أشارت مختلف المنابر الإعلامية الوطنية في تقاريرها حول قانون الميزانية للسنة المقبلة، إلى أن مصادقة البرلمان، على هذا القانون بالغرفة الأولى، تمت بأغلبية 206 صوتا (من بين 270)، مقابل 67 من أصوات المعارضة (من بين 125).
ولم يكن في الأمر ما يلزم الإشارة إلى قضية “الأغلبية“، ذلك أن هذا الموضوع تم حسمه يوم 8 شتنبر، كما تم تجسيده على أرض الواقع ، من طرف “الحلف المقدس” الثلاثي الأطراف، الذي جزم في الموضوع، بما يخدم مصالح “تكتل المواجهة” الجديد.
وكان طبيعيا أن تتضارب المواقف بين“الأغلبية” التي تعتبر أن قانون المالية 2022 يؤسس للدولة الاجتماعية والمعارضة التي اعتبرته “مخيبا لآمال المواطنين” ، بل وضارا بمصالحهم !
مواقف الأغلبية الحكومية
وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب أنه خلال السنوات الأخيرة، وعبر خلفيات إيديولوجية، ” تمت شيطنة الفئات الاقتصادية المنتجة وكبحت مبادراتها المنعشة للاقتصاد الوطني ونفور المستثمرين. وسجل غياب “الجرأة السياسية ” لمعالجة مشاكل البلاد وارتفاع حجم المديونية ، في إشارة لحكومتي البيجيدي.
رئيس فريق “الأحرار” سار في هذه الباب على منوال زميلته في الحزب، وزيرة الاقتصاد والمالية “الشريفة” بوصف “الزعيم” بنكيران، التي علقت كل المتاعب التي شهدها المغرب خلال “السنوات العشر الماضية” على مشجب “العدالة والتنمية“. وكان ذلك خطأ .
ولم يكن رئيس فريق “الأحرار” بحاجة إلى تأكيد “دعم” فريق حزبه وبقوة، للحكومة والتعبير عن ثقته في حكومة “الحلف” وقانون الميزانية الذي تقدمت به.
وفي تدخله بالبرلمان، خلال مناقشة ميزانية 2022، ركز أحمد التويزي، رئيس الفريق البرلماني للأصالة والمعاصرة ،على صعوبة “فهم طلاسيم وثائق مشروع قانون المالية المعقد، خلال أسبوعين أو حتى شهر، خاصة وأن البرلمان يمثل صورة للمجتمع ويضم “اللي قاري واللي ماقاريش، والدكتور والفلاح والجزار” وطالب الحكومة ، أن تفكر في المساعدين البرلمانيين، “ولو مساعد واحد لكل برلماني لمتابعة طلاسم مشاريع القوانين، خصوصا أننا نحن من نصوت على هذه القوانين المالية” !
وبعد أن اعتبر أن نتائج الانتخابات الأخيرة هي ردّ على كل المشككين في العملية الانتخابية والمناوئين للحداثة، أكد دعم فريقه وبقوة للحكومة و“سنده” المستمر لها وثقته في قانون الميزانية .
نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، أكد في مداخلته أحقية الأغلبية في توجيه النصح والتنبيه للحكومة من أجل التصحيح.
وقال مضيان ما معناه أن وجود حزبه في الحكومة لا يمنعه من تبليغ رسائل الشعب المغربي، لأن، “صوت الشعب أمانة لا بدّ من تبليغه سواء كنا في المعارضة أو الأغلبية.
وطالب مضيان الحكومة بالتمييز بين الأغلبية الحكومية والأغلبية البرلمانية، لكون هذه الأخيرة لا تعني المجاراة في كل شيء، «فنحن لم نأت لكي نصفق»، مبرزا أن الشعب المغربي علق آمالا كثيرة على الحكومة، حيث منحها أغلبية مريحة، وهذا مؤشرٌ إيجابي يجب استغلاله لخدمة المواطنين، داعيا إلى بعث “رسائل في أقرب وقت، تظهر أن الحكومة مع هموم الشعب ومع معالجة اختلالات الماضي كيفما كانت“.
وقد فهم الجميع، من داخل وخارج البرلمان، أن مضيان أراد تبديد مخارف “الازدواجية” في مواقف فريق “الاستقلال” بعد أن اعتبُر تصريح سابق له
بمثابة انتقاد للحكومة وخروجا عن “ميثاق” الحلف الثلاثي المقدس..
