عمّمت وسائل الإعلام الوطنية تقريرا صادرا عن مندوبية التخطيط، يسجل أن نصف نساء جهة طنجة تطوان الحسيمة تعرضن لشكل من أشكال العنف على يد الشريك.
وبالرغم من كون هذا “الإنجاز الهام” للمندوبية” يعود لسنة 2019، فإن وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي أولته اهتماما كبيرا بالرغم من أنه واحد من “تحقيقات” هذه المؤسسة حول العنف الأسري بالمغرب، التي تشمل كل جهات البلاد، حيث العنف ضد النساء سواء داخل الأسرة أو بأماكن العمل أو بالشارع العام، قدرُ نساء المغرب، بالرغم مما تبذل من جهود لمواجهته، على مستوى التشريع، أو الإدارة، أو المنظمات الأهلية.
المثير في الموضوع، النشرُ الواسعُ الذي “حظيَ” به تقرير مندوبية الحليمي، وكثافة الوثائق المعززة للبيانات، حتى يخيل للقارئ أن جهة طنجة تشكل استثناء بالمغرب، أو أنها “أنموذجٌ” سيءٌ للعنف الذي تتعرض له المرأة المغربية في هذه المنطقة.
وحين تؤكد المندوبية أن حوالي نصف النساء بجهة طنجة، تتراوح أعمارهن ما بين 15 و 74 سنة، تعرضن، خلال سنة 2018، إلى شكل من أشكال العنف على يد الزوج أو الطليق، أو الخطيب، أو الخطيب السابق ،أو الشريك العاطفي، سواء بالوسط الحضري أو القروي، فإنها تعطي الانطباع بأن نساء هذه الجهة، يعشن حالات مؤلمة من العنف “النفسي” أو الاقتصادي أو الجسدي أو الجنسي ، بالرغم أنه في كل هذه الحالات لا تشكل جهة طنجة “ظاهرة” فيما يخص العنف ضد المرأة مقارنة مع جهات أخرى من البلد. خاصة وأن النشر الواسع لبيانات المندوبية في الصحافة يمكن إعطاؤه تأويلات شتى، ككل الأحداث التي تخص طنجة وجهتها.
وما كان يجب أن تتم الإشارة إليه، هو أن جهة طنجة تشمل ستة أقاليم وعمالتين، وبها فوق مائتين واثنتين جماعة قروية، ويفوق عدد سكانها الثلاثة ملايين وهو ما يمثل نسبة 9 بالمائة من سكان المغرب.
ولم تكن حواضر وبوادي جهة الشمال تعرف قضية العنف ضد النساء في هذه المنطقة، التي هي منطقة حضارة متوارثة بحكم اتصالها لقرون بأوروبا، و بالأندلس المتحضرة، وبالعالم الإسلامي ، وبحكم أنها كانت دار دين وعلم وفكر وثقافة، أعطت للمغرب وللعالم العربي والإسلامي نخبة من علمائه ونبغائه ومفكريه، من بينهم سيدات فقيهات، عالمات، نابغات أديبات، شاعرات، هن بنات بيئتهن التي كنّ يعشن فيها مكرمات عزيزات مبجلات، إلا من بعد الاستثناءات المخزية، وهي تكاد تكون منعدمة في وسط مجتمعي متحضر.
العنف ضد النساء أو ضد النوع، لم نسمع به في ديارنا بالشمال، إلا في النصف الثاني من القرن الماضي، حين “اختلطت العرارم” وتغلبت البداوة بما تمثله من شدة وبأس، على الحضارة التي هي قمة “الأخلاق ” والسموّ، والكرم، والفضيلة التي هي جالبة للخير، طاردة للشر، إذ أن المرأة، كانت تتمتع بالاحترام سواء من الأهل أو من الزوج أو من المجتمع، كما كانت تتمتع بالرعاية الشاملة من الزوج، في إطار “المودة والرحمة” التي جعلها الله بينهما، إطارا للحياة المجتمعية، ولتربية النشء، ..إلى أن بدأنا نسمع، وبألم شديد عن “العنف ضد المرأة”، في منطقتنا وفي غيرها من مناطق المغرب، وهو عنفٌ متعدد الوجوه والمصادر، قيل إنه عنفٌ جسدي، وعنف جنسي، وعنف اقتصادي وعنف نفسي وعنف “اهراواتي” وعنفٌ “عاطفي”، وهذا هو العجب العجاب، إذ أن العاطفة ميلٌ وشفقةٌ وحنوٌّ ورقة، فإذا بها تتحول إلى “عنف” مصنف ضد المرأة التي هي قمة الإحساس والرقة والعواطف. ولربما أن المرأة تستطيع تحمل كل أشكال العنف الأخرى ما عدا العنف العاطفي لأنها ذات إحساس مرهف ، رومانسية حالمة، تحيا بقلب رقيق…… عاشق للحب و للحياة .
سمية أمغار