ما فتئ الفيروس المستعصي على البشرية، يقاوم جهودها، فرغم كل ما تملكه من إمكانيات علمية ومعرفية.. يظهر الفيروس ذكاء حادا في مواجهتها، يتجلى هذا الذكاء في قدرته على التطور والتحسن للحفاظ على فعاليته المؤذية، فقبل اكتمال السنة من اكتشافه، خلّف ما عرف بألفا “Alpha” في شتنبر من السنة الماضية بالمملكة المتحدة. وقد عقبها في نفس السنة أربع نسخ مطورة منه في مناطق مختلفة من العالم، بداية ببيتا “Beta” بجنوب أفريقيا، مرورا بغاما “Gamma” بالبرازيل، ثم دلتا “Delta” في الهند ولامبدا “Lambda” في أمريكا اللاتينية.
ولم تسلم السنة الحالية من اكتشاف متحورات جديدة، ولو أنها ليست بكثرة السنة الفارطة، إلا أنها يمكن أن تحمل مستجدات جينية. يتعلق الأمر بالمتحور ميو “Mu” المكتشف بداية السنة في كولومبيا. وحديث الساعة؛ المتحور الجديد أوميكرون “Omicron” ذي المنشأ جنوب إفريقي.
ويحمل المتحور الأخير مخاوف كثيرة بعد أن وصفته منظمة الصحة العالمية بالمقلق ويرجع الأمر إلى كونه يحمل أزيد من خمسين طفرة، فيما تضمنت نسخة “دلتا” ـ وهي الأشرس إلى حدود الساعة ـ 17 طفرة، كما أنه يحمل درجة أعلى من العدوى مقارنة بالسابق.
وتقول منظمة الصحة العالمية أنه إذا أدى “أوميكرون” إلى انتشار حاد آخر لكوفيد-19، فستكون العواقب وخيمة، رغم تأكيدها أنه حتى الآن، لم تسجّل أي وفيات مرتبطة به.
ونسجل في هذا الصدد، أن للمتحور الجديد نفس أعراض الإصابة بفيروس كورونا، كما أن اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل “PCR” يتمكن من كشفه، مع التأكيد أنه لم تتضح بعد مدى خطورته ومعدل انتقال عدواه، بالإضافة أنه ما زال قيد الدرس والاختبار لمعرفة فعالية اللقاح معه.
ويطرح الوضع الراهن ترقب ومخاوف عديدة، إذ تطرح عدة سيناريوهات حول إمكانية العودة لمأساة الأعداد المهولة للحالات الحرجة والصعبة العلاج، أو تزايد عدد الوفيات، حيث يمكن أن تصبح كل الجهود المبذولة في مهب الريح.
وتسارع الدول إلى توخي الوقاية من دخول المتحور الجديد أراضيها، داعية مواطنيها إلى عدم التساهل بالإجراءات الاحترازية والإسراع بتلقي اللقاح، لكونه يمثل أفق الحل الوحيد المتاح حاليا، على أمل أن تتمكن المختبرات من إيجاد دواء أو بروتوكول علاجي يقضي على المرض أو يجنب مخاطره.