بدأت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وألمانيا خلال الشهور الماضية، حيث أعلن المغرب استدعاء سفيرته لدى ألمانيا من أجل التشاور، على خلفية ما وصفتها الرباط بمواقف عدائية متراكمة تعد انتهاكا لمصالح المغرب..
وحسب البيان الذي أصدرته الخارجية المغربية أن برلين اتخذت موقفا سلبيا إزاء قضية الصحراء المغربية، على إثر الإعلان الرئاسي الأمريكي الذي اعترف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، كما اتهمت الرباط برلين لمحاربة مستمرة للدور الإقليمي الذي يلعبه المغرب، وتحديدا بدوره الفعال بشأن الملف الليبي..
واعتبر بعض الخبراء السياسيين، أن المغرب أبان عن حنكة دبلوماسية راقية، بالطريقة التي أدار بها الأزمة الطارئة بينه وبين ألمانيا، أظهرت حرصه الشديد على إعادة العلاقات الدبلوماسية إلى حالتها الطبيعية، وكشفت في نفس الوقت عدم تساهله المطلق مع المساعي الألمانية المناوئة لمصالحه العليا.
وقد ظهر الموقف الألماني العدائي للمغرب منذ أن تم استبعاده من حضور مؤتمر برلين حول ليبيا، على الرغم من الدور الحاسم والمركزي الذي لعبه المغرب من أجل المصالحة الليبية، ثم المعارضة الألمانية على الموقف الأمريكي الذي أقر بأحقية المغرب وسيادته على الصحراء.. ومما لا ريب فيه أن كل هذه الأمور المتخذة من ألمانيا قد تجاوزت حدودها وأغضبت المغرب واعتبرها انتهاكا لمصالحه القومية.
وفي المقابل، قامت الحكومة الألمانية باستدعاء السفيرة المغربية لديها من أجل التشاور حول الوضع الدبلوماسي الراهن، وذلك عقب رسالة بعث بها وزير الخارجية المغربي إلى رئيس الحكومة المغربية السابق بشأن تعليق التعاون مع السفارة الألمانية في الرباط، وجميع أنشطة المنظمات الألمانية.
ولقد وصفت هذه ا لأزمة بالأزمة الصامتة بين المغرب وألمانيا، حسب المراقبين المتتبعين لها، ويعود سببها إلى اصطفاف ألمانيا إلى جانب خصوم الوحدة الترابية المغربية، وإقصاء المغرب من حضور مؤتمر برلين.. كما أنها سعت جادة في طلب اجتماع مجلس الأمن الدولي لبحث الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء في شهر دجنبر الماضي، في نفس الوقت الذي تقدمت في «كيلي كرانت» سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة برسالة لأنطونيو غوتيريس تتضمن إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بأن كل أراضي الصحراء هي جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية.. وفيما يرجع للتعاون الأمني بين البلدين، أشار بيان الخارجية المغربية، أن ألمانيا حكانت شريكة في مقاضاة أحد المدانين السابقين بارتكاب جرائم إرهابية، كما أطلعتها المخابرات المغربية بأن هناك محاولة لتنفيذ أعمال إرهابية داخل ألمانيا ونبهتها مرتين، الأولى في شهر شتنبر والثانية في أكتوبر 2016، وذلك بخصوص العملية التي سيقوم بتنفيذها التونسي أنيس عامري.
ويرى بعض الخبراء في قضايا الإرهاب أن ألمانيا بدلا من أن توطد علاقاتها مع المغرب وتستفيد من خبراته الأمنية في مكافحة الإرهاب، فإنها عملت على توفير بيئة مناسبة للإرهاب، واحتضنت الإرهابي محمد حاجب وسمحت له أن يبث مقاطع فيديو من داخلها على منصات التواصل الاجتماعي، ووجدها فرصة سانحة للقيام بالتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية ضد المغرب ومرافقه ومواطنيه.
ونبه الخبراء إلى أن الأمر يتعلق بشخص تتوفر فيه كل مقومات الإرهابي، من أفكاره التي يعبر عنها وتوجهاته إلى تحركاته وأسفاره المشبوهة عبر بؤر التوتر، إضافة إلى سجله الحافل بالجرائم الإرهابية، حيث سبق أن قضى عقوبة سجنية مدتها عشر سنوات بسبب تورطه في تلك الجرائم..
ونفى المراقبون المختصون في قوانين الإرهاب بين المغرب وأوروبا، أن يكون الإرهابي محمد حاجب قد تعرض لأي تعذيب في المغرب، عكس ما يدعيه، وأن مزاعمه فارغة ولا أساس لها من الصحة، وقد سبق أن تمتع بمحاكمة عادلة في المغرب في ظل إجراءات قانونية وبانسجام تام مع ما تقتضيه حقوق الإنسان، وأن استمرار ألمانيا في دعم أشخاص إرهابيين كحاجب من شأنه أن يؤدي إلى تقويض العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وفي إطار التحالف الدولي والإقليمي للمغرب، يرى المراقبون من خلال قراءة سلوك المغرب الخارجي تجاه القوى الدولية، توحي بأنه أصبح يتصرف كعنصر رئيسي في التحالف الدولي الإقليمي، وأن هذا الموقع المحوري الجديد بدأت معالمه ترسخ في الوقت الذي صد عدوان البوليساريو وحرر معبر الكركرات، ثم تعاظم أكثر بالاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، وكذا التصريحات المغربية الأخيرة عن طريق وزارة الخارجية، والتي تنطلق من موقف بأن المملكة لم تعد تقبل بسياسة النفاق من الدول التي بقيت مواقفها من النزاع المفتعل حول الصحراء في الدائرة الرمادية، وأن التحالف الدولي والإقليمي الجديد لا يتسع للمناورات الصبيانية التي تقف وراءها عناصر معادية للوحدة الترابية للمغرب.
وهكذا يبدو في الوقت الراهن أن الظرفية التي تساءل بها المغرب مع القوى العظمى في العالم وكبريات الدول، جعلها في موقع الصمت والحرج، وتبين بجلاء أن النظام الإقليمي المتوسطي قبل الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، ليس هو النظام الذي جاء بعده، مما يدل على الحزم الدبلوماسي المغربي والقوة الأمريكية في الاعتراف الثابت بأثار سياسية وقانونية عميقة ومتجذرة، وهي الأسباب التي أثارت غضب المغرب واستياءه إزاء ألمانيا بتصريحات سفيرها لدى الأمم المتحدة «كريستوف هويسغهن» في 24 ديسمبر من السنة الماضية «لابد من أخذ زمام المبادرة في القرارات المتعلقة بالصحراء المغربية، وأن الأمر يقترن بالمسؤوليات ويسير جنبا إلى جنب مع التزام قوي لحل المشكلة». ويضيف السفير الألماني لدى الأمم المتحدة : «عليك أن تكون عادلا وغير متحيز، وأن تأخذ بعين الاعتبار المصالح المشروعة لجميع الأطراف وتتصرف في إطار القانون الدولي، ويجب السعي للوصول للحل النهائي للمشكلة تحت إشراف الأمم المتحدة وبما يتماشى مع القرارات الدولية».. كما أصرت برلين في 27 يناير المنصرم على رفع علم جبهة البوليساريو أمام برلمان ولاية برلين لعدة ساعات، بعد مناشدة الرئيس الجديد للمجموعة البرلمانية المشتركة «السلام للشعب الصحراوي» والمطالبة باتخاذ إجراءات ضد ما زعم أنها انتهاكات من جانب المغرب، كما أن هناك أسباب أخرى أدت إلى تقويض العلاقات بين الرباط وبرلين على مستوى المؤسسات السياسية حيث تم اكتشاف في دجنبر 2019 رسالة سرية من موقع AFRICA INTELLIGENCE عن التوترات المتصاعدة بين البلدين، المتعلقة بمؤسسات «كونراد أديناور وفريد ريش إيبرت وفريد ريشت ناومان وهانس سيدل»، وكشفت عن تعليق مفاوضات الشراكة من أجل الإصلاحات، وأوضحت الرسالة أن البرنامج الممول بقية 571 مليون يورو (687 مليون دولار) عن الفترة من سنة 2020 إلى 2022، وهو موضوع مذكرة وقعت في برلين بتاريخ 29 نونبر من السنة الماضية، وهذه المؤسسات طلبت الحصول على وضع معين في المغرب، صنفت على أنها جمعيات، لكن الطلب الذي تقدم به السفير الألماني في الرباط «جونز شميدت بريمي»، قوبل بالرفض من السلطات المغربية، بعلة أن هذا التمويل المقدم من ألمانيا لبعض المنظمات غير الحكومية بما في ذلك الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أعمال تنبني على التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب.
