تعتبر الدكتورة زبيدة الوياغلي ([1]). من الأسماء العلمية الوازنة التي لها صدى كبير في مدينة طنجة، باعتبارها أحد الأبناء البررة بهذه المدينة، وهي عالمة وباحثة مقتدرة صرفت حياتها كلها في سبيل التعلم، وفي كل مراحله: من الابتدائي إلى الجامعي، وقد حصلت على أعلى الشهادات الجامعية، وبموازاة ذلك عملت في أكثر من جمعية نسائية: ” فكانت فاعليتها في ميدان التعليم، وكانت فاعليتها أكثر في الإشراف أو المشاركة في بعض الجمعيات الرياضية والإنسانية والمجتمع المدني ببيئة طنجة ومجتمعها، قد جعلت هذه السيدة تكبر في عين من يرصد أنشطة الفاعلين والمتفوقين في أعمالهم التربوية والإنسانية”([2]).
ولدت الأستاذة الدكتورة زبيدة الورياغلي بمدينة طنجة، في مسكن أسرتها الكريمة، الواقع في زنقة ليون الإفريقي سابقا، الحسن بن الوزان حاليا، حيث كانت تسكنه عائلات أجنبية أغلبها إسبانية وفرنسية وبعضها يهودية، وكان المغاربة يومئذ يتعايشون في سلام ووئام واحترام متبادل.
وقد نشأت السيدة زبيدة الورياغلي في مهد بيت أصيل، بيت يرى الخلال الكريمة من أوكد سلائل الأخلاق التي لم تعصف تلك المجالي المعاصرة بأعرافه، ولا بعاداته، ولا بسماته الدينية لأن تقاليده عريقة، وقيوده لازمة لا تطيق بطبعها هشاشة الأخلاق. فقد كان والدها رحمه الله من ملازمي الزاوية الكتانية بالمحج الكبير. فحرص على تنشئتها تنشئة دينة خالصة، فألحقها حين بلغت الرابعة من عمرها بكتاب الحي لحفظ القرآن وإتقان الرسم والكتابة، وظلت به لمدة سنتين تعلمت خلالها الكتابة والقراءة وحفظ قصار السور من القرآن. وحين بلغت سن السادسة ولجت مدرسة معهد مولاي المهدي الحرة بطنجة، حصلت فيها بعد الدراسة لخمس سنوات على الشهادة الابتدائية.
وقد درست في هذه المدرسة على نخبة من الأساتذة الوطنيين الذين ساهموا في خلق حركة علمية وتعليمية بمدينة طنجة، وساهموا في تكوين مجموعة من الطلبة الذين سيكون لهم الدور البارز في تحرير البلاد وطرد المستعمر منه، ومن بين هؤلاء الأساتذة: محمد المهدي الزيدي، وعبد اللطيف بوحساين، والتهامي الفلوس وغيرهم.
وتابعت الطالبة زبيدة الورياغلي دراستها بثانوية محمد الخامس سنة 1956م ، ونالت شهادة الباكالوريا بعد أربعة أعوام من التحصيل الدراسي المتين.
ولم تتوانى في طلب العلم وتحصيل الشهادات العلمية، وكانت عزيمتها لا تلين ورغبتها ظلت قوية في متابعة دراستها، التحقت بدار الحديث الحسنية وتابعت فيها الدراسة لمدة سنتين لكنها غادرتها لأسباب خاصة.
وخاضت غمار التدريس مبكرا بعدما أن تلقت المعارف التربوية بمركز تكوين المعلمات بالدار البيضاء سنة 1961/1962م، وقد عملت في قطاع التربية والتعليم لمدة ثمانية وثلاثين عاما: أستاذة للغة العربية بمختلف المؤسسات التعليمية بطنجة من بينها: مدرسة أم أيمن، وإعدادية ابن بطوطة، وثانوية ابن الخطيب. قبل تمارس الشؤون الإدارية، كما باشرت العمل الإداري التربوي بمجموعة من المدارس مثل مديرة بمدرسة عبدالرحمان أنكاي من سنة 1971إلى سنة 1982م.
وخلال مرحلة تاريخية في طنجة هبّ أثناءها كثير من العاملين في قطاع التربية التعليم إلى تحضير الشهادات الجامعية العليا، وكانت في المقدمة هؤلاء الأستاذة الورياغلي، فرغم ممارستها للتدريس لم تنس تعميق مداركها العلمية، وتنمية رصيدها المعرفي، فقطعت المراحل بإصرار ونجاح فالتحقت بكلية أصول الدين حيث نالت شهادة الإجازة العليا في أصول الدين سنة 1980م، ولتسافر بعد إلى الرباط حيث سجلت في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، لاستكمال دراستها العليا فحصلت على شهادة استكمال الدروس تخصص الدراسات الإسلامية سنة 1992م، ولتحصل لاحقا على دبلوم الدراسات العليا في الآداب تخصص الدراسات الإسلامية، جامعة عبد المالك السعدي بتطوان سنة 1998م، وليتطور هذا العمل ليصبح مادة تحضير الدكتوراه بإشراف الدكتور عبدالله المرابط الترغي رحمه الله تعالى، وكان الموضوع يتعلق بدراسة وتحقيق النصف الأول من تفسير أبي العباس أحمد بن عجيبة المسمى ب: (البحر المديد).
