من الواضح أن إغلاق معبر “طاراخال” في ديسمير 2019، وما تبع ذاك القرار الذي كان متوقعا، من اضطرابات و“تحركات” شعبية بعد أن تعرض، ولشهور، آلاف المواطنين إلى فقدان أسباب الرزق الذي ، وإن كان يحمل الكثير من الإدلال والقهر والظلم، سواء من طرف رجال الأمن الإسباني أو من رجال الديوانة والقوات المساعدة والأمن في الجانب المغربي لـ “الحدود“، فإنه كان يوفر حدا أدنى من فرص العمل، بين حمالين وحمالات ووسطاء وسماسرة، بمعنى أن الكل كان يجد موردا للاستفادة من وضع قائم، غضت الدولة المغربية الطرف عنه لعشرات السنين، دون أن تكون لسكان منطقة الفنيدق والمناطق المجاورة يدٌ في ذلك، خاصة، والكل يعلم، أن المستفيدين الحقيقيين من “المعبر” هم الحيتان الكبيرة عبر كافة التراب المغربي من أصحاب “المخازن” الكبرى المزودة لتجار التقسيط في مختلف حواضر وبوادي المغرب.
كما أن الكل كان يعلم أن ممر” طاراخال” يفضي ، حتما، إلى عرقلة النشاط الاقتصادي الوطني ويهدد الاستثمار سواء الوطني أو الأجنبي، في قطاعات واسعة من النسيج الاقتصادي بالمغرب، والحال أنه لم يكن يوجد من ينكر هذه الحقيقية، حتى من بين “رواد” هذا الممر وتوأمه في بني أنصار، بالنسبة لمليلية، اللذين كان مطلبهم الوحيد والمشروع هو: توفير البديل !.
ولعل نزول الناس إلى الشارع ، واحتجاجاتهم الغاضبة من الإهمال الذي تعرضوا له ممن يبرعون في اتخاذ قرارات “الإغلاق” ويخفقون في مراسيم “الفتح” والتسهيل والانفراج، ساعد في “العثور” عن البديل” الذي قيل إنه سيكون “منطقة حرة” على مشارف منطقة سبتة، المدينة ذات النظام الاقتصادي الحرّ“.
ولسبب ما، وقع ،بسرعة، التخلي عن هذا المشروع ليتم استبداله بـ“منطقة الأنشطة الاقتصادية” الذي شرعت وكالة تنمية وإنعاش أقاليم الشمال في تنزيل الشطر الأول من تهيء فضاء هذا المشروع الذي يعتبر “بديلا اقتصاديا” لتجارة التهريب بباب سبتة والذي يتم تمويله، مبدئيا، ما بين 2020 و 22 من طرف أربعة شركاء مساهمين : وزارة الداخلية بحوالي 70 مليون درهم، وزارة الصناعة والتجارة 40 مليون درهم، جهة طنجة تطوان الحسيمة 80 مليون درهم وكالة تنمية أقاليم الشمال 10 ملايين درهم. وسيتم إنجاز هذا الفضاء الاقتصادي على مساحة إجمالية تفوق 10 هكتارات يمكن تمديدها إلى 90 هكتارا.
وبينما كان المواطنون يتتبعون تطور مشروع منطقة الفنيدق، وينتظرون افتتاحه المعلن، بعد أشهر قليلة، أطلقت “مؤسسة طنجة المتوسط للمناطق“هذا الأسبوع، مشروعا استثماريا جديدا للتسويق بالرأس الأسود « Cabo Negro » بين تطوان والمضيق، المنطقة السياحية الأكثر جاذبية بالمغرب، وطنيا وعالميا.
“طنجة المتوسط للمناطق” المهتمة بتجهيز مناطق الأنشطة الاقتصادية شرعت فعلا، وفق بيانها بهذا الخصوص، في تجهيز المنطقةالتجارية الجديدة الواقعة بالرأس الأسود، بين تطوان والمضيق، على مساحة 70 هكتارا منها عشرة هكتارات مساحة مركزية للمنطقة التجارية قابلة للتمدد إلى 20 هكتارا مخصصة للتجا رة الموجهة للعموم، حيث من المقرر تسليم الشطر الأول ، البالغ مساحته 30 هكتارا بعد أربعة أشهر. وعلى غرار منافذ التسويق الدولية، سيوفر هذا المشروع تجربة جديدة للتسوق بشمال المملكة، من خلال استقرار العلامات التجارية العالمية للملابس والإكسسوارات. وبالإضافة إلى ذلك، ستشمل المنطقة أيضا فضاءات للترفيه، وأخرى للأطفال، ومطاعم، وغيرها ، وكل ذلك بمعايير عالمية. وللمشروع أيضا جانب سياحى يقطع مع موسمية السياحة بهذه المنطقة، بإنشاء وجهة للتسوق والترفيه حديثة، قادرة على التخفيف من الطابع الموسمي للسياحة بالمنطقة.
للإشارة، فإن“ طنجة المتوسط للمناطق“ تشرف على تجهيز وتنمية ما يناهز 2.000 هكتار، تشمل ست “مناطق أنشطة مخصصة للصناعة واللوجستيك والخدمات“، تضم أزيد من 1.100 شركة ساهمت في خلق الآلاف من مناصب الشغل.
وهكذا تستعد تطوان لاسترجاع دورها الريادي بالشمال الذي كانت عاصمته السياسية والاقتصادية والإدارية والثقافية لنصف قرن وراكمت، في هذا الشأن تجارب هائلة، وخبرات واسعة لو تم استثمارها بوفاء خلال سنوات الاستقلال، لانعكس ذلك إيجابا على المنطقة ككل.
حقيقة أن النهضة السياحية بتطوان كان المستثمرون الأسبان سباقين إلى “تحريكها” بهذه المنطقة،بعد الاستقلال، بتشجيع من وزير السياحة الراحل مولاي أحمد العلوي رحمه الله، الذي كان يود أن يجعل من تطوان رديفا للنهضة السياحية بمنطقة “شاطئ الشمس“، جنوب إسبانيا، وقد تحققت رؤيته تلك بإنشاء مناطق سياحية رائعة ومجمعات ومنتجعات سياحية، خاصة مجمع “كابيلا” و“مارينا سمير” و“ريستينغا سمير“ومنتجع “تامودا باي” و“كابو نيكرو” وغيرها، ما جعل من تطوان قبلة بامتياز، للسياحة الوطنية والأوروبية بوجه خاص.
ولعل مشروع المنطقة التجارية الجديدة بــ “الرأس الأسود” ، بين تطوان والمضيق، الذي سينقل على طبق من ذهب، تجارة مدينة سبتة المرغوب فيها لجودتها ورخص أثمنتها مقارنة مع “الداخل“، إلى قلب مدن تطوان والمضيق والجوار، سوف يغني السياح، المغاربة الـ VIP” “ عن التنقل لداخل مدينة سبتة القريبة، للتبضع، ولو أن الأمر يظل معقدا، في الوقت الراهن، إذ لا حلول تبدو في الأفق، لعودة الوضع، بالمعابر، إلى ما كان عليه في السابق.
عزيز كنوني