لقد سبق أن قمنا برحلة سياحية إلى ألمانيا و هولندا و النرويج و السويد و فنلندا و الدنمارك و كان السؤال بعد هذه الرحلة هو ما هو الدرس الذي تعلمناه من هذه الرحلة ؟ قالوا أشياء كثيرة و لم يقولوا إن الملاحظ أن شعوب هذه الدول كلها متمسكة بلغاتها المختلفة و المحدودة المساحة فلا تجد فيها الواجهات و الإعلانات أو غيرها مكتوبا بلغة أجنبية ، فالمواطن هناك قد يكلمك بالإنجليزية إذا كنت أجنبيا لأنه يرى أن لا عيب في التواصل معك بهذه اللغة لأنها أداة تواصل مع الأجنبي و منفعة له أما غير ذلك فلا تلفي إلا لغته الوطنية في جميع مجالات الحياة ،
هذا الدرس لم يتسرب إلى دماغ الرفاق المثقفين الذين يعتبرون الحديث عنه خجلا و حياء ، الأمر الذي أدى في بلدنا إلى هيمنة اللغة الفرنسية، فأينما ذهبت وحللت إلا و لاحظت هذه الهيمنة على جميع المستويات إداريا وتعليميا و إعلانيا و في محيطنا .. و رغم ذلك نحتفل سنويا بعيد الاستقلال و كأن الاستقلال تحول من مناصر للغة العربية إلى عدو يحاربها في جل الميادين علما أن الاستقلال عند فرنسا و إسبانيا و تركيا و سوريا و البلدان المذكورة هو التحرر من الاستعمار سياسيا و لغويا و اقتصاديا .. فالدولة التي لا تستطيع التحرر بهذه الكيفية عليها أن تراجع نفسها ..
لقد كان الحاكم الفرنسي للجزائر سابقا يقول :
” علموا لغتنا و انشروها حتى نحكم الجزائر فإذا حكمت لغتنا الجزائر حكمناها حقيقة ” .
فعلا إذا كانت الفرنسية هي المهيمنة في بلدنا فإن الفرنكفونيين هم الذين يحكمون بلدنا و نلمس ذلك في التعليم و في الإدارات العمومية و الخصوصية و غيرها .. و كأن هذا البلد لا لغة له و لا إيمان و لا تاريخ و لا حضارة إلى أن وصلنا إلى حد أصبحت اللغة القرآنية المحمدية فيه لغة مهجورة مظلومة في وطنها تمثل الاستثناء في العالم لأن جميع الشعوب الحرة تحترم و تقدس لغتها إلا نحن لأننا لا نعطيها حقوقها و نتغاضى و لا نقرأ ما لدى الشعوب الحرة في هذا المجال . علينا أن نطلع على ما كان يقوله ” هوشي منه ” لشعبه الفييتنامي .. قال :
” حافظوا على صفاء لغتكم بقدر حفاظكم على صفاء عيونكم و احذروا أن تضعوا كلمة أجنبية في مكان بإمكانكم أن تضعوا فيه كلمة فييتنامية ” .
هذا الكلام يعكس إرادة الاستقلال الحقيقي التي ركزت على اللغة الفيتنامية و التي عكست الوطنية الحقة ..
أمام هذه الوطنية لم تقتطف فرنسا من الفييتنام سوى الهزيمة في معركة ” بيان فو ” و فشل سياستها اللغوية هناك أمام هذا الشعب الحر الذي يتذوق و يتحسس قيمة اللغة الوطنية الموحدة.. يا ليت لغة القرآن كانت لغة الفييتناميين لأنها ستجد من سيدافع عنها خاصة و أنها لغة لها مميزات لا تمتلكها أي لغة أخرى .
و في إطار هذه المميزات اللغوية نقول .. إذا كان الرصيد المعجمي للغة الفرنسية لا يتجاوز 150.000 كلمة فالعربية رصيدها المعجمي يتجاوز 12 مليون و 300 ألف كلمة و يمكن اشتقاق أكثر من 95 مليون فعل نستخدم منها فقط 0.04 % .
يقول المستشرق ” الفريد غيوم ” :
” يسهل على المرء أن يدرك مدى استيعاب اللغة العربية و اتساعها للتعبير عن جميع المصطلحات العلمية بوجود التعدد في تغيير دلالة استعمال الفعل و الاسم “.
و يقول المستشرق المجري “عبد الكريم جرمانوس” :
– الألماني المعاصر لا يستطيع أن يفهم كلمة واحدة من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة بينما العرب المحدثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كتبت في الجاهلية قبل الإسلام “..
و يقول الفرنسي “رينان” :
” العربية هي التي أدخلت للغرب طريقة التعبير العلمي و العربية هي أنقى اللغات” ..
