يقول الباحث محمد أديب السلاوي أن اسم الكاتب المسرحي محمد الحداد ارتبط بالانطلاقة الأولى للحركة المسرحية المغربية أواسط العشرينات من هذا القرن، حيث كان الأدب المغربي – شعره و نثره- ما زال خلوا من أي إبداع مسرحي، ولا تزال القصيدة الكلاسيكية العمودية، هي سيدة الكلمة العربية في المجال الإبداعي. وأكيد أن محمد الحداد الذي نشأ وتربى بمدينة طنجة، قد استفاد كثيرا في تكوينه الفني والمسرحي، من العروض المسرحية التي كانت تقدمها الفرق الأجنبية بمسرح سرفانطيس، مما شجعه على مغامراته المسرحية. وبدون شك، إن دخول محمد الحداد عالم المسرح لم يكن مصادفة، إذ كان وقتها أحد الشباب المهتمين بالصحافة والأدب، وأحد المسهمين في تحرير الصحافة الأدبية ، مما أعطى لهذه المغامرة أبعادها التاريخية والثقافية .
فيما يرى الأستاذ رضوان احدادو أنه مهما كانت الدواعي فإن الحداد دخل المسرح أديبا ومناضلا معا، وبهذا يكون المسرح بالنسبة إليه إشباعا لرغبة أدبية ورسالة جهادية.
ويقول الحداد في حوار معه حول أسباب اهتمامه بالتنشيط المسرحي:” ليست الأحداث التاريخية هي التي فرضت علي هذا الاختيار، بل فعالية المسرح في التغيير هو الذي جعلني أختاره كشكل من أشكال التعبير، فبعد إطلاعي على بعض الأعمال المسرحية التي كانت تقوم بها الجاليات الأجنبية بالمدينة أصبحت مقتنعا بأن المسرح وسيلة خطيرة في تغيير الرأي العام، وأداة مهمة لنقل الأفكار والأحداث، من هنا أصبحت أومن أن المسرح مدرسة اجتماعية”. وقال أيضا : ” المسرح ركن من أركان الأدب، إن لم نقل إنه جزء هام من عناصر النهوض”.
شكل شغف محمد الحداد بمطالعة الروايات البوليسية المترجمة والقصص العربية الوافدة من الشرق رافدا مهما لكتابته المسرحية حيث سيستلهم من تراث جرجي زيدان لكتابة المسرح التاريخي.
كما حاول أن يخطط لأول تجربة له في الكتابة المسرحية مبكرا (1916م)،قبل أن يألف فيما بين 1923 و 1930 سلسلة من المسرحيات باللغة العربية الفصحى تركزت على التاريخ الإسلامي أراد من خلالها تسجيل سيرة بعض الأبطال. ويؤكد عبد القادر السميحي أن محمد الحداد من الرواد الطليعيين في كتابة المسرحية عند النشأة الانبعاثية، وأن لغته كانت رصينة تتناسب والزمن الذي كتبت فيه المسرحية، وبإلقاء نظرة تقييمية على مسرحياته نجد هناك تفاوتا بينها في المستوى وذلك راجع إلى طبيعة التطور الزمني الذي اكتسب فيه الحداد مزيدا من التجاوب في الكتابة المسرحية.
وعن تجربته المسرحية يقول الأديب محمد الحداد: ” إن كتابتي المسرحية كانت حصيلة لمطالعاتي المستمرة للتراث المسرحي العربي ولأمهات الكتب الأدبية العربية والإنسانية.. كان المسرح عندي هو حصيلة المعرفة الإنسانية/حضارة، تاريخ، فنون، آداب.. وهذا الاعتقاد كان يدفعني للاطلاع والاستفادة من مختلف المراجع الفنية والأدبية، وربما كانت المطالعة المستمرة ذات أثر فعال وإيجابي فيما كتبته من مسرحيات خلال ذلك التاريخ”.
