وُلد الإعلامي المتميز الأستاذ الحاج أحمد قرّوق([1]) سنة 1937م بمدينة طنجة، وبها تابع دراسته حيث التحق سنة 1947م بالمدرسة الإسبانية العربية البنين بحي أمراح، وكانت هذه المدرسة رغم أن الإسبان كانوا هم المشرفين عليها، تتميز بمزجها بين التعليم التقليدي والعصري من خلال تخصيص حصة الصباح لحفظ القرآن الكريم. بينما خصصت حصة المساء للدروس الخاصة باللغتين الإسبانية والعربية.
ومن الأساتذة الذين درس عليهم الاستاذ أحمد قروق في هذا الطور الدراسي: نجد عبدالسلام اللواح، دون سيفيرنو، ومحمد عزيمان القصري الذي كان مدير هذه المدرسة في تلك الفترة.
وامتدت دراسته أربع سنوات في هذه المرحلة الابتدائية، ليحصل سنة 1951م على الشهادة الابتدائية.
وبما أن طنجة في تلك الحقبة التاريخية كانت لا تتوفر على ثانوية عصرية خاصة بالتلاميذ الذين درسوا التعليم العصري في المرحلة الابتدائية، التحق بمدينة تطوان وانتظم في صفوف طلبة المعهد الرسمي للتعليم الثانوي (القاضي عياض حاليا)، ممنوحا من قبل حكومة المنطقة الخليقية بتطوان، كانت تخول له سد حاجياته الدراسة هناك.
ومن الأساتذة الذين درس عليهم نجد: عبدالسلام الطود الذي درسه مادة الجغرافية، وامحمد عزيمان درس عليه الأدب الأندلسي، والأستاذ إبراهيم الإلغي الذي درس عليه مادة اللغة العربية، والأستاذ بن كريمو أخذ عنه مادة العلوم، والأستاذ شعشوع المكلف بالمكتبة، ودون مانويل أستاذ علم النفس في القسم الداخلي.
ويروي الأستاذ أحمد قروق كيف أن دون مانويل كان له الفضل الكبير في غرس الأخلاق والقيم السامية النبيلة في نفوس التلاميذ، فيروي أنه في إحدى المرات كان رفقة زميله العربي الداودي يسرعان في الهبوط عبر الدرج للذهاب إلى السينما، فاستوقفهما دون مانويل مستفسرا عن سبب استعجالهما، فأخبراه بالسبب فأجابهما بحكمة، أنه يمكن بسبب استعجالهما أن يقع لهما مكروه، ويتأخرا عن تحقيق غايتهما، فعاقبها بعدم السماح لهما بالخروج، ويضيف الأستاذ أحمد قروق أن دون مانويل كان هو نفسه من يشرف على تطبيق العقوبة حيث كان يضطر للبقاء في القسم الداخلي إلى حين انتهاء فترة العقوبة.
ومن التلاميذ الذين درسوا معه في تلك الفترة نجد: محمد العربي المساري، عبدالسلام البقالي، مصطفى السراج، والدكتور محمد مفتاح، إضافة إلى مجموعة من التلاميذ الأخرين الذين شكلوا فيما بعد النخبة المثقفة التي كان لها الحضور الوازن بعد الاستقلال، منهم أساتذة جامعيون، و الأطباء، وضباط في الجيش وغيرهم.
وحكى لي الأستاذ أحمد قروق عن ذكرياته الدراسية في مدينة تطوان، وأجوائها، وكيف كان الاحترام سائدا فيها، حيث كان شاطئ مرتيل مقسما إلى قسمين قسم مخصص للرجال، وقسم آخر للنساء والأطفال الصغار. إضافة إلى النزهات والجولات في جبال غرغيز ومنتزه كيتان وغيرهما التي كان يقوم بها التلاميذ في نهاية الأسبوع وفي أيام العطل.
وفي سنة 1956م حصل الأستاذ أحمد قروق على شهادة الباكالوريا ليتم اختياره ضمن البعثة الدراسية التي قرر الزعيم الوطني عبد الخالق الطريس إرسالها إلى مصر، وبالفعل تم استقبال أعضاء البعثة من طرف الملك الراحل محمد الخامس، إلا أن العدوان الثلاثي على مصر إثر قرار جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس أجلها إلى السنة الموالية، حيث سافر محمد الصادق البقالي (مدير البنك الشعبي بطنجة سابقا)، ومحمد العربي الداودي الذي استقر هناك وتزوج من مصرية واشتغل مستشارا في السفارة المغربية بالقاهرة قبل أن يعمل مستشارا بالجامعة العربية.