و يقول المستشرق الألماني ” يوهان فيك ” :
” لقد برهن جبروت الثرات العربي الخالد على أنه أقوى من محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحي ” .
و يقول “جوستاف جرونيباوم ” :
” ما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها ” .
و تقول صاحبة كتاب ” شمس العرب تسطع على الغرب ” ريفريد هونكة :
” كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة و منطقها و سحرها ” .
نظرا لهذه الأهمية ، نصح البنك الدولي المغرب باعتماد اللغة العربية في التدريس و الإدارة و الاقتصاد من أجل النهضة “.
هذه هي اللغة المحاربة في وطننا من طرف خدام الفرنكفونية الذين بعد لم يدركوا أن الفرنسية لم تعد لغة علم و أن التمسك بها سيؤدي بنا إلى الزيادة في التخلف و قد انتبهت لهذا دولة رواندا التي تخلت عن الفرنسية و عوضتها بالإنجليزية و نجحت بسبب ذلك ، بل إن فرنسا نفسها راجعت حالتها و لم تجد سوى إدخال اللغة الانجليزية في الدراسات العليا لإنقاذ الباحثين من جهل ما توصلت إليه العلوم الحديثة الدقيقة .. و هنا لا بد أن نذكر الذين يتهمون العربية أنها ليست لغة علم نقول لهم بأن العربية عرفت العلم قبل أن تعرفه الفرنسية ( اللاتينية المزورة ) .. بدليل أننا إذا رجعنا قليلا إلى الوراء نجد أن العربية كانت لغة علم بينما الفرنسية كانت ما زالت لهجة ملخبطة لم تجد أمامها سوى الارتماء في أحضان اللغة اللاتينية لتنقذ نفسها. في ذلك التاريخ أنشأ الخوارزمي علم الجبر ، هذا العلم الذي ما زال يحمل الاسم العربي ” algebr ” و في ذلك التاريخ أيضا عرفت العربية علم البصريات على يد العالم ابن الهيثم الذي غير النظرية التي كانت تقول بأن الضوء يصدر من العين و صحح هو ذلك و أثبت أن الضوء تصدره الأجسام انطلاقا من تجربة البيت المظلم ذي المنفذ المنير و سمى ذلك ب ( القمرة ) و كانت القمرة تلك أساسا لاختراع ” الكاميرا ” هذا اسم محرف .. لذا علينا أن نسمي الكاميرا ب ” القمرة ” ..
و في نفس السياق لا بد أن نشير إلى أن العربية عرفت الدورة الدموية المكتشفة من طرف العالم الطبيب ابن النفيس و نذكر أيضا أبا القاسم الزهراوي الذي وصل بالعربية إلى أن يعتبر أكبر جراح و سمي بأبي الجراحة الحديثة له موسوعة طبية بالعربية و ليست بالفرنسية من ثمانية و ثلاثين مجلدا..
ثم هناك جابر بن حيان أبو الكيمياء المسمى في الغرب ب ” GEBER ” أو ” YEBER ” .
يقول فرانسيس بيكون الفيلسوف الانجليزي :
” إن جابر بن حيان هو أول من علم علم الكيمياء للعالم ، فهو ” أبو الكيمياء ” .
ألا يكفي هذا لأولئك الذين لا يقرأون و لا يسمعون و لا يفهمون أنهم يفهمون شيئا واحدا و هو تبخيس لغة القرآن لغة العلم و الوحدة تائهين وراء ما يمليه عليهم هبل المعبود في باريس الذي لا ينشد سوى القضاء على هويتنا و الهيمنة على خيراتنا ناسيا أن العربية لن تركع و لن تركع رغم كل المؤامرات ضدها .
ضعاف النفوس هم نحن ، أما العربية كانت قوية و ستبقى قوية .. فيكفي أنها تتوفر على أكثر من 38 معجما تغطي جميع فروع المعرفة ..
إن الذي ينقصنا هو العزيمة و الإرادة السياسية للنافذين في هذا البلد لأنه لا يعقل أن تكون العبرية لغة تدريس جميع العلوم بفلسطين المحتلة ، و العربية اللغة القرآنية ، اللغة الحية العالمية تتبناها الأمم المتحدة و المنظمات الدولية و كثير من الجامعات الأجنبية تتفرج ..
الفرق أننا في غياب عن النية الوطنية المخلصة و صهاينة فلسطين المحتلة يتمسكون بها و يؤمنون بشروط المرحوم المهدي المنجرة و هي :
” أن التقدم و النمو لن يتحقق إلا بثلاث :
- محو الأمية .
- استعمال اللغة الوطنية و الدفاع عنها .
- البحث العلمي .
دون هذا سنبقى لقمة صائغة في فم الفرنكفونية الاستغلالية .
– *عضو في المجلس الوطني للجمعية المغربية لخدمة اللغة العربية –