المغرب-روسيا : التوقيع على عدة اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية
منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس حفظه الله عرش المملكة في يوليوز 1999، عرفت العلاقات بين المغرب وروسيا دينامية جديدة على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، وذلك بفضل الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لروسيا في مارس 2016، حيث اعتبرت الزيارة حدثا تاريخيا على جميع الأصعدة، الشيء الذي أدى إلى الارتقاء بالعلاقات بين المغرب وفدرالية روسيا إلى مستوى شراكة استراتيجية معمقة، حيث تم التوقيع على 14 اتفاقية في مختلف المجالات.
وقد ارتبط البلدان بشراكة استراتيجية منذ إبرامها سنة 2002 بمناسبة أول زيارة رسمية لجلالة الملك لروسيا وأعطت دفعة جديدة للعلاقات الثنائية، وتم التوقيع عليها بالكرملين تحت رئاسة جلالة الملك محمد السادس والرئيس فلاديمين بوتين، وشملت الشراكة بالتوقيع على الاتفاقية متعددة الأشكال تهم بالخصوص مجالات الصيد البحري والبحث العلمي والتقني والقضاء وتكنولوجيا الاتصالات، فضلا عن السياحة والقضاء والأمن ومحاربة الإرهاب، وتوطدت العلاقة بين البلدين بتوقيعهما على البيان حول الشراكة الاستراتيجية والمعمقة خلال زيارة الرئيس بوتين للمغرب سنة 2006 والتي أعطت دفعة جديدة لهذه الشراكة.
وكانت زيارة الرئيس بوتين للمغرب مناسبة كذلك للتوقيع على عدة اتفاقيات تعاون بين البلدين في عدة مجالات منها على الخصوص، في السياحة، الثقافة، الفلاحة، الرياضة، الصحة، الأبناك، وهمت هذه الشراكة جانب الحوار بين الثقافات والحضارات وتعزيز الاتصال والمشاورات السياسية على مختلف المستويات، وعمت هذه الشراكة كذلك التنسيق بين الرباط وموسكو لتعزيز مواقفهما حول القضايا ذات الاهتمام المشترك على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، مع التركيز بشكل أساسي على ترسيخ دور الأمم المتحدة في السلم والأمن العالميين وعدم الانتشار النووي ومحاربة الإرهاب والتسوية السلمية للنزاعات في بؤر التوتر بمناطق العالم.
وأعطت الاتفاقيات المبرمة بين البلدين على المستوى الاقتصادي دفعة قوية للمبادلات التجارية التي سجلت ازدهارا حقيقيا بصل إلى 2,5 مليار سنويا، مما جعل المغرب ثاني شريك تجاري لروسيا في إفريقيا والعالم العربي.
وبلغت قيمة التجارة الثنائية 18,06 مليار درهم سنة 2014، منها 16,33 مليار درهم من الواردات و1,74 مليار درهم من الصادرات، وذلك حسب الإحصاء الوارد عن مكتب الصرف المغربي.
أما عن المنتوجات الصناعية الغذائية فتمثل ٪97 من الحجم الإجمالي والصادرات المغربية نحو السوق الروسية؛ وفي المقابل يستورد المغرب النفط الخام من روسيا بنسبة ٪78؛ وقد بلغت قيمة المبادلات التجارية في مجال المنتوجات التجارية 2,6 مليار درهم سنة 2014. وهكذا يظهر أن المنتوجات المغربية قد غزت السوق الروسية في السنوات الأخيرة بشكل كبير ومكثف وعززت حضورها أيضا بفضل المشاركة المتميزة للمغرب خلال سنة 2015 في دورة العرض الدولي للمنتوجات الغذائية «وورلد فود موسكو» الذي خول للمقاولات المغربية تقوية حضورها في أكبر سوق بأروبا الشرقية في مجال المنتوجات الفلاحية والبحرية، إلى جانب إبرام اتفاقات شراكة مع الفاعلين الروس.
وخلال الدورة الثانية لعملية ترويج المنتوجات المغربية في روسيا والمهرجان الكبير للمغرب في روسيا المنظم في موسكو بمبادرة من المركز المغربي لإنعاش الصادرات، كانت مناسبة موفقة للعرض والترويج للمبادلات بين المغرب وروسيا، وكانت فرصة سانحة مكنت هيئة أعمال لفائدة المستهلك في إدراج المنتوجات المغربية في قطاعي النسيج والصناعة الغذائية في التصنيف المرجعي وتمكين المستهلك الروسي من الاطلاع على المنتوجات المغربية المعروضة للبيع في السوق الروسي.
