الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، إلى يوم الدين.
أما بعد: عن أَنَسُ بْن مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأصحابه: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا). البخاري:9/95، رقم:7294.
أعزائي القراء: ما زال حديثنا موصولا عن الصحابة يسألون، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجيب؛ فهذا صحابي يسأل عن بر الوالدين بعد موتهما، فقد جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟، قَالَ: (نَعَمِ الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا)، رواه أبو داود:4/336، رقم:5142.
وهذا سؤال من صحابي عن أمر يُعتصمُ به، فعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: (قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ)، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: (هَذَا)، رواه الترمذي:4/607، رقم:2410.
وصحابي آخر يسأل عن أدعية وتعوذات، فعن شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ، قَالَ فَأَخَذَ بِكَتِفِي فَقَالَ: (قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي)؛ يَعْنِي فَرْجَهُ، بأن يوقعه في مقدمات الزنى؛ من النظر، واللمس. أبو داود:2/92، والترمذي:5/523.
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ، قَالَ: (قُلِ اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ -أَيْ مَا غَابَ مِنَ الْعِبَادِ وَظَهَرَ لَهُمْ-، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، -أَيْ: مُخْتَرِعَهَا وَمُوجِدَهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ-، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، -بمعنى القادر-، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِه،ِ قَالَ: قُلْهُ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ)، رواه الترمذي:5/467، رقم:3392.
وصحابي يشتاق إلى الجنة، فيسأل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّة،َ فَقَالَ: (تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ)، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ: (الْفَمُ وَالْفَرْجُ)، رواه الترمذي:4/363.
وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: (إِنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْركُ بِحُسنِ خُلُقِه درَجةَ الصائمِ القَائمِ) أَبُو داود:4/252.
وقد سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رؤية المؤمنين ربهم -سبحانه وتعالى- يوم القيامة؟، ففي الصحيحين: “أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ)؟؛ -تشكون-، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟)، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ)، البخاري:1/160، ومسلم:1/163.
وسئل -صلى الله عليه وسلم- عن بداية الخلق، فقد دَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، قَالُوا: جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ، قَالَ: (كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ)، البخاري:1/129.
وسُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شبه الولد تارة لأبيه، وبأمه تارة؟، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ، نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ)؛ أي إِذَا أَشْبَهَهُ. البخاري:6/19، رقم:4480، وهذا هو معنى قوله-صلى الله عليه وسلم-: (أَمَّا الشَّبَهُ، إِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ، ذَهَبَ بِالشَّبَه،ِ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ، ذَهَبَتْ بِالشَّبَهِ)، وفي مسند أحمد:21/341، وفيه: (يَلْتَقِي الْمَاءَانِ، فَإِذَا عَلاَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ، أَذْكَرَتْ، وَإِذَا عَلاَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ، آنَثَتْ)، مسند أحمد:4/285، رقم:2483.
وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا يُبْكِيكِ؟)، قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَمَّا فِي ثَلاَثَةِ مَوَاطِنَ، فَلاَ يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ الْكِتَابِ حِينَ يُقَالُ: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)، حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ، أَفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ) رواه أبو داود:4/240، رقم:4755.
وسَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)، رواه الترمذي:1/100، رقم:69.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين