أحداثٌ كثيرة، متسارعة ومتداخلة، طبعت الأسبوع الذي نودع، بعد تنصيب الحكومة وصدور مرسوم اختصاصات وزرائها منعا لتداخل تلك الاختصاصات في انتظار توزيع “كعكة” كتاب الدولة بين الحلفاء، وهو موضوعٌ، واعد ٌبمفاجآت سياسية لابد وأن تكون شيقة بالنسبة لهواة “السياسة عن بعد” !
إلا أن الحدث البارز خلال هذه الفترة من حياة حكومة السيد أخنوش، كانت النزول الكاسح للمواطنين، إلى الشارع،
احتجاجا على فرض “جواز التلقيح”.
وخلافا لقول وزير الصحة، الذي لا نحتاج إلى دليل لإثبات ضعف شعبيته بين المواطنين، فإنه لا توجد أغلبية تحبذ التلقيح وأقلية ترفضه، بحجة الملايين من المواطنات والمواطنين الذين أقبلوا على عملية التلقيح، بل إن المشكل، في “الجواز” الذي “فرض” عليهم بقرار اعتبر “متسرعا”، وبالتالي كان مثار جدل حاد وعام حول قابليته للتنفيذ، كما اعتبر مربكا لتنقلات المواطنين وولوجهم للإدارات العمومية، والعديد من الفضاءات الخصوصية التي تتوقف عليها مصالحهم.
هذا الوضع، دفع بعض الحقوقيين إلى التساؤل عن مدى قانونية هذا الجواز مبرزين تعارضه مع فصول الدستور التي تؤكد حرية التنقل والجولان.
ومما زاد في استغراب المواطنين التشدد في فرض “الباس سانيتير” في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن أن المغرب دخل المنطقة الخضراء، وأنه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق المناعة الجماعية.
المشكل ،كما انتبهت إليه بعض الهيئات السياسية والنقابية يكمن في “سوء” تدبير الملف ككل، وضعف تواصل وزارة الصحة بشأنه مع المواطنين، وتضارب تصريحات المختصين وفتاواهم، في حين أكدت الحكومة أن قرار هذا “الجواز” قانوني ودستوري، لأنه يندرج في فلسفة مكافحة الجائحة و في إطار حالة الطوارئ الصحية التي يفرضها المغرب والتي تشمل جميع التدابير الاحترازية المتخذة في إطار هذه الحالة.
من جهته أكد نزار بركة، أحد أعمدة التحالف الحكومي أن الحكومة “تسرعت في فرض جواز التلقيح. وهو نفس موقف أمين عام “التقدم والاشتراكية “المعارض” نبيل بتعبد الله، الذي اعتبر أنه كان يجب أن يسبق هذا القرار نقاش وتواصل وتفسير!
من جهته، يسعى المجلس الوطني لحقوق الأنسان إلى إيجاد صيغة مقبولة لجواز التلقيح و استدراك “الصورة السيئة” التي قدمتها حكومة اخنوش بهذا القرار، الذي اعتبر الكثير من الحقوقيين والسياسيين والمدنيين انه يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان والمبادئ الدستورية
احتجاجات وتدخلات عنيفة لقوات الأمن
ومعلوم أن هذا القرار الحكومي بشأن جواز التلقيح قوبل باحتجاجات رافضة من قبل المواطنين وبعض الأحزاب السياسية، ما أدى إلى انقسام الشارع المغربي بين مؤيد ومعارض لإلزامية جواز التلقيح، فيما نشرت عريضة إليكترونية تطالب بإلغاء قرار “جواز التلقيح” في المغرب ووقع عليها أكثر من 30 ألف من السياسيين والحقوقيين.
وقد شهدت العديد من حواضر المغرب مظاهرات واحتجاجات أحيانا قوية تنديدا بالجواز وإلزاميته لدخول المؤسسات العامة والتنقل. وانتشرت مقاطع أشرطة فيديو لمظاهرات في حواضر عديدة بالبلاد، منها مدينة طنجة، تطالب بإسقاط الجواز.
وتخللت بعض الاحتجاجات السلمية مشادات بين متظاهرين وقوات الأمن حيث برزت، بشكل واضح “بوليسية أكادير” وهي تركل مواطنات متظاهرات من الخلف، كن في طريقهن لمغادرة “مسرح الجريمة” !.