وإذا كان بعض أفراد البعثة قرروا الانتظار حتى تهدأ الأمور ثم يتم الالتحاق بالقاهرة للدراسة، فإن الأستاذ أحمد قروق عزم على السفر إلى غرناطة لتحقيق حلمه في دراسة الطب فسافر في سنة 1956م إلى إسبانيا، وهناك اضطر أن يدرس السنة الإعدادية حتى يتم معادلة شهادته بشهادة الباكالوريا الإسبانية، لكن توتر العلاقة بين المغرب وإسبانيا آنذاك، وعدم توصله بالمنحة الدراسية، ومرضه مرضا شديدا حيث تكفل بعلاجه هناك صديقه الدكتور النشناش، عجل بعودته إلى المغرب سنة 1957م، وعمل آنذاك بإذاعة افريقيا التي كان مقرها في فيلا أمام المديرية الجهوية للثقافة حاليا قرب رياض الإنجليز، وأثناء عمله في هذه المحطة سينهض بتشخيص عمل مسرحي إذاعي إلى جانب الإعلامي خالد مشبال وزوجته أمينة السوسي، المسرحية الشهيرة (القايدة طامو) التي حققت نسبة متابعة كبيرة جدا، وكانت رسائل الإعجاب تنهال على الإذاعة من المستمعين، وكثرت الإشهارات، وقد أدى فيها الإعلامي أحمد قروق دور شخص يسمى ” استيتو” وهو المكلف بإحضار العدول كلما قررت القايدة طامو أن تطلق أو أن تتزوج من جديد وقد تكرر ذلك لثلاثة عشر مرة.
وكان يشتغل عند عودته صيفاً بشكل مؤقت في إذاعة إفريقيا بطنجة، باصما على أولى خطواته في دنيا الصحافة، وأصبح صحافيا محترفا ابتداء من سنة 1959، بعد أن قضى سنة وبضعة شهور كمتدرب في التلفزيون الإسباني بمدريد، والمركز الإذاعي العربي بدمشق.
وفي سنة 1959م أصدرت الدولة المغربية بإيعاز من المفكر المهدي المنجرة قانونا يقضي بإغلاق الإذاعات الأجنبية المنتشرة في بعض جهات المغرب، وقد حاول مدير إذاعة افريقيا أن يغري فريق العمل المغربي بالعمل معه حيث عرض عليهم الذهاب معه إلى مدينة سبتة للعمل هناك، لكن غيرتهم وحب وطنهم جعلهم يرفضون اقتراحه، فسافر الأستاذ أحمد قروق رفقة خالد مشبال، وأمينة السوسي، ومصطفى البشاري للعمل في الإذاعة المركزية بالرباط، حيث ألحق الأستاذ المهدي المنجرة كل واحد منهم للعمل في القسم الذي كان يشتغل به سابقا في إذاعة إفريقيا. وبما أن الأستاذ أحمد قروق كان يجيد اللغة الإسبانية فقد تكفل بترجمة الأخبار الواردة من وكالة الأنباء الإسبانية ” شيفرة” وترجمتها إلى اللغة العربية.
وعلى إثر تأسيس وكالة المغرب العربي للأنباء سنة 1960م التحق الأستاذ محمد قروق للعمل فيها وكان ينقل المداولات البرلمانية مباشرة للمستمعين، ويروي في هذا الصدد أنه أثناء زيارته لإسبانيا قامت إحدى الصحف بعمل استجواب صحفي معه، وحينما سأله الصحفي عن عمله بالمغرب، أجابه الأستاذ أحمد قروق بأنه ينقل جلسات البرلمان مباشرة إلى المستمعين، وهناك شده الصحفي، فصدرت الجريدة صباحا مكتوبا فيها على الصفحة الأولى مصحوبة بصورته أنه في المغرب يتم نقل جلسات البرلمان مباشرة، واعتبروها علامة من علامات الديمقراطية الغائبة عن النظام الديكتاتوري الفرنكوي.
وفي سنة 1963 التحق بالتلفزيون المغربي حيث عمل في قسم الأخبار، وبعد عامين حين كان أحمد بن سودة مديرا عاما للتلفزة المغربية وباقتراح من محمد العربي الخطابي سافر أحمد قروق في بعثة إلى إسبانيا لدراسة التلفزيون لمدة سنة وشهرين.
وفي سنة 1966م سافر إلى سوريا لمدة ثلاثة أشهر للتكوين والدراسة في المركز العربي للإذاعة والتلفزيون.