وقد ألف محمد الحداد المسرحيات التالية:
- ” الوليد بن عبد الملك“، عرضت لأول مرة يوم الأحد 17 ربيع الأول1347هـ الموافق لـ 2/9/1928، وفي أكتوبر من نفس السنة عرضت بتطوان. كما تم عرضها لاحقا بالعرائش وأصيلة. يقول الباحث المسرحي الكبير المرحوم د.محمد الكغاط أن هذه المسرحية تندرج ضمن ما كان يسمى بالمسرحية النثرية الشعرية، وأن إيراد الشعر لم يكن مجرد تأثر بالموروث الشعبي، وأن المؤلف متأثر بالمسرح الغنائي الذي ازدهر في سوريا، وبذلك تمثل مسرحية الوليد بن عبد الملك نموذجا من المحاولات المغربية الأولى التي تفاعلت فيها المؤثرات المغربية-المشرقية-الغربية، و يبدو أن محمد الحداد قد استغل التاريخ استنهاضا للهمم وتذكيرا بالأمجاد العربية والإسلامية وأنه بث من خلال مشاهد مسرحيته التراجيدية بعض الشعارات التي ما كان الرقيب ليسكت عنها لو لم يغلفها بالجو التاريخي.
- ” هارون الرشيد والبرامكة“، عرضت بمسرح سرفانطيس سنة 1929، وقد نوهت جريدة (إظهار الحق في) حينها بالمسرحية وبالأداء الناجح للفرقة، كما ثمنت تخصيص ريع دخل المسرحية لإعانة ومواساة الفقراء.
- ” يا عبد الكريم “، مسرحية تاريخية تناولت شخصية بطل الريف الأمير عبد الكريم الخطابي وتسجيل ثورته وجهاده ضد المستعمر، ألفت ستة 1958 وعرضت متأخرة. وهي مسرحية تكامل فيها الوجه الخاص بالصياغة الحوارية، وفنية المعالجة للموضوع، وتحرك الشخصيات ضمن تقنية درامية، وهي لذلك تعطي وجها آخر ومنظورا يختلف عما هو مشاهد في مسرحيات محمد الحداد القديمة.
- “عقبى الماكرين“، مسرحية في ثلاثة فصول عرضها (الجوق الطنجي للتمثيل العربي) التابع لجمعية المغرب يوم 19فبراير 1940، وأعيد عرضها بتطوان. اقتبسها من قصة الأسد والثور بكليلة ودمنة، ” والحكم المترسبة في هذا الكتاب تمثلها الكاتب من خلال المسرحية التي يدور موضوعها حول عقبى الماكرين.. وقد ضمن الكاتب مسرحيته كثيرا من الحكم العميقة وأجراها على لسان الشخصيات.
- ” البخيل“، مسرحية فكاهية وعظية في فصل واحد تندرج ضمن إطار المسرح المدرسي. وهذا يؤكد أنه كان الرائد والسباق للتأليف في المسرح المدرسي.
- ” فتح الأندلس” مثلت على خشبة مسرح سرفانطيس بطنجة ولا نعلم تاريخ عرضها، ونصها لازال مخطوطا بمكتبة الحداد الخاصة.
- ” معاوية ومروان“، مقتبسة من قصة عربية.
- ” الحجاج والأولاد الثلاثة“.
- ” أبو مسلم الخراساني“.
- ” أميرة العفاف“.
وخاض محمد الحداد كذلك تجربة الإخراج المسرحي، حيث أخرج مسرحية:
- “الكذوب” وهي نوع من الملهاة لمؤلف مجهول، تلقى نسخة منها من صديقه سعيد حجي السلاوي، وذكر الحداد أن فرقة سلامة حجازي قد عرضت هذه المسرحية.
- ” العباسة أخت الرشيد” تأليف المهدي المنيعي.
- ” الطيب ” ترجمها المهدي المنيعي وعرضتها فرقة (نخبة الشباب الطنجي) سوم السبت 27 أبريل 1940.
