تناقلت مختلف المواقع الإخبارية، مستهل هذا الأسبوع، صورا لبحوث إجازة جامعية، وهي مكدسة و معروضة للبيع على أرصفة محاذية لسوق كاساباراطا الشهير بطنجة، و بحسب مضمون الصور، فإن الأمر يتعلق ببحوث يعود إنجازها لطلاب سبق أن درسوا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية في جامعة عبد المالك السعدي، أواخر الثمانينات من القرن الماضي، لكن لم تتسرب أية معلومات إضافية عن مصدر البحوث المطروحة للبيع و لا عن الطريقة التي وصلت بها إلى يد باعة الأرصفة الجائلين.
الحقيقة، أن طرح البحوث الجامعية للبيع في الأسواق ليس بدعة ضالة و لا هو مخالفة لقواعد القانون المدني و الجنائي، و لا مناقضا للنص القرآني القائل: “و أحلَّ الله البيع و حرَّمَ الرِّبا”، لكن، مع ذلك، قد يجوز تنزيله منزلة القشة التي قصمت ظهر بعير البحث الجامعي بالمغرب !
إن ثبوت أزمة التعليم في المغرب، بأطواره المختلفة و متعدد أسلاكه، أمر معروف لدى العامة قبل الخاصة، و لا أدل على هذه الأزمة المستفحلة من تلك الأفواج اللامتناهية من الخريجين الذين تلفظهم الجامعات نهاية كل موسم جامعي و هم يحملون على ظهورهم شهادات مختلفة الطبقات و التخصصات، و يتقلدون بحوثا تعالج مواضيع تتمايل بين حدود الحياة “الأولى” و أماني الحياة “الآخــــرة”. خريجون لا يصلح معظمهم إلا للانخراط في جمعيات لحملة الشواهد المعطلين و أخرى لحملة الدوكتوراهات !
الواقع أنني لم أتمكن، رغم محاولاتي العديدة، من الحصول على الرقم الحقيقي لعدد البحوث المنجزة من طلبة الجامعات المغربية بسلك الإجازة، و لا لعدد الأطروحات التي قدمها طلاب سلكي الماستر و الدكتوراه، بعد مرور أزيد من نصف قرن من الزمن على افتتاح أول جامعة مغربية سنة 1962، لكن المؤكد أن الأمر يتعلق بعدد يبلغ حدود الضخامة بل يتجاوزها بكثير.
السؤال الواجب طرحه في هذا الموضوع : ما القيمة المعرفية المضافة التي قدمتها و تقدمها هذه البحوث و تلك الأطروحات؟ و هل يتم التعامل معها باعتبارها رأسمالا أدبيا و علميا قد ينفع بشكل ما في تطوير البلد أو في معالجة الإشكالات و المسائل التي يعرفها؟ أم أن العرف جرى على اعتبارها مجرد إجراء مسطري ينتهي دوره ببلوغ المراد، أي الحصول على شهادة جامعية؟
من المفارقات الساخرة التي تبعث على الأسى و تحيل على الحزن، و كانت طنجة مسرحا لها، أن حلول رئيس جامعة عبد المالك السعدي ضيفا على بيت الصحافة نهاية الأسبوع المنصرم، تزامن مع عرض بحوث في الأدب العربي لطلاب سابقين بنفس الجامعة، فقي الوقت الذي كان خلاله رئيس الجامعة الأستاذ بوشتة المومني يشارك في احتفال تأبيني للشاعر الأمريكي جاك هرشمان أثثه شعراء و شاعرات من المغرب، كانت أرصفة المتلاشيات في سوق كاساباراطا تحتضن بقسوة و سخرية بحوثا حمل واحد منها عنوان “ظاهرة الحزن في الشعر المغربي الحديث”، فهل لمح صاحب البحث للمصير المحزن الذي انتهت إليه الجامعات بالمغرب ؟ وهل سيغامر أحد الطلاب بطرح موضوع جديد للبحث يكون عنوانه ” ظاهرة البؤس التعليمي بالمغرب”؟
محمد العطلاتي