طبعا إذا سألتني عن المرأة اليوم .. سأقول لك بكل ثقة ذلك الجنس اللطيف. لكن يا ترى هل تخيلتم معي يوما ما أن هذا الحمل الوديع قد ينقلب إلى سفاح متسلسل؟
“جوليا توفانا”… سيدة تُوجت ملكة على عصرها، لكن ليس على عرش من ذهب، بل على آخر شديد السمية تتلوى فيه بطون الرجال على مدى 50 عاما. وحين انتهت مراسم التتويج وضعوا حدا لها ولسان حالها يقول المرأة كيان يحسب له ألف حساب.
فصول الحكاية انطلقت بالوضع الذي كانت تعيشه المرأة الإيطالية آنذاك وبالخصوص النساء المتزوجات، وضع كان يتميز بالعنف الممارس عليهن من طرف الأزواج، حيث تسلط الرجال والمرأة ليس لها حق المطالبة بالطلاق بغية وقف هذا التسلط والقهر الممارس عليها، فلا مؤسسات تدافع عنهن ولا قواعد قانونية تحميهن، اعتبارا لكون المبادئ الكَنسية كانت تحرم الطلاق وأن الارتباط الزوجي فعل مُقدس لا ينهيه سوى الموت، فهو أبدي لأنه يجسد إرادة الله وهذه اجتهادات كنيسية لا أساس لها بالطبيعة البشرية.
عندما علمت “جوليا توفانا” بهذا الظلم المستشري قررت التدخل لوضع حد لهذه المعاناة التي عجزت عن معالجتها السلطات، فالمجتمع الإيطالي كان يعتبرها ثقافة لا يجوز مناقشتها، خاصة أنها متبنية من طرف سَدنة الكنيسة الباباوية.
من أجله، عقدت “توفانا” العزم على أنها ستحارب هذا التّسيب وإيجاد حلول لإصلاح هذا الوضع البئيس، عن طريق وصفة ذكية أعدتها لفائدة النساء المعنفات ضد أزواجهن، ابتكرت “جوليا توفانا” خليطها السحري عن طريق مزيج من المواد السامة المتوفرة لديها واحتل “الزرنيخ” الذي كان يستخدم في تبييض لون البشرة عنصرا أساسيا في خلطتها، إلى جانب كميات من نبات “البيلادونا”، هذا المكون المستخرج من نبتة التوت هو أحد أكثر النباتات سمية في أوروبا، إضافة إلى مكونات أخرى تقوم بدمجها. لم يكن دافع “توفانا” جمع الثروة فقط، بل مساعدة هؤلاء النِّسوة في التخلص من أزواجهن ووضع حد للقهر الذي ما فتِئ يتزايد عليهن.
وعلى مدار خمسين سنة، استطاعت “جوليا” مساعدة العديد من الزوجات في التخلص من أزواجهن، إذ بلغ عدد الأزواج المتوفين 600 شخص، فالعملية كانت تتم بسرية تامة عبر اتفاق بين “توفانا” والنسوة الراغبات في التخلص من أزواجهن. وهذه الخلطة أطلقت عليها اسم “الأكًوا توفانا” وهي عديمة المذاق إذ لا لون ولا رائحة لها، ما جعلها خلطة فعالة استطاعت جعل النساء المتزوجات ينتقلن من جحيم تسلط الأزواج إلى فضاء الحرية والانعتاق. كمية “الزرنيخ” و”البيلادونا” في تلك الخلطة كانت كافية للقضاء على رجل بالغ بجرعات لا تتجاوز الأربع قطرات، تنصح “جوليا” بها السيدات على أن يعطينها له على مدار أربعة أيام، لكي لا يكتشف الأطباء السبب الفعلي للوفاة.
في خمسينيات القرن 17، تم كشف حقيقة “جوليا” من قبل إحدى الزبونات التي قامت بشراء سم “الأكوا توفانا” لكن سرعان ما أحست بالندم وتأنيب الضمير، لتعترف لزوجها أنها كانت تنوي سقيه سم “الأكوا توفانا” عن طريق دسه في شربة الحساء، مؤكدة له أن جوليا هي من باعت لها الخلطة.
على إثرها، تم تبليغ الشرطة التي شرعت في البحث عنها وبعد أن أُلقي القبض عليها، اعترفت “جوليا” أنها كانت السبب في قتل 600 زوج وأن العدد ربما يكون أكثر من ذلك، كما تبين أنها قتلت زوجها، بعدما سقته سمها الصامت، ليكون أول من يلعق ما حضرته أنامل حبيبته.
تم تنفيذ الحكم بالإعدام على مخلصة النساء المتزوجات من جحيم الأزواج ومن قهرهم في ساحة عمومية، كما تم تعليق رأسها بنفس الساحة.