وفي أفق توطيد روابط الشراكة والمبادلات التجارية يُسجّل بنجاح العديد من الزيارات التي قامت بها مجموعات من الصناعيين والمصدرين المغاربة لروسيا من أجل استكشاف فرص استثمار الشراكة مع رجال أعمال الروس.
وتجدر الإشارة أن روسيا تعد من بين الشركاء المفضلين للمغرب، بدليل ما تم إعداده من زيارات متعددة على مستوى القطاعين العمومي والخاص وتنظيم المنتدى المغربي-الروسي سنة 2015 والمهرجان الكبير للمغرب في روسيا، مما يدل على رغبة المغرب في المزيد من التعامل التشاركي لتقوية مكتسباته والحفاظ على استئثاره بأوفر الحصص في السوق الروسية وتعزيز موقعه الاقتصادي والتجاري عبر تنويع عروضه الإنتاجية القابلة للتصدير. وقد عكس هذا الاهتمام المتزايد بالسوق الروسية فتح خط بحري يربط أكادير بسان بيتر سبورغ، وهو ميناء الربط الاستراتيجي بين روسيا وأروبا وإفريقيا.
وعلى المستوى السياحي، أصبح المغرب مطلوبا كواجهة ذات جودة عالية للسياحة، ويتطلع إلى جلب 200.000 سائح سنويا على الأقل. واستنادا إلى عملية الإحصاء التي اضطلع بها مرصد السياحة أن ٪96 من السياح الروس لديهم انطباع إيجابي عن إقامتهم في المغرب، وتأتي جودة المرافق الترفيهية والتنشيط وراحة الإيواء في الفنادق السياحية وتشوير المواقع، من بين العوامل الرئيسية التي تحظى بالقبول والرضى لدى السياح الروس. وهذه الشراكة كانت طموحا ورغبة ملحة لدى البلدين معا لتوطيد علاقتهما الثنائية لا على المستوى والاقتصادية والسياحي فحسب، بل لتكرس مكانتهما كشريكين رئيسيين من الدرجة الأولى في تعزيز مشاورتهما على المستوى الدولي.
وعليه، فإن الاستراتيجية الروسية تتمسك بكثير من الواقعية والبراكماتيكية في التقارب مع دول شمال إفريقيا دون المساس بالقضايا المصيرية التي تشكل قطب رحى السياسات هذه الدول، مع أخذ التحفظات الكافية، ونهج سياسة الحياد الإيجابي، وخاصة بالنسبة لقضية الصحراء، حيث تشكل نقطة خلاف صادم بين المغرب والجزائر، كانت ومازالت السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين البلدين الجارين لفترة امتدت لأكثر من أربعين سنة، ومع ذلك تبدو روسيا متحمسة في استغلال هذا التوتر القائم منذ عقود لتقوية علاقتها مع كل من المغرب والجزائر.
وعبر التاريخ كان الموقف الروسي في تقاطع مع نظيره الجزائري في قضية الصحراء، فإلى جانب علاقة موسكو الراسخة مع الجزائر، فهناك علاقات دافئة بين موسكو وجبهة البوليساريو الانفصالية، وغالبا ما يرحَّب بقيادييها في روسيا للعب دور الوساطة بين طرفي النزاع ومسك ورقة الضغط إضافية توظفها إزاء المغرب في أي وقت تراه مناسبا.
وقد أدرك المغرب مؤخرا أهمية الدور الروسي في الوساطة لقضية الصحراء على المستوى الإقليمي الأوسع، حيث حاول المغرب الاستفادة من تناقض المصالح بين موسكو وواشنطن لإحراز الدعم الروسي للقضايا الوطنية، بما في ذلك بسط السيادة المغربية على الصحراء التي أقرت بها مؤخرا الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي ظل هذا المعطى الجديد الذي أحرزه المغرب ، فإن الرسائل التي تحاول روسيا تعميمها عسكريا واستراتيجيا لا تعدو أن تكون مجرد تعبير عن العودة كقوة مؤثرة في منطقة شمال إفريقيا، لتصل إلى الكشف عن نوايا موسكو الصريحة لمنافسة دول الأخرى كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، من خلال إطلاق الوعود باستثمارات مغربية لإنجاز مشاريع الطاقة وإبرام عقود وصفقات الأسلحة التي ارتفعت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وبناء المفاعلات النووية وتنويع الصادرات والواردات نحو دول شمال إفريقيا وإنشاء قواعد عسكرية روسية تراقب منطقة جنوب الموتسط.
ومع هذا كله، فروسيا تواجه بعض العراقيل التي تحول دون تحقيق طموحاتها الاستراتيجية في شمال إفريقيا، رغم الجهود التي تبذلها، وذلك بسبب التركيز الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة مما أدى إلى عرقلة الجهول الروسية للتوسع والهيمنة شمال إفريقيا.