وتجدر الإشارة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن راضية على التوتر الذي حصل بين ألمانيا والمغرب، وأن الرأي العام الأمريكي ينتظر من المغرب تفسيرا لدعاوى قرارها المتخذ بتجميد كافة أوجه التعامل مع سفارة برلين.
وانطلاقا من ميزان السياسة الدولية في الوقت الحالي، فإن الواقع يظهر أن دور ألمانيا أصبح رائدا في رسم سياسات الاتحاد الأوروبي بشكل أوسع في أي وقت مضى، وأن برلين تزداد أهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، واعتبر فريق سياسة بايدن في إطار المقاربة لوجهات النظر بين واشنطن وعواصم أوروبية أخرى، أن من يدعو للقطيعة الدبلوماسية مع ألمانيا يحث مسؤوليها على تبني معادلة الصفر إزاء المغرب، ومن حيث العلاقات التجارية، فالمغرب يرتبط بعلاقات جيدة مع ألمانيا، وقد دأبت على تقديم مساعدات مالية للرباط، كانت آخرها في دجنبر من السنة الماضية.
وصرحت السفارة الألمانية في الرباط، آنذاك، أن برلين ستقوم بتدعيم المغرب بمليار يورو لأجل مساعدته على مواجهة تداعيات جائحة كورونا، وأعربت السفارة عن سعادتها لنجاح المباحثات بين الحكومتين الألمانية والمغربية والتي من خلالها سيستفيد المغرب بأكثر من 1,137 مليار يورو (157 مليون يورو منح كسيولة و280 مليون يورو ستقدم على شكل قروض ذات الفائدة المنخفضة.
وفي شهر فبراير الماضي، أعلن المكتب الفدرالي الألماني للإحصائيات أن المبادلات التجارية بين المغرب وألمانيا بلغت نحو 3 مليارات و200 مليون يورو خلال 2020 وأن المغرب يحتل المرتبة الثالثة في القارة الإفريقية من حيث المبادلات التجارية مع ألمانيا، وحسب الإحصائيات، فالمغرب استورد من ألمانيا سنة 2020 نحو مليار و200 مليون يورو من السلع، وبلغت صادراته حوالي مليار و300 مليون أورو.
غير أنه بعد التصعيد المغربي ضد برلين على خلفية الملفات المثيرة للجدل، صدر تصريح عن الخارجية الألمانية، يقول أن القرار المغربي «مؤسف» وليس مناسبا، وكررت برلين توضيح موقفها بخصوص نزاع الصحراء الغربية، وهكذا وصفت الخارجية الألمانية القرار المغربي بأنه قرار غير عادي، ويبقى من وجهة نظرها إجراء غير مناسب من أجل تسوية أزمة دبلوماسية، واعتبرت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية أن الحكومة الفدرالية الألمانية طالبت الجانب المغربي بتوضيحات حول سبب اتخاذ هذا الإجراء، وأضافت أن الاتهامات وطبيعة الكلمات الواردة في بيان الخارجية المغربية لا تستند على أي أساس، وأن التطورات الأخيرة مؤسفة، لأن الحكومة الفدرالية حاولت كثيرا أن تخلق حوارا بناء.
وحول موضوع الصحراء الغربية، صرحت المتحدثة أن موقف الحكومة الألمانية سيبقى كما هو دون أن تشير إلى النقط التي يختلف حولها البلدان.. واعتبرت أن وضع الصحراء لم يتم توضيحه، وهو ما يجب القيام به من خلال مسار تفاوضي ويتطلب التسوية على مستوى الأمم المتحدة.
ذ. محمد الخراز