فتح المغرب أبوابا عديدة كخيار لتنويع الشراكات الاستراتيجية مع فواعل دولية مؤثرة في القرار الدولي وأصبح اليوم يبحث عن مواقع تمركز جديدة في أقصى الشرق، حيث يبدو أن التحديات المقبلة أخذت تدفع الرباط إلى الانفتاح على الصين التي ستحمل مشعل قيادة العالم.
وخلال السنوات الأخيرة، عرفت العلاقات المغربية الصينية دينامية كبيرة على جميع المستويات، الاقتصادية والدبلوماسية والاستراتيجية، وذلك على غرار الزيارة الملكية للصين سنة 2016، التي فتحت الطريق لإرساء آفاق جديدة للتواصل والشراكة بين المغرب والعملاق الآسيوي.
وأرسى المغرب والصين الشعبية تعاونا وثيقا، وتم الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية وذلك من خلال تبادل اللقاءات والزيارات بين مسؤولي البلدين، وتوقيع اتفاقيات تبادل وشراكة في مختلف المجالات، وتم الاتفاق مؤخرا حول المنظومة الصحية، وتتعلق بالتجارب السريرية للقاح المضاد فيروس «كورونا» والاتصال الهاتفي الذي جمع بين الملك محمد السادس والرئيس الصيني، حيث تطرقت المباحثات الهاتفية بين قائدي البلدين إلى تطوير العلاقات الثنائية في جميع المجالات، بالتركيز على الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي والمبادلات الثقافية والإنسانية، ولا سيما في مجال تجارب «كوفيد 19»، وكانت مناسبة لتبادل الآراء، وما قام به المغرب من مواكبة الإجراءات الاحترازية الصارمة التي اتخذها من أجل الحد من انتشار الوباء سواء على صعيد المعدات الطبية ووسائل الكشف المختبري أو في مجال تبادل المعلومات والخبرات.
ويرى الخبراء في العلاقات الدولية أن الانفتاح على بكين، من أجل توسيع الشراكة الاستراتيجية عبر تقوية العلاقات مع أوروبا من جهة والوصول بها إلى درجة العلاقة الاستراتيجية، والانخراط في العمق الإفريقي والوصول إلى الصين في سياق استراتيجية جديدة تقوم على تنويع الشركاء وتقدم رهن المصالح بشريك وجد.
وهكذا، يبدو أن الشراكة المغربية الصينية هي تعبير عن رؤية أوسع بهدف الاستفادة من نموذج الشراكة الصينية مع دول الجنوب والجمع بين المزايا الاقتصادية والاتفاقيات السياسية، وأن التقرب من الصين يقوم على نهج معادلة رابح رابح، في ظل المنعطف الذي يعرفه المغرب إذ يتجه تعديل النموذج التنموي والقيام بإصلاحات اقتصادية ناجعة وأعطاب جائحة كورونا، حيث يتجه إلى استثمار التجربة الصينية لتصنيع اللقاح ويكون المغرب هو المدخل الرئيسي نحو إفريقيا، وقد أعرب رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني السيد «تشاغ دو جيانغ» أثناء زيارته للمغرب بقوله : «بيكين على يقين تام بأن العلاقات بين المغرب والصين ستعرف تطورا ملحوظا في المستقبل»، وأكد في سياق كلامه على أهمية الزيارة التي قام بها صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله للصين سنة 2016، مشيرا إلى أن هذه الزيارة كانت ناجحة بكل المقاييس، وشهدت التوقيع على الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، معتبرا أنها محطة جديدة في تاريخ العلاقات الثنائية، وأن المغرب حقق تطورا ملحوظا وإنجازات هامة في كافة الأصعدة، وهناك علاقات عريقة ونموذجية قائمة بين البلدين، جعلت الصين ترى في المغرب صديقا نموذجيا على مستوى الدول العربية والإفريقية ومحط ثقة، معربا عن أمله في أن يشكل المغرب نقطة انطلاقة محورية لتحقيق أهداف مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني سنة 2013 على مستوى شمال إفريقيا.
واعتبر المسؤول الصيني أن القرار الذي اتخذه المغرب لرفع التأشيرة بالنسبة للمواطنين الصينيين كان قرارا جد إيجابي وساهم في توطيد العلاقات بين الشعبين، مبرزا أن المبادرات التي يتخذها البلدان ستساهم في تعزيز تعاون لن يخدم الصين والمغرب فحسب، بل سيعود بالنفع على الدول المجاورة للبلدين، وأكد على أهمية استغلال الإمكانيات الواعدة والفرص الجديدة التي يتيحها التطور في العلاقات الثنائية بهدف الرقي بالعلاقات التي يطمح إليها قائدا البلدين، موضحا أن المغرب بلد ينعم بالاستقرار وبموقع جغرافي متميز يجعل منه محط اهتمام المستثمرين.
