قبل أن يتم ترميم قصر “بييرديكاريس” ويتحول مؤخرا إلى متحف كان مبنى آيلا للسقوط، بحيث أن جُدُره من الداخل منها ما تهدم ومنها ما كانت به تشققات، في حين أن الأخرى بقيت صامدة في وجه التفاعلات المناخية وكثرةً الرطوبة في ظل غياب الصيانة.
قصة القصر
قصر “بييرديكاريس” يحكي قصة عشق توِّجت ببناء هذه المعلمة، فهو عبارة عن مبنى متوسط الحجم، طريقة بنائه اعتمدت على طراز التعمير الشبيه بالقرون الوسطى، يتمظهر ذلك من خلال الشكل الخارجي الذي يتميز به، إذ يثير في نفسية المتأمل فيه شعورا غريبا يدفعه إلى الرغبة في تقصِّي ما يوجد بداخله. فعند محاولة اقتحام المدخل الرئيس للقصر، ينتابك نوع من الرهبة والشعور بالارتباك وكأن قاطنيه ليسوا بشرا، بل عبارة عن أشباح مستعدة للفتك بكل من يتجرأ على اقتحامه.
جُدُرُ غرف القصر منها ما لم يصمد أمام عوامل الطبيعة ومنها مازال يقاوم وكأنها بقيت وفية ومُخلصة لمن كان يقطن بها بالأمسِ، هذا فضلا عن أجزاء كبرى من الأدراج التي أبت إلا أن تتساقط وكأن لسان حالها يقول لن يصعد من خلالي شخص غير من كان يقطن به وهذا وفاء رمزي يمكن إدراجه فيما يسمى بالأسطورة.
من هو مالك القصر؟
“إيون بييرديكاريس” شخصية بارزة تنتمي إلى السلك الدبلوماسي الأمريكي، كان مغرماً بزوجته بل عاشقاً لها إلى حدِّ الجنون حيث يذكرنا في ذلك بالمغامرات العشقية “كقيس ابن المُلَوّح” و”جميل بثينة” و”ابن زيدون مع وَلادة” وغيرهم. العاشق “إيون” أخذ وعداً على نفسه بأن يبني قصرا فريداً من نوعه لزوجته حيث قال لها بالحرف “سأبني لك قصراً في أجمل أماكن العالم”، بناؤه كان يتميز بطابع خاص، مقارنة مع البنايات المعروفة، آنذاك وما زادته قيمة؛ الأحداث التي وقعت فيه، فالقصر كان يتوسط غابة كثيفة ستكون عبارة عن فصول مسرحية مثيرة.
الدبلوماسي الأمريكي ذو الأصول اليونانية اتخذ قرارا بمغادرة بلده بمعية زوجته إلى طنجة، بالتحديد غابة “الرميلات” المكان الذي إرتآه كمقر لبناء قصره، “بييرديكاريس” اكتشف هذا المكان بحكم مهمته كقُنصل للولايات المتحدة بطنجة وهذا القصر الذي شيده بكل حب ورومانسية، لخص فيه كل قواعد ومعاني العشق لزوجته. لكن الظروف قد تكون أحيانا معاكسة تماما لتطلعات الإنسان، إذ ستلوح في أفق حياة “إيون” أمواج عاتية ستجعل من قارب حياته حطاماً يستحيل الوصول من خلاله الى مرافئ النجاة، وقائع عملت على تحطيم كل أشرِعة ومجاديف قاربه، إذ تحولت حياة العاشق الدبلوماسي إلى كابوس رهيب بصم حياته إلى الأبد.
عيون تتربص
أعين الغدر في المحيط المجاور للقصر تتربص بالزوجين، أعين أجهضت كل قواعد العشق الأربعين التي نسجها في مخياله. المترصد لم يكن سوى “مولاي أحمد الريسوني”. لقد كان هذا الأخير في حاجة إلى الدعم والمال وكان قصر “بيرديكاريس” صيدا ثمينا يستطيع من خلاله تدبر مشاكله المالية، كان الملياردير يعتقد أن ماله وجنسيته ستحميانه من أي خطر يعتريه، إلا أن الريسوني كان لا يعترف بأي قوة يمكنها الوقوف أمام طموحاته، لذلك وفي سنة 1904، أغار الريسوني ومقاتلوه على قصر الدبلوماسي وتمكنوا من اختطاف زوجته وابنها.
“إيون” كاد أن يُجن بعد اختطاف زوجته المُتَيَّم بها وطلب حماية السلطان مولاي عبد العزيز، حيث تمتلث طلبات الريسوني في مقابل الإفراج عن الرهينتين؛ أن يؤدي السلطان و”بييرديكاريس” 70 ألف قطعة ذهبية، مع خروج المخزن من منطقة نفوذ الريسوني.
لكن المثير هو أن زوجة الملياردير الدبلوماسي أعجبت بالريسوني إلى حد أنها قالت إن هذا الرجل ليس زعيم عصابة ولا قاطع طريق، بل إنه يقاتل لأجل قضية وطنية ويدافع عن قومه ضد الجبروت والطغيان.