إن التطرق إلى دور المنتخب في حماية التراث الثقافي والتاريخي يستوجب التوقف برهة عند دور المنتخب عموما، أو بمعنى آخر التوقف عند فكرة الانتخاب سلوكا وتجسيدا وهو المفهوم الذي لا يمكن فصله عن التطور التاريخي لفكرة الديموقراطية وضرورة وجود نخبة يختارها الشعب للاضطلاع بالشأن العام بما يصلحه، اعتبارا لكون حماية التراث الثقافي والتاريخي من مهام الجماعة البشرية التي ينتمي إليها هذا التراث أولا وقبل غيرها من دارسين وباحثين ومهتمين، فإن المهمة تنتقل تلقائيا إلى من يفترض أن الجماعة البشرية قد اختارته ليقوم مقامها ويسهر على تدبير شؤونها العامة، ألا وهو المنتخب هذا على المستوى النظري العام، لكن واقع الحال يحيل بشكل أساسي على نطاق اشتغال هذا المنتخب، أو الإطار القانوني الضابط لهذه المهمة، وهو ما يجعلنا في السياق المغربي نقارب الموضوع أساسا على مستوى الجماعات الترابية، عبر رصد إشارات أولية لمحاولة استجماع عناصر الموضوع في سياقه العام، فمقتضيات القانون التنظيمي رقم 113/14المتعلق بالجماعات،والذي حدد في مادته 77 الاختصاصات المناطة بالجماعة داخل دائرتها الترابية مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين في إطار الاختصاصات المسندة إليها بموجب هذا القانون التنظيمي ، وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها، ولهذه الغاية تمارس الجماعة اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من من هذه الأخيرة. ” ومن هذه المهام أو الاختصاصات التي تقوم بها الجماعةمع الدولة ” اختصاص تثمين المواقع التاريخية ” حيث ورد في الباب الثالث المادة 87 الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعة، اختصاص “المحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته” وهو ما يقتضي القيام بعدة مبادرات، منها على سبيل المثال لا الحصر:” إحداث المركبات الثقافية، إحداث المكتبات الجماعية، إحداث المسارح والمتاحف والمعاهد الفنية والموسيقية،والتأهيل والتثمين السياحي للمدن العتيقة والمعالم السياحية ،والمواقع التاريخية “.
هذا اذن على مستوى الاختصاصات اامشتركة،أما على مستوى الاختصاصات المنقولة، فإن القانون التنظيمي للجماعات نفسه، وعلى وجه التخصيص، ينص على الاختصاصات المنقولة من الدولة إلى الجماعة في مادته 90 ، محددا إياها في اختصاصين أولهما ” حماية وترميم الماثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية ” بل إنه واعتبارا لمركزية موقع رءيس المجلس الجماعي، لم يغفل المشرع دوره في حماية التراث الثقافي والتاريخي، حيث تشير المادة 100 إلى أن رءيس مجلس الجماعة يضطلع بصلاحيات عدة، ذكر البعض منها على وجه الخصوص، ومن ضمنها أورد ” المساهمة في الحفاظ على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي وحمايتها، وذلك باتخاذ التدابير اللازمة لهذه الغاية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل ”
لكن ومن خلال مقاربتنا لهذه النصوص القانونية سيتبين أنه ورغم عدم إغفال المشرع دور المنتخب المحلي على مستوى الجماعات الترابية في حماية التراث الثقافي والتاريخي، فإنه حصر هذه المهمة في الاختصاصات المنقولة والمشتركة، وهو ما يعيق عمليا دور الجماعات المحلية في هذا الإطار، في ظل عدم إدراجها كاختصاص ذاتي للجماعات الترابية، عكس ما ذهب إليه المشرع في ما يتعلق بمهام الجهة وفق التعديلات المنصوص عليها في إطار التوجه الجديد للدولة الرامي إلى تأسيس نموذج مغربي للجهوية المتقدمة، وهو ما يعني أن هامش تحرك المنتخب المحلي يبقى محدودا ومرتهنا بإيرادات أخرى، لكن هذا لا ينفي عنه المسؤولية وأساسا ضرورة الترافع المؤسساتي من أجل تحقيق هدف حماية الذاكرة الجماعية والتراث الثقافي والتاريخي، فالمسؤولية تبقى مسؤولية الجميع..احزابا وجمعيات، فاعلين ومؤسسات إنها قضية تاريخ وذاكرة جماعية تستلزم تظافر مجهوداتنا المتكاملة لحمايتها من التلاشي والاندثار.