يقال بأن مدينة البوغاز جنة لجواسيس العالم، حين كانت طبيعة نظامها السياسي، إبان الحمايةِ دوليا، حيث الصراع بين مختلف القوى الاقتصادية والعسكرية العالمية آنداك للاستحواذ على المدينة اعتبارا لموقعها الاستراتيجي المطل على أوروبا والمدخل الرئيس للقارة الأفريقية، وكمضيق هام يربط البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي، فضلا عن جمالها الجغرافي.
الجاسوسة “مارغا داندرون” وجدت ميتة بشواطئ المدينة سنة 1948، فوفاتها تمت بطريقة غامضة، إذ لم تستطع السلطات الدولية آنداك العثور على جثثها حيث اختفت مارغا إلى الأبد، بعدما عُثر على زورقها بشاطئ طنجة والذي كانت على متنه برفقة صديقين اتهما بقتلها.
من هي “مارغا داندرون”؟
رأت مارغا داندوران النور في ماي 1893 بمدينة (بايون) الفرنسية، واسمها الحقيقي مارغيريت كليغيس إلا أنها اشتهرت باسم (مرغا) ولقبت بأندوران لكونها من سلالة عريقة تحمل هذا الاسم.
طفولة (مارغا) تميزت بالترف، عند بلوغها سن السابعة عشر، شاءت الأقدار أن تلتقي بأحد أبناء عمومتها اسمه “بيير داندوران” الذي تزوجت منه سنة 1909 وتنتقل صوب إسبانيا، فالمغرب، ثم الجزائر.
الا أنه ولأسباب مجهولة قررت “مارغا” سنة 1925 السفر إلى مصر رفقة زوجها وعائلتها للاستقرار هناك، حيث تمكنت من فتح معهدٍ للتجميل في العاصمة المصرية، إذ استطاعت الاندماج مع قواعد الثقافة الشرقية الجديدة خاصة كبار الشخصيات البريطانية الراقية سواء المدنية أو العسكرية، من بينها الرائد في الجيش الإنجليزي “سينكلير”، زارت بعدها مدينة “تدمر” بسوريا، التي شَغُفت بها، وأثناء تواجد مارغا بأرض الكِنانة، وقعت أول واقعة في سيرتها، جعلت المحللين يعتبرونها جزء محيرا وغامضا، بعد انتحار الرائد “سنكلير” الذي تعرفت عليه بدعوى ما قيل حينها أن مارغا قامت بسرقة ملفات سرية من مكتبه.
الخيانة في تدمر والقتل في جدة..
لقد شَغفت واُعجبت مارغا بمنطقة تدمر اَيَّمَا إعجاب، حيث عملت مع زوجها كمسيِّرين لفندق “الملكة زنوبيا”، لكن حياتهما بدأت تعتريها المشاكل، خاصة بعد اكتشاف زوجها لخيانتها له مع عشيق إنجليزي يعمل في الجيش البريطاني وهو الأمر الذي غذى الشكوك حول إمكانية عملها كجاسوسة لبريطانيا ضد مصالح فرنسا بالمنطقة.
سنة 1933 تطلقت من زوجها وتزوجت أحد العرب يدعى الشيخ سليمان وقيل إنها دخلت في الاسلام وقررت أن تقوم بزيارة للأراضي المقدسة، فتوجهت برفقته إلى السعودية، لكن محاولتها لتكون أول أوروبية تدخل مكة لم تكلل بالنجاح. ولا زالت الضبابية تحيط بهذه القضية، ذلك أنه بعد وصول مارغا والشيخ سليمان إلى جدة، توفي هذا الأخير.
في21 أبريل من سنة 1933 تم اتهامها بأنها الفاعلة في جريمة قتل الشيخ سليمان ليتم اعتقالها، وقضت قرابة 63 يوما رهن الاعتقال، قبل الافراج عنها بوساطة من القنصل الفرنسي لدى عائلة آل سعود الحاكمة، لتعود إلى تدمر وتتزوج من جديد من طليقها “بيير”، لكن المفاجأة أنه بعد شهور قليلة وجد مقتولا وأحد العاملين بفندق الملكة (زنوبيا) إذ عثرا عليهما مضرٌجين في دمائهما نتيجة طعنات بالسكين، ولم يعرف سبب القتل ومن فعل ذلك.
بعد مقتل زوجها، تركت مارغا بصفة نهائية المشرق وعادت إلى فرنسا، كانت حينها الحرب العالمية الثانية قد شرعت في إطلاق نيرانها. شكوك الجميع سارت إلى كون مارغا كانت تعمل جاسوسة لدول الحلفاء، حتى أنها وضعت على رأس المطلوبين لدى المخابرات الألمانية ما دفعها إلى الفرار صوب الجزائر العاصمة سنة 1943 حيث ظلت مختفية. عادت بعد ذلك إلى فرنسا سنة 1945 واتهمت هذه المرة بقتل ابن عمها “ريموند كليغيس” فتم اعتقالها في مدينة نيس الفرنسية، بيد أن اعتقالها لم يدم إلا أياما ثم أطلق سراحها.
طنجة.. النهاية الغامضة
بعد انتهاء الحرب العالمية عاشت مارغا فترة مهمة في طنجة، ثم انتقلت للعيش في اسبانيا قبل أن تقرر العيش في جبل طارق، المستعمرة البريطانية، كانت تعيش حياة مترفة، كما ذكر مؤلفون لسيرتها، أنها كانت تعمل في التهريب بين طنجة الدولية وإسبانيا وجبل طارق وقد امتلكت زورقا ترفيهيا اسمه “دجيلان”.
في 5 نونبر 1948 اختفت “مارغا” إلى الأبد، بعدما عثر على زورقها بشاطئ طنجة والذي كانت على متنه برفقة صديقين وقد اتهما بقتلها. وقد قامت السلطات الدولية بطنجة ببحث طويل على جثة مارغا في طنجة إلا أن جميع محاولتها باءت بالفشل، وانتهت مارغا بشكل غامض دون أن يتم العثور على جثتها، رحلت وخلفت وراءها العديد من الأسئلة.