يحدث هذا في طنجة، وفي مؤسسة اجتماعية، موضوعة تحت المسؤولية السياسية والإدارية لمؤسسة رسمية، وبرعايتها المادية والمعنوية. ويستمرّ هذا الوضع لسنوات طوال، كانت سنوات عذاب ومعاناة بالنسبة لأعداد من أطفال المغرب المنسي، حيث الفقرُ والهشاشة ُ والتشردُ ، أوضاعٌ تعتبر قدرأطفال الضياع، أولئك الذين افتقدوا الرعاية والحماية، لأسباب معروفة، لا طائل من التذكير بها.
حدث هذا في طنجة، المدينة التي شهدت ميلاد واحدة من أولى الجمعيات الخيرية بالمغرب، الجمعية الخيرية الاسلامية، بالقصبة، تولت العناية بالأطفال المشردين والاسر الفقيرة واليتامى والأرامل اللائي فقدن الدعم والسند، حيث توفر لهم جميعا الأكل و العلاج والتعلم والسكن، بالنسبة للأطفال، وذلك بدعم المحسنين، وما كان أكثرهم في طنجة وقتذاك.
الأطفالُ المشردون اليوم ليس في طنجة فحسب، بل في جل المدن الكبرى بالمغرب، معرضون للكثير من المعاناة والإهمال والأضطهاد والاستغلال، وأخطرأشكاله الاستغلال الجنسي من طرف المؤطرين والمربين، وهذا موضوعٌ كثيرا ما تطرقت إليه الصحف الوطنية في أكثر من مناسبة، حيث تقوم حوله “ضجة” قوية لتخفث شرارتها، شيئا فشيئا، فيما بعد، كالعديد من أحداث المجتمع الحارقة !..
وفي طنجة، حيثُ تكثر الجمعيات التي تدعي الاهتمام، بالأوضاع الاجتماعية للأسر المعوزة ، والأطفال بوجه خاص، وتستفيد من دعم سخيّ سواء من الداخل أو من الخارج، تفجرت فضيحة خطيرة ٌ في فضاء الرعاية الاجتماعية للأطفال، المراقب من طرف مؤسسة التضامن الوطني، والواقع تحت نفوذه، فضيحة الاستغلال الجنسي لأطفال خيرية “الصداقة” المغربية –الأسبانية، من طرف مؤطري هذه الدار، مغاربة وأسبان، كما تقول الوقائع، وتؤكده تصريحات الضحايا أنفسهم لوسائل الإعلام الوطنية، الأمرُ الذي أحدث رجة قوية داخل المجتمع الطنجي الذي تساءل باستغراب عن دور المراقبة التي من المفروض أن تخضع لها دور رعاية الأطفال وكل المؤسسات الخيرية الاجتماعية، سواء العمومية أو الخاصة ، من طرف مؤسسات الدولة المعنية أو من جانب السلطات العمومية المحلية، المسؤولة عن راحة وكرامة وسلامة المواطنين.
تفاصيل هذه “الفضيحة” صارت معلومة لدى العموم، بما فيه الكفالية، خاصة بعد تدخل المجلس الوطني لحقوق الانسان، الذي أصدربيانا في الموضوع، بعد ما رصد تصريحات لبعض القاصرين أو الراشدين الذين كانوا أو مازالوا نزلاء في “المركز الاجتماعي الصداقة بطنجة”، يدعون فيها تعرضهم للاعتداء الجنسي والعنف وسوء المعاملة من طرف بعض المشرفين على المركز، من بينهم اثنان من جنسية إسبانية، وقام بتحريات بما في ذلك الاستماع المباشر للضحايا المحتملين واعتبر أن ما حدث بهذه المؤسسة الاجتماعية، من طرف المسؤولين عنها، يمكن أن يشكل “انتهاكًا خطيرًا” لحقوق الأطفال، وأفعالا يعاقب عليها القانون.
المجلس الوطني لحقوق الانسان، قرر إحالة النتائج المتوصل إليها على رئاسة النيابة العامة، مع توصية بفتح تحقيق في الموضوع، وترتيب الآثار القانونية على ذلك. كما طالب وزارة التضامن والأسرة بفتح بحث عميق. المجلسُ قرر أيضا إحالة النتائج المتوصل إليها على رئاسة النيابة العامة، مع توصية بفتح تحقيق في الموضوع، وترتيب الآثار القانونية على ذلك. كما طالب وزارة التضامن الاجتماعي والأسرة بإجراء بحث إداري عميق من أجل تحديد المسؤوليات في ما وقع.
هذه الواقعة تفجرت بفضل وسائل الإعلام المحلية وجهات حقوقية مهتمة، تصدت لما روجه بعضُ نزلاء هذه المؤسسة الاجتماعية ( ياحسرة ! ) التي أنشئت منذ 17 عاما بهدف حماية الأطفال من صروف الدهروالظلم والقهر، ليسقطوا في مستنقع التحرش والاستغلال الجنسي من طرف أسبانيين اثنين، وتواطؤ مؤطرين مغاربة، كما يعلن الضحايا من النزلاء.
حقيقة لقد تحركت آلية التنديد والتشهير والمطالبة بالمحاسبة، ولكن بعد فوات الأوان، حتى أن طفلا نزيلا سابقا صرح لبعض وسائل الإعلام الإليكترونية، بوجه مكشوف، أن عددا من زملائه أصبحوا “إناثا“، بسبب تعرضهم للاستغلال الجنسي ، وبعد أن تم طردهم أو هروبهم من الخيرية الإسبانية المغربية ليلتجئوا للشارع !.
لعلّ سبب هذه الواقعة وغيرها من الوقائع المشابهة راجعٌ إلى غياب المراقبة الرسمية على مختلف المؤسسات الاجتماعية التي تستفيد من المال العام ومن حماية الدولة، لتصبح تلك المؤسسات “فريسة” مصاغة لمتصيدي المنظمات الاجتماعية للاستفادة ماديا، والوصول إلى مراكز اجتماعيه وسياسية، متقدمة.
فهلا كانت هذه الفضيحة المؤلمة سببا في تحرك الأدارة لمراقبة كافة الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والخيرية سواء من جانب التدبير المالي أو الأداء الإداري الفعلي، وتنفيذ البرامج التربوية والتكوينية، ضمانا لحقوق المستفيدين ـ ما دام أن تلك الحقوق محددة ومضمونة بالقانون. وما دام أن تأسيس “الدولة الاجتماعية” يعتبر أولوية في برنامج الحكومة الجديدة.
سميّة أمغار