ومن هنا يمكن أن نشير إلى أن الزيارة الملكية إلى الصين واتفاقيات الشراكة الاستراتيجية التي وقعها الجانبان تعد بمثابة تحول تاريخي واعد ومهم في العلاقات المغربية الصينية، وستؤدي إلى تنويع المعاملات التجارية، وستعمل على تشجيع الصين لاستيراد منتوجات مغربية إلى جانب الفوسفاط والمنتوجات السمكية، مما سيزيد من حجم الصادرات إلى الصين وجعل المغرب وجهة مفضلة للمستثمر الصيني.
وتظهر أهمية هذه الشراكة لكون المغرب سيتحول إلى جسر بالنسبة للمستثمرين الصينيين نحو أوروبا وأمريكا وإفريقيا، وسيساهم حتما في تقليص العجز التجاري الذي يعاني منه المغرب، وستمكنه من الاستفادة من منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي تأسس سنة 2000 كذلك على غرار بعض الدول العربية التي تربطها بالصين اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية.
وترغب الصين في العمل مع إفريقيا لتتوافق مع جدول أعمال الاتحاد الإفريقي وخطة التنمية المستدامة لسنة 2030 للأمم المتحدة، كما تسعى إلى استراتيجية تنموية للدول الإفريقية لاستكشاف فرص جديدة وإعطاء دفعة للتنمية الإفريقية، وفي نفس الاتجاه، يسعى المغرب بدوره إلى تعزيز التعاون مع الصين في كثير من المجالات الاستثمارية الحيوية بحكم ارتباطه الوثيق بالأسواق الإفريقية.
ويرى الخبراء أن الصين تروم المغرب لتعتمد عليه في الشراكة بحكم موقعه الجيوستراتيجي وحضوره البارز في إفريقيا ما يؤهله للاضطلاع بدور محوري في إطار التعاون المشترك، وفي هذا ستعطي الصين دفعة جديدة لمسلسل التنمية في القارة الإفريقية، وستعمل على إنجاز مشترك يندرج في إطار تنمية القارة الإفريقية، ويتوقع الخبراء أن يستمر تكثيف التعاون بين الصين والمغرب في المستقبل نظرا لكون البلدين يتفقان على تنويع الشراكة، لتصل إلى المجالات الصناعية التي تمولها الصين، وإنشاء شركات التكنولوجيا المتقدمة التي ستجلب العشرات من المراكز التجريبية الزراعية المشتركة، وفي غضون الشهور الأخيرة، وقعت مجموعة بريد المغرب في بيكين ثلاث اتفاقيات تعاون مع مجموعة بريد الصين «شاينا بوست غروب» بهدف تعزيز التبادل التجاري الإلكتروني وتسهيل تمويل الأموال بين البلدين.
وتجدر الإشارة أن المغرب وإن كان قد ارتبط بالشراكة الاقتصادية مع الصين، فهذا لا يعني أن هذه الشراكة لن تكون لها آثار سياسية أو أنها لن تكون لها أبعاد جيوستراتيجية، بل على العكس، فيكفي أن تتطور المصالح الاقتصادية لكي تصبح لها فيما بعد تداعيات سياسية كبيرة، ويصبح الدفاع عنها من الأولويات الجيوستراتيجية.
وعليه، فإن الأبعاد الدبلوماسية والجيوستراتيجية هي التي يتطلع إليها المغرب من خلال توقيعه على الاتفاقيات الاقتصادية في كل المجالات مع العملاق الآسيوي، خاصة وأن المغرب تقاسم مع الصين إشكالات الوحدة الترابية في قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وقضية تايوان بالنسبة للصين، وكان هذا القاسم المشترك من الأسس المعتمدة التي ستمكن من بناء رؤية منسجمة ومتوافقة، خاصة وأن الصين يملك ورقة حق الفيتو، من داخل مجلس الأمن أقوى مؤسسة أممية في العالم.
وعليه، فالمبدأ هو الاقتصاد أولا، والسياسة ثانيا، وهذا المبدأ هو المكرس حاليا عند الصينيين، وهم معروفون في العالم بكثرة تحفظهم وتدرجهم بالتقدم في العلاقات مع الدول.
والأهداف السياسية التي يتوخاها المغرب، أولا هي الأهداف الاقتصادية مع العملاق الآسيوي، ويراهن على غزو منتجاته وبضائعه للأسواق الصينية.
لكن، ما موقع المغرب من هذا العملاق الآسيوي؟
يرى الخبراء أن كل دول العالم خاسرة تقريبا في ميزان مبادلاتها مع الصين والمغرب لا يخرج عن هذه الدائرة، بدليل أنه يستورد حوالي 3 مليار دولار ولا يصدر إلا 300 مليون دولار، بمعنى أنه يمكن أن يستورد كل شيء ولا يكاد أن يصدر إلا الفوسفاط بفارق يبلغ عشرة أضعاف.
من هنا يمكن القول أن المغرب لا يمكن له أن ينافس هذه القوة الاقتصادية إلا على المدى الطويل، بشرط أن يصبح قوة صناعية منتجة وتنافسية على المستوى الدولي في مجالات تتوفر فيها الصين على منتجاتها الداخلية، فتبقى المهمة شبه مستحيلة..
ذ. محمد الخراز