إذا كان محمد الحداد صاحب جولات وصولات في عوالم المسرح وكواليسه وأديبا ذا اطلاع واسع عكستها بضاعته الوفيرة ومؤلفاته المتنوعة، فإنه كان شاعرا مقلا في شعره، وأظن أن ذلك راجع لتوزع اهتماماته وكثرة انشغالاته، التي ألهته عن قرض الشعر وكان من الممكن أن يكون شاعرا فحلا ذا قريحة خلاقة خصوصا وأنه يتمتع بأحاسيس جياشة وخواطر متدفقة وفكر وقاد و حس نقدي متميز، ومما ساهم أيضا في إقلاله من الشعر إحساسه في قرارة نفسه أنه ليس من أهل هذا الميدان ولا يستطيع مجاراة معاصريه، فيصرح: ” وإن كنت لست من أهل هذا الميدان ولا ممن اعتادوا الجولان فيه”، بل وكان – وأظن ذلك لتواضعه- يصف قريحته بالكاسدة.
وللأسف ضاع حتى ذاك القليل مما جادت به تلك القريحة. ومما وقفت عليه من شعره تشطيره لبيت يرجع لصديقه الزكاري وهو:
أَلاَ يَا فُؤَادِي فَاشْتَرِي سِلْعَةَ الصَبْرِ | عَلَى فُرْقَةِ الأَحبَابِ قَبْلَ لِقَاءِ القَبْرِ |
ومن نظمه:
قد فسر المروءة الأعلام طعام موضوع للناس ولسان ومال مبذول عفاف معروف |
كالأصمعي بما حوى النظام حلو يخاطبهم بإحسان ثم أذى عن الجميع مكفوف |
ومن نظمه:
فاء الفقيه فقؤه الحجابا وقافه قناعة والياء والهاء هروبه من الخلق فمن |
عن قلبه أكرم به مآبا يأسر من خلق ولا امتراء كان كذا فهو و إلا فانبذن |
وهذه أبيات أجاب فيها على العلامة محمد المهدي الحجوي جاء فيها:
عذرا لك أيها المأسوف من عاذل حتى إذا أسفرت عن حسن طلعتهـالكنني لم أفز بالوصول وا أسفي قد غادرت ربعها واتبعت أهلها نأت وقد خلفت صبا يناشدها نأت وقد سلبت لبي وما تركت ما لذ لي بعدها شيء ألذ به وكيف أسلو وهي الروح والبدن ما زلت أنشدها في كل مجتمع فكم يممت بقاع الأرض أنشدها حتى إذا لم أجد من بينهم أثرا وقفت أبكي على الأوطان أندبها |
قد كان يعذل ظلما من يناجيها كف الملام وهام في معانيها على الحياة بكأس الحزن أقضيها وسار يطوي بها البيداء حاديها رب السماء ويبكي من تثنيها سوى العيون لأبكي أو أناجيها وما جنحت إلى شخص يعاديها وهي الحياة لمن غدا يعانيها وأنشد أهلها شوقا لما فيها بين الملا وظلام الجهل يخفيها لها ولا خبرا يدني لناديها لفقد حر من الشرور ينجيها |
تنوعت مؤلفات الأديب محمد الحداد وتوزعت مابين الدين و العقيدة والسياسة والمسرح والتأليف المدرسي والإصلاح الاجتماعي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (الجرعة الشافية في أمر الصوفية). (الوصيف المغصوب)، قصة مسلسلة نشرت سنة 1926. (خطوات الإسلام). ( مشاهد وأفكار) مذكرات. (فتح الأندلس) مسرحية. (القول المعتمد في تحرير المعتقد). (أبو مسلم الخراساني). (الحجاج وأولاده الثلاثة). (سبل التمدن والحضارة). (تقييدات وجيزة لطيفة لشرح مبادئ حزب الإصلاح الديني). (محاضرة حول الحب والعاطفة). كتاب مدرسي في النحو. كتاب مدرسي في السيرة النبوية. محاضرة حول التآلف والتآخي. (القرآن قانون عام يكفل السعادة والدنيا والأخرى). (البخيل)، مسرحية. (الطريقة المجدية في تعلم الحروف العربية).