بالمقابل، حملت تدوينات عديدة دعوة أصحابها إلى التلقيح كوسيلة وحيدة للعودة للحياة العامة، وإلى قبول جواز التلقيح، الذي يدخل في إطار الحماية الجماعية. بينما أعلن وزير الصحة أن مهمته “حماية الأغلبية، أما الأقلية الرافضة، فليس لها “أن تفرض علينا رأيها” !
وتحت قبة البرلمان، انتقدت البرلمانية أمال العمري، رئيسة فريق نقابة الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين، بشدة قرار فرض إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح لولوج الأماكن العمومية، واستغربت أن يتم الإعلان عن دخول المغرب للمنطقة الخضراء في الوقت الذي قررت الحكومة إلزامية جواز التلقيح عبر بلاغ متسرع بدون استراتيجية التواصل بعد أن أشيع أن التلقيح أمر اختياري.
لقجع يغضب أساتذة التعاقد
ومن أحداث الأسبوع البارزة أيضا، تصريحات للسيد لقجع، المستوزر حاليا ، أغضبت أساتذة” التعاقد وأثارت جدلا واسعا وسط أسرة التعليم، والمعنيين خاصة، حيث إن الوزير المكلف بالميزانية قارن بين وضعية هؤلاء الأساتذة ووضعية الآلاف من الأطر المتعاقدة مع مؤسسات أخرى في نفس الظروف، موضحا أنه إذا كانت توظيفات الأكاديميات فيها إشكال، فإن هناك مائة ألف موظف في أكثر من 200 مؤسسة لا يتوفرون على رقم تأجير مركزي، ويكلفون الخزينة 20 مليار درهم يتم تحويلها مركزيا إلى المؤسسات المعنية لتأدية الأجور.
وكان طبيعيا أن ينتبه الجميع إلى أن الوزير اختلطت في فمه لغة “الكوايرية” الخاصة، “القوية”، العنيفة، المتميزة، ولغة التربية والتعليم الأدبية، المتحضرة، كما أن في لغة الوزير القادم من جامعة كرة القدم، إشارة إلى أن لا شيء يوحي بأن الحكومة تنوي تصحيح وضعية الأساتذة المفروض عليهم التعاقد. وهو موضوع حساس ومهم وكبير، كان واجب الحكمة و التروي، وأيضا واجب التحفظ يفرض نوعا من اللباقة اللغوية، على الأقل في التعامل معه.
ومعلوم أن ملف “التعاقد” كان من بين الملفات “الحارقة” التي تسلمتها حكومة السيد أخنوش، والتي شغلت الرأي العام لسنوات لارتباطها بمستقبل النشء وبوضعيات اجتماعية خطيرة.
ولابد أن الوزير شكيب بنموسى قد وقف على هذا الملف خلال إعداد “النموذج التنموي الجديد” في شقه المتصل بالتربية والتكوين، وقد أظهر الوزير نوعا من “الاهتمام ” بالموضوع حيث استدعى بعد تسلم المهام، نقابات القطاع لجلسة حوار كان ملف الأساتذة المتعاقدين على رأس 23 ملفا عالقا يهم موظفي قطاع التعليم. ويوم السبت 30 أكتوبر قال الوزير بنموسي إن ملف إدماج الأساتذة أطر الأكاديميات مازال مفتوحا، والجواب الملائم سيكون نهاية الشهر المقبل، بعد سلسلة تداولات هادئة للموضوع. وأضاف أنه لا يمتلك عصا سحرية لحل الموضوع بشكل فوري، مقرا بصعوبة المهمة، وأنه “لو كان الأمر سهلا لتم حله منذ مدة، لكن النقاش في الوقت الراهن مع مختلف الفعاليات مازال قائما”.وأضاف أن الجميع يدرس أجوبة المدى القصير والمتوسط والخروج بتصور مشترك،
احتجاجات شعبية ضد الغلاء
موجة من الاستياء الجارف عمت المواطنين بداية عهد حكومة عزيز أخنوش التي جعلت من بين أهداف برنامجها الحكومي دعم الدولة الاجتماعية وذلك بسبب ارتفاع أسعار مواد الاستهلاك الأساسية وفواتير استهلاك الماء والكهرباء الأمر الذي اعتبر إجهازا على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الطبقات الفقيرة.
وقد استغرب المواطنون من أن يصادف الارتفاع المفاجئ في أسعار عدد من المواد الاستهلاكية بداية عهد الحكومة الجديدة، ويتعلق الأمر أساسا بالطحين، والقمح، وزيت المائدة، والشاي وبعض القطاني، والتي سجلت معظمها زيادة تعد الخامسة من نوعها في ظرف وجيز ما خلف تذمرا في صفوف المواطنين وجمعيات حماية المستهلك.