واعتبر مضيان أن الحكومة أرادت أن تؤكد من «خلال مشروع قانون مالية 2022 أنها قادرة على تحقيق التغيير الذي يتطلع له المغاربة، وتعزيز الثقة في جميع المؤسسات.
من جهتها، ردت وزيرة الاقتصاد والمالية على انتقادات المعارضة بالقول إن الحكومة خصصت 8 مليارات كزيادة في كتلة الأجور، و 16 مليار لدعم السكر وغاز البوتان والدقيق، و10 مليار لدعم صندوق التماسك الاجتماعي، في إطار تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين.
وكشفت الوزيرة ، من جهة أخرى، أن الحكومة حرصت على التجاوب مع تعديلات البرلمانيين على مشروع قانون المالية مشيرة إلى أنه تم قبول 31 تعديلا وأن الحكومة لم تلجأ في أي وقت من الأوقات إلى الفصل 77 من الدستور، وهو ما يعكس الأجواء الإيجابية التي طبعت أشغال اللجنة.
من جهته، رفض عبد اللطيف وهبي، وزير العدل انتقادات المعارضة حول سحب الحكومة لمشروع القانون الجنائي،
وقال وهبي نحن حداثيون ولدينا ملاحظات حول عقوبة الإعدام في مشروع القانون الجنائي كما لدينا ملاحظات على العقوبات البديلة، ونريد أن نضع بصمتنا في هذا المشروع”.
وأضاف “نحن جئنا لننفذ تصورنا وليس تصور الحكومة السابقة” بعد أن كان اعترف في جلسة أسئلة برلمانية بأنه حين جاء للوزارة وجد مشروع قانون المسطرة الجنائية موجودا حيث اشتغل عليه الوزراء السابقون. وأنهم أتموا الكثير من العمل وبقيت بعض” الروتوشات” والتغييرات الطفيفة.
مواقف المعارضة
أما المعارضة الممثلة، أساسا، في فرق الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية ، فقد أجمعت على أن مشروع قانون المالية 2022،” مخيب للآمال” حيث صرح رئيس الفريق الاشتراكي ،أن أحزاب الأغلبية الحكومية تقدمت بالعديد من الوعود الوردية والأرقام الحالمة، مما بعث الأمل في نفوس المواطنات والمواطنين وشجعهم على المشاركة في العملية الانتخابية، إلا أن هذه الوعود لا وجود لها الآن“”.
وتساءل : “أين هي وعود إدماج المتعاقدين؟ أين البطاقة الصحية للاستفادة المجانية من العلاج والدواء؟ أين هو الدعم المباشر للفقراء؟”، واعتبر أن “البرنامج الحكومي تنكر للوعود الانتخابية، والآن يتنكر مشروع قانون المالية بدوره للالتزامات التي أعلنها البرنامج الحكومي.
واعتبر، من جهة أخرى، أن مشروع قانون المالية “يفرض إجراءات ضريبية تقع نسبتها الكبرى على عاتق المأجورين، الأمر الذي يزيد في إضعاف الطبقة الوسطى وذلك عكس ما تعهد به البرنامج الحكومي . كما انتقد تضمين مشروع قانون المالية ضريبة داخلية على الاستهلاك على الآلات الإليكترونية وعلى بعض المنتجات التي أصبحت جزءا من معيش الطبقة المتوسطة.
أما رئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية فقد أكد أن مشروع قانون المالية جاء “مخيبا للآمال” معتبرا أن الحكومة لم تتجاوب مع تعديلات المعارضة. واعتبر أن ” شعار الدولة الاجتماعية ” مقولة ينطوي توظيفها على مغالطات كثيرة بهدف إخفاء توجيهاتها الغارقة في الليبرالية، وتغطية المصالح الاقتصادية للوبيات المالية “ببعض الجرعات الاجتماعية“.
من جهته وجه رئيس مجموعة “العدالة والتنمية” تحديا للحكومة ، داعيا إياها بإعادة دعم المحروقات، كما انتقد تنكر الأغلبية للأساتذة المتعاقدين وضعف تجاوب “حكومة الهيمنة” مع العديد من التعديلات التي تقدمت بها المعارضة .
من جانبه، أشار رئيس الفريق الحركي، إلى أن المعارضة مستعدة لأداء دورها بشكل كامل، مبرزا، في هذا الصدد، أن تدارس مشروع قانون المالية يشكل مناسبة لاقتراح سبل التحسين من أجل سياسات عامة ناجعة.
