ليل مدينة طنجة يختلف عن ليالي باقي المدن، فهو غير خاضع للقواعد العرفية المحددة للزمن، بل هو ليل كله وصباح كله، إذ غالبا ما يكون مؤثثا بأنواع متعددة ومختلفة من المشروبات والشاي المنعنع أو القهوة التي تفوح رائحتها من كل مكان والوقت الذي يجعل لليل طنجة نهايته هو رفع أذان صلاة الصبح.
وهذا هو الصوت الوحيد الذي يحترمه الليل ولا يمكنه أن يتمرد عليه. ولا تجرؤ قوة على إيقافه إذا ما انطلق، كأنه عبارة عن حصان جموح، يتمرد على كل شيء ما لم يحقق رغبته وآماله، لكن في جميع الأحوال، فليل طنجة له عقل باطن، يخضع لتعليماته، كلما دعتِ الظروف ذلك.
ليل مناسب للحوار وللراحة، مناسب للطمأنينة ولنسيان جراحات الماضي. ليل يرتدي ثوب الأسطورة والخرافة والمطر، كما لو أنه ولد من رَحِمِ التاريخ الممزوج بالعديد من المتناقضات والألحان الموسيقية الخالدة وكذا المَقامات الصوتية المتنوعة، من مختلف القواعد السامية للجمال، ليل يستمد سردياته من أحداث ووقائع من مجموعة قصصية بوليسية كقصص “أغاتا كريستي” أو “هيتشكوك” وكأنه قطعة من نهر الفورات أو شقيق لنهر دِجلة، ليل مشحون بطاقة خارقة لا تنتهي، ليل متمرد على النهار وعاشق للقمر، ليل يحضن قصائد الشعر الثورية وخمريات الماضي، يلعب دور المواساة كما أنه يسعى إلى الربت على كتف من يحتاج إلى ذلك. ليل مدينة البوغاز يعكس جميع الأرواح المتمردة والشّريرة على وجه الكرة الأرضية. إنه ليل طنجة الذي يختلف عن باقي ليالي العالم.