الانتعاش الاقتصادي بالعالم
سبب ارتفاع الأسعار !
وفي رده على تدخلات الفرق البرلمانية بلجنة المالية، رفض فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، تحميل الحكومة الجديدة مسؤولية ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية، رافضا أن تنسب هذه الزيادات المسجلة في الأسعار إلى حكومة لم تكمل شهرها الأول.
وقال إن الحقيقة أن الأسعار كانت “منخفضة حلال سنة 2020 على مستوى العالم وأن هذا الارتفاع سجل في مختلف دول العالم وبالمغرب لم يرتفع مؤشر السعر عند الاستهلاك سوى بـ2 في المائة؛ لأن أسعار النقل ارتفعت بشكل حاد بـ7.1 في المائة وأن المواد الغذائية عرفت ارتفاعا “طفيفا” بـ0.7 في المائة؛ في حين أن أسعار المواد ذات الأثمان المحددة، والتي تمثل 22 في المائة من سلة المنتوجات المستهلكة، ارتفعت ب1.3 ة في المائة خلال هذه الفترة، أي بنفس وتيرة السنة الماضية.
واعتبر الوزير أن العوامل التي أدت إلى الارتفاع الحالي في الأسعار عند الاستهلاك في العالم وفي بلدنا تعود أساسا إلى الانتعاش الاقتصادي الذي يعرفه العالم وهو أكثر مما كان متوقعا، وكذلك إلى الارتفاع الكبير الذي عرفته أسعار الطاقة”.
كتاب الدولة: الكعكعة المقبلة !
بعد تشكيل الحكومة في إطار التحالف الثلاثي، وصدور مراسيم اختصاصات الوزراء تتجه الأنظار إلى الإعلان عن التعيينات الجديدة بخصوص كتاب الدولة التي سيسعى التحالف بواسطته التخفيف من حدة الضغوطات الداخلية القوية من أجل الظفر بمنصب كاتب الدولة، خاصة من القيادات الحزبية التي كانت تطمح للإستوزار قبلأن تطير منهم “الكعكة” الشهية.
ويسود ترقب كبير في صفوف أعضاء الأحزاب المشاركة في التحالف الحكومي، حول نصيب كل حزب من مناصب كتاب الدولة في حكومة عزيز أخنوش ، المكونة من 24 وزيرا ووزيرة، الى جانب رئيس الحكومة، ضمنهم 15 وجها جديدا، ستتعزز اذن بكتاب دولة في بعض القطاعات الوزارية، التي ستتطلب عملا كبير بحكم اشتمالها على أكثر من مجال وقطاع، وتتقاطر على أحزاب التحالف، الأحرار والاستقلال والأصالة ، عشرات السير الذاتية لأطر عليا لتلك الأحزاب من أجل الظفر بالمنصب.
وأخيرا: عودة بنكيران
وأخيرا شكلت عودة الرجل المتسم من طرف خصومه ب”الشعبوية” المطلقة، حدثا بارزا من الأحداث السياسية المؤثرة التي طبعت الأيام القليلة الماضية. ومعلوم أن بنكيران لم يتوانى في شن هجومات واضحة وقوية ضد أخنوش ولشكر، سواء قبل الانتخابات أو بعدها. فهل تشكل عودته للحياة السياسية التي لم يبتعد عنها قط، ولومن على أريكة في بيته، تشويشا جديا على الحكومة؟
الكثيرون من داخل حزب “المرجعية” يرون أن بنكيران لا يشكل اليوم بالنسبة لـ”العدالة والتنمية” سوى خيارا للخروج من النفق المظلم، وأن النتائج “الكارثية” للحزب في الانتخابات الأخيرة هي ما سهلت عودته للأمانة العامة حيث لا زال الحزب يشهد جدلا واسعا يمتد إلى مختلف طبقات الشعب، ، بسبب استفادته من راتب تقاعدي استثنائي قدر بنحو 9 آلاف درهم شهريا، الأمر الذي دفع بالعديد من البيجيديين، والمواطنين من خارج الحزب، إلى اتهامه بالتناقض بين الخطاب والممارسة السياسية، من خلال قبول الاستفادة من نظام “الريع” الذي يعتبر نوعا من الفساد الذي الذي بنى على محاربته “خطته” للوصول إلى الحكم.
عزيز كنوني