وبخصوص مشروع ريادة الأعمال لفائدة الشباب أشار أن ” المقاولة هي ثقافة ناتجة عن التجربة “، مؤكدا ضرورة تقديم المساعدة والدعم اللازمين للمقاولات القائمة التي عانت بشكل خاص خلال الأزمة الصحية المتعلقة بالوباء.
إجمالا، اعتبرت المعارضة، بمجلس النواب أن مشروع قانون مالية السنة المقبلة “مخيب للآمال وأن أحزاب الأغلبية تقدمت بالعديد من الوعود الوردية والأرقام الحالمة، مما بعث الأمل في نفوس المواطنات والمواطنين، إلا أن هذه الوعود لا وجود لها الآن. كما اعتبرت المعارضة أن الحكومة لم تتجاوب مع تعديلات المعارضة حتى تلك التي تخص وقف تدهور القدرة الشرائية للمتقاعدين، وأن رفع شعار “الدولة الاجتماعية” الغرض منه إخفاء توجهاتها الغارقة في الليبرالية. وأن مشروع قانون المالية لسنة 2022 “لم يأت بجديد” وليس فيه اجتهادات إضافية ونوعية ، ولا يستجيب للوعود التي قدمها البرنامج الحكومي. “.
وهكذا يتضح تباين مواقف فرق الأغلبية والمعارضة بخصوص مشروع قانون المالية لسنة 2022 بين من يرى أنه يحمل «تدابير محتشمة وغير قادرة على إحداث الرجة في الاقتصاد والمجتمع “، ومن يؤكد أن هذا القانون قادرٌ على إحداث التغيير الذي يطمح إليه المغاربة.
التجمع الوطني للأحرار
في هذا الصدد، اعتبر حزب التجمع الوطني للأحرار أن مشروع قانون مالية 2022 “يؤسس لدولة اجتماعية“، وأن الدور الجديد للدولة “يجب أن يكون موجها لمعالجة الاختلالات الاجتماعية، ودعم وتقوية دعائم الاقتصاد الاندماجي“.
وشدد على “ضرورة امتلاك الجرأة وقول الحقيقة، لكون الاختلالات التي أبانت عنها الجائحة على المستوى الاجتماعي والصحي والاقتصادي، لا يمكن تحميلها كلها للوباء، لكنها تراكم سنوات من الإهمال في عدد من المجالات والقطاعات، التي أبانت عن ضعفها وهشاشتها” حيث شهدت السنوات الأخيرة ضعفا في الاستثمار، خاصة في قطاع الصحة وقطاع التعليم، وهو ما تسبب في تراجع معدلات النمو خلال السنوات الأخيرة إلى أقل من 3 في المائة“. كما دعا ممثل الأحرار، المعارضة بمجلس النواب إلى “الترفع عن الملاحظات الشكلية في مناقشة مشروع قانون المالية أن تضع في حسبها انتظارات المواطنين الكثيرة.
وهكذا تمت مناقشة أول مشروع قانون مالية للسنة الأولى من ولاية “الأغلبية الليبرالية” الجديدة التي أفرزتها انتخابات ثامن شتنبر الماضي والتي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار في إطار “تحالف” ثلاثي الأطراف، مهيمن.
ولاحظ الجميع أن المناقشة تمت في جوّ عاد، بدون “تشنجات” ولا “احتقانات“، دون إغفال بعض “الاستثناءات” المفهومة و“المخدومة” والتي لم تؤثر على مجرى المناقشات التي “لم تخرج عن السيطرة” ‘إلى نهاية الجلسة التي أفضت الى التصويت على ميزانية السنة المقبلة، الأولى، بعد خروج المغرب، إن شاء الله، من “معضلة الوباء“.
وكان منتظرا ، بل وطبيعيا، أن تتم المصادقة على هذا المشروع، في الغرفة الأولى، كما في الغرفة الثانية، حيث تتوفر الأغلبية الحاكمة على أغلبية مساندة، “فجرتها” صناديق الاقتراع يوم ثامن شتنبر الماضي، حيث تشقلبت الأوضاع وجعلت “أعلاها أسفلها” ، موقعة بذلك رجة لم تكن منتظرة بتلك الحدة، ولو أنها كانت “متوقعة” على كل حال !.
عزيز كنوني