واستطاعت الأستاذة زبيدة الورياغلي في ظروف صعبة ثابرت فيها، على القراءة والعمل ومتابعة ورصد المصادر والمراجع المختلفة أن تنجز عملها، ولتحصل على شهادة الدكتوراه في الآداب تخصص الدراسات الإسلامية، مادة: العلوم الشرعية، سنة 2003م جامعة عبد المالك السعدي تطوان.
ونالت ببحثها هذا إعجاب وتقدير أساتذتها، وكان عمادها في العمل المضني أنها: ” أقدمت على ” البحر” وسبحت فيه، ومضت في مساربه بثبات وجلادة دون أن تلجمها روعة المخطوط أو يكبتها جلال محتواه، وهو السيل المنهمر في مسارح الفكري الصوفي الباطني… ولقد محصت دراستها المحكمة ” للبحر” كفاءها وحذقها، وحسر تحقيقها المكين له أهليتها لأنها أبدت فيه رفاهة إدراكها لفهوم الإشارات الصوفية، وجمال أنماطها مواجيد وتأملات”([3]).
إن حضور الدكتورة زبيدة الورياغلي في ميدان العمل التطوعي الخيري ونضالها في جبهات العمل الاجتماعي هو صورة من حضورها الوضاء في محاريب العلم، باحثة وأكاديمية مهمومة بمشكلات وطنها في كل المجالات، فكتبت الأبحاث والمقالات التي تلقفتها صحف طنجة المحلية، فكانت تكتب في العديد من المواضيع وبخاصة مواضيع الشخصيات النسائية في مدينة طنجة. فتنتج أعمالا مهمة تعرف فيها بنساء طنجة الرائدات بها في ميدان التعليم والأعمال الجمعوية والاجتماعية.
كتبت العديد من الدراسات والأبحاث عن التربية والتعليم، ونشرت مقالات كثيرة عن المرأة المغربية ودورها في النضال الوطني، كما أنجزت أبحاثا عن تفسير ابن عجيبة، وبعض تلك الأعمال رأت طريقها إلى النشر:
- كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: للشيخ أحمد بن عجيبة (ت1224)، (الربع الثاني بدءاً من سورة الأعراف). تقديم وتحقيق، نالت به دبلوم الدراسات العليا سنة 97ـ 1998.(مرقون).
- كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد. للشيخ أحمد بن عجيبة، النصف الأول؛ قدمته بحثا لنيل شهادة الدكتوراه الوطنية سنة 2001. (مرقون).
- تفسير سورة الفاتحة من كتاب البحر المديد: دراسة وتحقيق طبع سنة 2013 ، يقع في 120 صفحة.
- نساء طنجة الرائدات. صدر الجزء الأول سنة 2016م. مطبعة جريدة طنجة.
وهذا العمل الرائد أغنى ذاكرة طنجة وسجل للتاريخ، سير وتراجم كوكبة من نساء طنجة العالمات والعاملات، ممن كان لهن الحضور القوي في الساحة العلمية والثقافية والأدبية والفنية بهذه المدينة خلال فترة الإدارة الدولية وفي مرحلة الاستقلال.
وعن قيمة هذا الإصدار الفريد، وتقويم ما اضطلعت به مؤلفته، يقول الدكتور عبدالله المرالط الترغي: «… تبقى أعمال كتاب(نساء طنجة الرائدات) عملا جيداً، يغطي ما أهملته أقلام الرجال من أنشطة المرأة في العمل الثقافي والجمعوي بطنجة والمغرب؛ لذلك كان هذا العمل المتمثل في تراجم نساء رائدات من طنجة عملا مهما جدا، له موقعه في التأريخ لطنجة وفي الكتابة عنها، وفي التعريف بأنشطة الساحة الثقافية والفنية والفكرية والجمعوية بها».
[1]– تنظر ترجمتها في: سلسلة علماء في ضيافة المجلس العلمي: المجلد الثالث 2015- منشورات المجلس العلمي المحلي بطنجة: 14136/2015م . في ضيافة كاتب: إعداد عمر قرباش منشور في حلقتين بجريدة طنجة العددين 4073 السبت 28 شتنبر 2019 و العدد 4070 السبت 5 أكتوبر 2019
[2]– الدكتور عبد الله المرابط الترغي رحمه الله: قراءة في كتاب (تراجم نساء طنجة الرائدات) من تأليف الدكتورة زبيدة الورياغلي– سلسلة علماء في ضيافة المجلس العلمي: المجلد الثالث 2015- ص 193- منشورات المجلس العلمي المحلي بطنجة: 14136/2015م .
[3]– الأستاذ محمد التمسماني- الدكتورة زبيدة الورياغلي ” مشعل في ركب الرائدات” — سلسلة علماء في ضيافة المجلس العلمي: المجلد الثالث 2015- ص 207- منشورات المجلس العلمي المحلي بطنجة: 14136/2015م .
عدنان الوهابي