احتضن بيت الصحافة بمدينة طنجة، يوم السبت 19 مارس 2022، لقاء علميا من تنظيم مركز عبد المالك السعدي للدراسات والأبحاث القانونية، حول موضوع “أجرأة النموذج التنموي الجديد”، المؤطر من قبل الدكتور محمد العمراني بوخبزة، عضو اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد وعميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان.
استهل اللقاء بكلمة ترحيبية من رئيس المركز، الدكتور عبد الكبير يحيا، شكر من خلالها ضيف اللقاء على سرعة استجابته لدعوة المركز وكرم حضوره اللامشروط دعما لرسالة المركز العلمية، كما توجه الأستاذ يحيا للحضور بالترحيب معلنا انطلاق الجلسة العلمية.
في بداية كلمته، شكر العميد بوخبزة رئيس وأعضاء المركز المنظم للقاء، معربا عن تثمينه لمبادرة تناول موضوع “أجرأة النموذج التنموي”، ومعبرا عن تقديره لمجهودات المركز العلمية من خلال مختلف الأنشطة والفعاليات التي يعقدها منذ نشأته، المرسخة لإسهام المركز في وضع العلوم القانونية في مراكز الاهتمام والعناية لصالح الطلبة والمهتمين عامة.
وبعد توطة مقتضبة، أثار العميد أسئلة اعتبراها بمثابة إطار لمناقشة إشكالية الأجرأة، وهي بالأساس الأجل الزمني المرتبط بالتنزيل، مفارقة عدم تكرار البطء الذي طبع المخططات السابقة، ورهانات النجاح من خلال تجاوز مسببات الإخفاق التي عرفتها التجارب السابقة.
وخوضا في معالجة مسألة أجل التنزيل، أردف العميد أن المخطط جاء لفترة غير وجيزة، على اعتبار أنه خطط لأفق 2030، حيث وضع برامج ومشاريع مرتبة حسب الأولوية على امتداد فترة التنزيل.
وأضاف في نفس السياق أن مدة التنزيل محددة في ثلاث ولايات حكومية، بسقف زمني يناهز خمس عشرة (15) سنة، مع الأخذ بعين الاعتبار تقسيم فترات الإنجاز عبر التمييز بين ما هو مستعجل وأساسي وما يتطلب توفر بنية معينة من أجل الإنجاز.
وفيما يخص ضمانات عدم الإخفاق، فوضح أنها تتأسس على اعتماد اللجنة في صياغة التقرير على مبدأ الشمولية، مؤكدا على أنه على عكس المخططات السابقة، المطبوعة بالقطاعية والتخصص، فإن النموذج التنموي وُضع لجميع المغاربة، إذ أخذ بعين الاعتبار اختلاف الفئات الاجتماعية، تعدد القطاعات وتنوع المناطق والمجالات الجغرافية للمغرب، وهو ما انعكس على ثراء محتويات التقرير، بما يشكل ضمانة قوية لنجاح تنزيله.
وحول رهان عدم تكرار إخفاق البرامج السابقة، أو ما أطلق عليه العميد بشروط النجاح، فقد ارتكزت اللجنة أثناء اشتغالها على ثلاث ركاز أساسية، تتجلى أولاها في الطابع الملكي الذي اشتغلت في ظله اللجنة، هي المعينة من قبل أعلى سلطة في البلاد والمشتغلة في إطار طلبها، ومن جهة أخرى شكل هذا التكليف تحديا في إنجاز تصور تنموي يحظى بقبول الملك، وهو ما أضفى حافزا ودافعا للاشتغال بأكبر قدر من الاجتهاد والعزم.
ويعتبر ثاني أساس للنجاح، يضيف عضو اللجنة هو شبه الاجماع الذي حظيت به اللجنة من قبل المواطنين، على اختلاف تلويناتهم السياسية والمرجعية، وذلك راجع بالأساس لتنوع وغنى تشكيلتها حيث احتوت بوفيلات تضمن إلى حد كبير تنوع المجتمع المغربي.
