انضبطت الحكومة الجديدة بموعد تقديم قانون المالية للسنة المقبلة إلى البرلمان لمناقشته، حيث مثلت، الاثنين الماضي، نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، أمام نواب الأمة بالبرلمان، بغرفتيه، لتعرض ميزانية العام المقبل، بمنجزاتها والنتائج المؤملة الوصول إليها، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، كما تصورتها الحكومة وتستعد للدفاع عنها تحت قبة البرلمان.
وخصصت الوزيرة فقرات “الاستهلال” للجائحة التي، وإن تسببت للعالم في مشاكل غير مسبوقة، إلا أنها، في نظر الوزيرة، ليست “وراء كل الإشكاليات والنواقص الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها بلادنا” وأنه “لا ينبغي تحويل هذه الأزمة إلى غطاء لإخفاء أزمات كانت قائمة قبل الجائحة، وتبرير الاختلالات التي راكمها نموذجها الاقتصادي والاجتماعي طيلة “العشر سنوات الماضية “.
هذه “التوطئة” كانت طريقا لقصف حكومتي العدالة والتنمية، الأولى والثانية، و لـ “إدانة” عملهما طيلة “السنوات العشر” الماضية، التي “لم تحرز بلادنا خلالها تقدما بوتيرة كافية تتماشى ومؤهلاتها”، من أجل تعامل أفضل مع الجائحة وانعكاساتها ، خاصة الاجتماعية. بل إن الوزيرة ذهبت بعيدا في تحليلها للموضوع حيث اعتبرت أن السياسة الحكومية “أجهزت على المكتسبات التي حققها المغرب سابقا، وأصبحت عائقا للتنمية عوض أن تكون محركا لها”، بحيث اعتبرت الوزيرة أن الجائحة أظهرت، بجلاء، حجم إخفاقات السياسات الحكومية للسنوات “العشر” الماضية، بسبب فشل مجموعة من البرامج الاجتماعية وغياب الحماية الاجتماعية بالنسبة لفئات واسعة من المواطنين، الأمر الذي ترجم على أرض الواقع بتراجع معدل النمو وارتفاع البطالة وتنامي معدل المديونية الأمر الذي كرس معالم الآزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت خلال فترة حكم “العدالة والتنمية”.
الحكومة الجديدة والمرحلة الفارقة
فرصة تاريخية
ولمعالجة هذا الوضع الشاذ، قالت الوزير إن الحكومة الجديدة، ستسعى لاسترجاع القدرة، عبر تعبئة كل القوى الحية بالبلاد، من أجل معالجة التراكمات السلبية لهذه الفترة وتقديم البدائل التي ينتظرها المواطنون بالتركيز على الأولويات وبناء اقتصاد قوي وتنافسي.
واعتبرت الوزيرة أن “المرحلة الفارقة” الحالية توفر “فرصة تاريخية” للتغيير عبر تنزيل محكم للأوراش التي جاء بها البرنامج الحكومي. على أن الأمر يتطلب تعبئة شاملة ، على مستوى الحكومة والبرلمان والقطاع الخاص وكل القوى الحية بالبلاد من أجل تحقيق الانتقال إلى “سياسات برؤية استراتيجية و أولويات وطنية واضحة” يتجاوب مع انتظارات المواطنين، خاصة على مستوى الصحة والتعليم والشغل، واستعادة دينامية الاستثمار الخاص، ودعم المقاولات من أجل استرجاع عافيتها وتشجيعها على إحداث فرص الشغل، ومواصلة دعم الاستثمارات العمومية وذلك وفق مضامين النموذج التنموي الجديد الذي يؤسس لمرحلة جديدة للتنمية تعزز حماية الفئات الهشة، ويقوي قدرات المواطنين على المساهمة والاستفادة من دينامية التنمية التي يعتبر ” الميثاق الوطني من أجل التنمية ألية أساسية لجميع الفاعلين” من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تتعهد الحكومة برفعها عبر مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، القائم على أولويات أربع:
• توطيد أسس انعاش الاقتصاد الوطني
• تعزيز آليات الإدماج في تعميم الحماية الاجتماعية والتقدم
• تقوية الرأسمال البشري
• إصلاح القطاع العام وتعزيز آليات التدبير .