وبعد عودته إلى المغرب عمل أستاذا مؤقتا في المعهد العالي للصحافة والإعلام حيث ألقى على طلبته محاضرات في كيفية قراءة نشرة الأخبار وإعدادها، إلى جانب عمله في قسم الأخبار الذي ظل فيه لمدة عشرين سنة إلى أن أصبح مديرا لهذا القسم، واشتغل بعد ذلك في مصلحة البرامج الثقافية.
لقد ارتبط اسم الإعلامي الأستاذ أحمد قروق بالبرنامج التلفزيوني الشهير: “ركن المفتي”، فهو برنامج ديني ظلّ المغاربة يشاهدونه كلّ جمعة طيلة 17 سنة تقريبا، وطفِقَ يجيب عن تساؤلاتهم الدينية المتعلقة بالعبادات والمعاملات.
ويتحدث الأستاذ أحمد قروق عن كيفية وصوله إلى تقديم برنامج: (ركن المفتي) أنه اقترح عليه اجتماع مع وزير الأوقاف آنذاك عبدالكبير العلوي المدغري الذي أخبره أن الملك الراحل الحسن الثاني اقترح عليه برنامجا دينيا يخصص للفتوى في القضايا التي تشغل بال الناس لقطع دابر الفتاوى غير المنظمة، و حتى لا تبقى الفتاوى في متناول كل من هبّ ودبّ. وفي هذا اللقاء اقترح أحمد قروق على الوزير برنامج ركن المفتي، وقد أعجب الوزير بالفكرة فعرض عليه أن يكون المقدم له ، ومن هنا كانت بداية عرض برنامج ركن المفتي سنة 1981م
وفي سنة 1997 أدرك الحاج أحمد قروق سن التقاعد لكنه واصل تقديم ذاك البرنامج، بطلب من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لمدة سنتين، وفي هذه المرحلة تقدم بمقترح لجعل البرنامج يكون مباشرا، ومبدئيا تم قبول اقتراحه من طرف وزير الأوقاف، إلا أن إدارة التلفزيون التابعة لوزارة الإعلام والداخلية رفضت المقترح بدعوى أنه لا يمكن تقديم حلقات البرنامج مباشرة. فرفضُ المقترح الذي اعتبره الحاجّ أحمد قروق رفضا لشخصه، فغادر تقديم البرنامج بمحض إرادته، ليتم تقديمه من قبل إعلامين آخرين، ثم توقف هذا البرنامج بشكل نهائي بعد ذلك بعامين تقريبا، وانتهت بذلك حكاية برنامج ناجح دخل بيوت المغاربة من أوسع أبوابها.
وخاض الأستاذ محمد قروق تجربة في المجتمع المدني حيث انخرط في الجمعية التي أنشأها وترأسها الإعلامي الشهير خالد مشبال وقرينته الإعلامية أمينة السوسي وهي: “المنظمة المغربية للإعلام الجديد”، وبعد وفاة الإعلامي خالد مشبال تولى الأستاذ أحمد قروق رئاستها وأشرف على إقامة أنشطة وندوات من بينها:
ندوة تحتفل بذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي الذي تأسس بطنجة 1958م، وقد حضرها المقاوم محمد بنسعيد آيت يدر.
كما أقامت هذه الجمعية نشاطا أطلقت عليه ” ملتقى الوفاء” وهو نشاط سنوي يحتفي بالشخصيات المشهورة التي كان لها حضور في عالم الثقافة والأدب والصحافة معترفة بعطاءاتهم التي قدموها للمجتمع.
كما أقامت هذه الجمعية في العشر الأواخر من رمضان كل سنة افطارا جماعيا مع السجناء، تتخله أنشطة ترفيهية ودروس وعظية إرشادية، وغيرها من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والإنسانية.
وكان الأستاذ أحمد قروق يحلم في صباه وشبابه بأن يكون في مستقبل أيامه طبيبا أو جنديا يخدم وطنه، ويساهم في بنائه، لكن بعض أحلامه لم تتحقق، لكن الله عوضه خيرا فرأى ما كان بصبو إليه يتجسد على أرض الواقع من خلال أبنائه البررة، فرزقه الله بنتا أصبحت طبيبة، وابنا يتلقد رتبة رفيعة في الجيش، وابنا آخر صار على خطى أبيه حيث يشتغل حاليا في قطاع الإعلام.
[1] – معلومات شخصية أمدني بها الأستاذ أحمد قروق مشكورا- وتنظر ترجمته عند:محمد الغيداني- للإذاعة المغربية أعلام: تجربة 100 شخصية إعلامية بصمت مسار، وتاريخ الإعلام المسموع بالمغرب.