بين كر وفر تهديدات الجامعة الوطنية للنقل المتعدد الوسائط بخوض إضراب مفتوح وقرار العدول عنه بساعات قليلة قبل موعده، كان لهواجس أسعار المحروقات وقع خاص هذا الأسبوع.
فأمام تعالي الأصوات الغاضبة بالتجاهل المبين للحكومة لكل ما يقع من تبعات ارتفاع أسعار النفط وجنوحها إلى الصمت المطبق، يتفاجأ المغاربة بوصول لتر “المازوت” في بعض المناطق إلى ما يفوق سعر 15.5 درهما، متجاوزا نظيره “البنزين” في أحيان كثيرة.
الوضع المنبئ بمخاطر جمة سواء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، دفع الجامعة الوطنية للنقل المتعدد الوسائط إلى تسطير ملف مطلبي استعجالي، معززا بخطوات نضالية ترافعية من أجل تحقيقه، نظرا لكون الحالة هذه تهدد بإفلاس حقيقي لسحابة كبيرة من المقاولات الطرقية.. وقد ضم الملف مطلب الإسراع في اعتماد إطار قانوني وتنظيمي خاص بمؤشر “الكازوال” يهدف إلى تقنين تقلب سعره، إضافة إلى إيجاد حلول عملية لمشكلة سداد الأقساط المرتبة عن القروض والإيجار، بما يراعي الوضعية الراهنة للمقاولة النقلية، فضلا عن تحديد التكلفة المرجعية للكازوال المهني.
الترافع النضالي أصبح بمثابة سراب بمجرد إعلان وزارة النقل واللوجستيك، نيتها العمل على إعداد مشروع قانون يتعلق بمقايسة أثمنة النقل الطرقي وأسعار المحروقات، مع وعود ببرمجة اجتماع لدراسة الصعوبات التي تواجه المهنيين لاحترام آجال تسديد أقساط القروض لمؤسسات التمويل.. مفعول السحر هذا جاء نتيجة لتدخل شكيب لعلج، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، من أجل تقريب وجهات النظر بين المهنيين والوزارة حسب بلاغ للجامعة.
وفي نفس السياق، وفي إطار إقرار الحقوق، وجب القول إن حكومتنا أقرت مؤخرا حلا “جهنميا” يقضي بتخويل دعم مالي لقطاع النقل الطرقي، مؤازرة لهم في تحمل الزيادة الصاروخية لأسعار البنزين، متناسية ومتجاهلة معاناة الأفراد من هذا المصاب، محققة ضربة ذكية خولت لها تهدئة شحنات غضب جمهور المهنيين من جهة، والهرب من معالجة المشكل في عمقه وجوهره بالقول إنها فعلت كل ما في وسعها وأن حلها هو الموجود والممكن.
وإغناء للنقاش الدائر حول الحلول الممكنة والمقترحة، نذكر ما طالبت به الجامعة المغربية لحقوق المستهلك من دعوة للحكومة إلى مراجعة قانون المالية فيما يخص تخفيض نسب الضريبة ذات العلاقة مع الزيادة في المحروقات، خاصة إذا علمنا أن هذه الزيادة تعني بالتبعية وبالضرورة، زيادة في مداخيل الضرائب.. في حين أن وضعية المواطن لا تتحمل هذا الإثراء في خزينة الدولة على حسابه.
كما دعت الجامعة إلى مراجعة الدعم المباشر لمهنيي النقل، حيث أثبت الواقع محدودية التجهيز اللوجستيكي الذي هيأته الوزارة من أجل تنفيذه، ناهيك عن أن الوزارة لم تحدد بدقة الفئة المستهدفة من الدعم، بما يفسح مجال الاستفادة لغير المعوزين له، إذ سيوجه لأباب المقاولات ولأصحاب رخص استغلال سيارات الأجرة حسب شهود متطابقة لسائقي “تاكسيات”..
وفي مجمل المشهد المأساوي المؤسف، الذي يرخي بثقله ليس فقط على المعوزين والفقراء بل يثقل كاهل الطبقة المتوسطة أيضا، يسود انطباع عام لدى المواطنين بضعف الحكومة الحالية وبقلة حيلتها أمام اللوبيات التي ينمو غناها على وقع الأزمة، ويُضاف إلى القائمة الطويلة لإخفاقات الحكومة الفتية، ملف ثقيل يؤكد بعدها عن شعارها الرنان “الدولة الاجتماعية”.
وعلى سبيل الختم، نود التذكير بكون “لعنة” تحرير أسعار المحروقات هي من مخلفات “حكومة بنكيران” التي أدخلت المغرب في صعوبات حقيقية يبدو أفقها غامضا وقاصيا، فكيف ستصمد البلاد أمام غياب أي أسس للتنافس في سوق المحروقات الدوية؟ وأمام الحل البعيد لمشكل تعطيل محطة تكرير البترول بمصفاة لاسامير؟
أمل عكاشة