إجراءات إنعاش الاقتصاد الوطني
وذكرت الوزيرة بالإجراءات التي تتعزم الحكومة تطبيقها في مجال إنعاش الاقتصاد الوطني، موازاة مع تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار ، مع تأكيد عزم الحكومة على تمكين الشباب من ولوج سوق الشغل، من خلال إجراءات فورية وملموسة، ستمكن من خلق 250 ألف فرصة شغل في غضون سنتين، انطلاقا من 2022. كما ستطلق الحكومة برنامج “الفرصة” لدعم المبادرات الفردية للشباب للحصول على 50 ألف قرض سنة 2022.
إلى جانب ذلك، ستعمل الحكومة على تطوير التكوين المهني بخلق مسالك التكوين المهني والجامعات والمدارس الكبرى مع إحداث مدن الكفاءات متعددة الأقطاب والتخصصات في كل جهات البلاد.
كما ستعمل الحكومة على تجويد مناخ الأعمال والتسريع بإخراج ميثاق الاستثمار تماشيا مع توجهات النموذج التنموي الجديد وتنزيل مضامين القانون المتعلق بالإصلاح الضريبي باعتباره أولوية وطنية وضمانا للعدالة الجبائية.
من جهة أخرى، قالت الوزيرة إنّ توطيد إنعاش الاقتصاد الوطني وخلق الثروة يرتبط بآليات التوزيع العادل لهذه الثروة ، وتعزيز دعائم “الدولة الاجتماعية” من خلال إدماج كل فئات المجتمع خاصة النساء والشباب.
الحماية الاجتماعية
وتلتزم الحكومة، في هذا الصدد، بمواصلة تنزيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية حيث ستشهد سنة 2022 إطلاق المرحلة الثالثة لتوسيع الاستفادة من التأمين الإجباري الأساسي على المرض لفائدة الفئات الهشة والفقيرة وتدابير التعميم التدريجي للتعويضات العائلية، من خلال تفعيل السجل الاجتماعي الموحد، وتعزيز المساواة بين الجنسين وتعزيز مشاركة النساء في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية. وللحكومة خطط ٌأخرى لدعم اقتصاد النساء، وتشجيع إدماج الشباب عبر تقوية برامج التشغيل ومواكبة المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، خاصة بالعالم القروي.
وفيما يتعلق بالسكن، فإن الحكومة ستعمل على تعزيز برنامج دعم السكن ومواصلة برنامج “مدن بدون صفيح” وتشجيع إنتاج السكن الاجتماعي والسكن المنخفض التكلفة.
وعلى مستوى التعليم، فإن الحكومة تلتزم بمواصلة تنزيل القانون المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي لضمان استعادة المدرسة العمومية لدورها في نقل المعرفة والارتقاء الاجتماعي، عبر تسريع ورش التعليم الأولي وتوسيع شبكة مدارس الجماعات، والنقل المدرسي والمطاعم المدرسية لفائدة التلاميذ القرويين من الابتدائي إلى الإعدادي، والارتقاء بمهنة التدريس، وتجويد التكوين الجامعي وتحفيز البحث العلمي.
وبخصوص القطاع الصحي، تلتزم الحكومة بإطلاق إصلاح عميق لمنظومة الصحة الوطنية، عبر تأهيل العرض الصحي وتثمين الموارد البشرية الصحية ومراجعة السياسات الدوائية وإرساء تدبير جيد وجديد للمنظومة الصحية.
توقعات النمو للسنة القادمة
واعتبرت الوزيرة، في نهاية عرضها بالبرلمان، أنه، ووفق توجهات البرنامج الحكومي، من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الوطني نموا بنحو 3,2 بشرط تعافي الاقتصاد العالمي، خاصة في منطقة ألأورو، وفرضية محصول للحبوب في حديد 80 مليون قنطار، وسعر البوطان بمعدل 450 دولار للطن. كما أنه من المتوقع أن يتم تقليص عجز الخزينة برسم 2022 إلى 5,9 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
عزيز كنوني