاحية..
وما كان للوزير إلا الإقرار بالضرر الواقع عليهم، مشيرا إلى مجهودات الوزارة في دعمها لمربيي الماشية بمليون قنطار من الشعير المدعم في المناطق المتضررة.. إضافة إلى وضع مخطط استثنائي لتقديم المساعدة للفلاحين ومربيي الماشية بكلفة 10 ملايير درهم.
جواب لم يشف الغليل، عجل في توجيه تعقيبات متتالية، ورد في أحدها “إنه رغم المجهودات المبذولة فإنها لم تنعكس على أرض الواقع، فالمواطن في حاجة لأفعال ملموسة تغير من معاناته”، في حين سلط تعقيب آخر الضوء على نقط الضعف التي طبعت عملية منح الدعم، وتجلت على الخصوص في قلة نقط التوزيع، إضافة إلى توحيد معيار المنح على أساس شخصي، المحدد في عشرة أكياس لكل “كساب”، دون تمييز بين حجم وأعداد الماشية الموجودة لدى كل فرد منهم.
مساءلة ومطالب متعددة ومتنوعة.. وردت على الوزير، نقلا ورصدا لصدى المجتمع المغربي، جسدت إلى حد مقبول مظهرا من تجليات أو “تمثيليات” ممارسة وجه من الديمقراطية، ويبقى الرهان على حل المشاكل وإيجاد الحلول، فلا جدال في أن الواقع لا يخفى على أحد.
أمل عكاشة



