ومن جانب آخر، قال العميد إن المعالجة الشمولية لقضايا ومشاكل المجتمع المغربي شكلت الأساس الثالث، وفي ذلك عملت اللجنة على جرد ودراسة جميع المخططات القطاعية السابقة، واضعة تقييما لها، وآخذة مخرجاتها بعين الاعتبار في صياغة نموذج تنموي أقرب ما يكون للشمولية.
كما أكد الأستاذ العمراني بوخبزة على أنه تعزيزا للأسس السابقة، فقد صدر التقرير بلغة بسيطة، تنأى عن التعقيد والمضامين التقنية، كما أنه يضمن تنوعا للوثائق حسب تعدد القطاعات، بهدف تحقيق التبسيط والمرونة على المتلقين والمعنيين وكذا الباحثين..
وفي نفس السياق، وتعززا لآليات النجاح، تناول العميد نقطتين إضافيتين شكلتا دعائم وركائز قوية لضمان النجاح في التنزيل، انصبت الأولى على توخي الواقعية في صياغة التقرير، مع ما رافقها من جهود في وضع اليد على نقط القوة والضعف بكل حياد وتجرد، على اعتبار أن هذا الرهان بمثابة منطلق نجاح لمخرجات التقرير. فيما تجلت النقطة الثانية، في اعتماد الإنصات طيلة مدة إعداد التقرير، وبشكل موسع وشامل.
كما عرج المتحدث على السياق الذي طبع اشتغال اللجنة في إعداد التقرير، المتسم بتحديات الجائحة وما طرحته من إكراهات، مبرزا أن اللجنة أخذت الوضع بمثابة تحد، حيث اعتبرت أن الوضع الاستثنائي هو الطبيعي مستقبلا، آخذة إكراهات وثقل الجائحة كمحددات لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية والمستقبلية للبلد.
وأضاف العميد، توضيحا لآليات اشتغال اللجنة المرتبطة بهواجس التنفيذ، أنها اعتمدت أسلوب التكامل بين التفكير والتفعيل، إذ سهرت على البدء في التنفيذ منذ اتضاح الرؤية حول آليات المعالجة، وذلك قبل حتى أن يصدر التقرير، كما هو الحال بالنسبة لموضوع زراعة القنب الهندي للأغراض المشروعة ومخطط تعميم التغطية الصحية.. وكذا في كل القضايا التي تم الاجماع على استعجالية تنفيذها.
وفي الأخير، تناول عضو لجنة إعداد النموذج التنموي محور شروط التنزيل، معتبرا أن أولى ضماناته هي توفر الإرادة، سواء لدى الملك، الأحزاب السياسية على اختلاف مشاربها وإيديولوجياتها، والمجتمع المدني والشعب المغربي عامة.
ومن جانب آخر، أضاف العميد فإنه رغم توفر الإرادة شبه المطلقة فإن الجانب الإجرائي في التنزيل يواجه إكراهات وجب تجاوزها، بداية عبر الإلتزام بضرورة الاستمرار في التنزيل، نظرا لكون النموذج مبني على مبدأ التراكم، مرورا بحقيقة مواجهة “مقاومة جيوب التغيير”، وأيضا عبر اعتماد التعبئة المستمرة الموازية لكل مراحل التفعيل.
ولأجل ذلك، وضع التقرير مجموعة من الآليات تفيد في تتبع مراحل التنزيل، إلى جانب تنصيصه على الميثاق الوطني للتنمية، وهو وثيقة مرجعية تهدف إلى إلزام الموقعين عليها أمام الملك وأمام الأمة، لضمان انخراط الجميع في مسار التنزيل والتفعيل.
وعلى سبيل الختم، أشار العميد العمراني بوخبزة إلى أنه من بين أهم شروط النجاح أيضا، توفر القيادة، وإذا جزمنا ـ والحالة هذه ـ بتوفرها في الجانب الاستراتيجي، بحكم توليه من قبل الملك، فإن الجوانب الإجرائية تبقى مرهونة في يد الحكومات، وهو ما يطرح نقاش الكفاءة والجودة في مخرجات العملية الانتخابية بالمغرب، ويجعل مسألة بناء الثقة تطفو إلى سطح رهانات تنزيل النموذج التنموي الجديد.
أمل عكاشة