فتاةٌ أنيقةٌ، كانت تَجلسُ في حَافِلَة …. صَعَدَت امرأةٌ وَحَشَرَت نفسَهَا وَحَقائِبَها الكَثيرةَ بِجانِبِ الفَتاةِ فَضَايَقتهَا، لٰكنّ الفَتاةَ بَقَيَت مُتَبَسّمَةً رَاضِيةً لَمْ يَبدُ عَليهَا التَّأفُفُ والانزِعَاج وَكَأنَّ شَيئاً لَم يَكُن.
رَجُلٌ كَانَ يُراقِبُ المَوقِفَ فانزَعجَ مِمَّا رأى، وسَألَ الفتاةَ لِماذا لَم تَتَكَلَّمِي وتقُولِي شَيئاً للمَرأة الفَوضَوِيَّـة ..
أجَابتِ الفَتاة بابتِسَامةٍ: ” ليسَ مِنَ الضَرُوري أنْ تكُونَ قاسِياً وَتُجادلَ فِي كُلِّ شَيءٍ تافهٍ “فالرِّحلةُ قَصيرة” وأَنا سَأنزِلُ في المَحَطَّةِ القادِمَة.
تأمَّل هَاتَينِ الكَلمَتين: “الرِّحلَةُ قَصِيرة”. تَستَحِقُّ أن تُكتَبَ بماءِ الذَّهَب، وَنَعملَ بِمَضمُونِها فِي جَميعِ تَصَرُفاتِنا اليَومِيَّةِ، لَيسَ مِن الضَّرورِيِّ أن تَكُون قَاسِيَاً وَتُجَادلَ فِي كُلِّ شَيءٍ لأنَّ الرِّحلةَ قَصيرة.
إذا تَنَبَّهَ كُلٌ مِنَّا أنَّ رِحلتَنا فِي هذه الدُّنيا قَصِيرة فَلَن نَجعلَهَا مُظلِمَةً مَلِيئةً بالجِدالِ والخُصُومَةِ والكَيدِ وَالحقدِ وَعَدم العَفوِ عَن الآخرين، كَي لا يَضيعَ جُهدُنا وَوقتُنا وَجَمالُ حَيَاتِنا.
هَلْ كَسَرَ أحدُهُم قَلبَك؟ كُن هادِئاً فالرِّحلةُ قَصيرة. هَلْ ضَايَقَكَ أو استَهزأ بكَ أَحَد؟ كُن هادِئاً، فالرِّحلةُ قَصيرة مَهمَا وَقَعَ عَلَيكَ مِن ظُلم. تَذَكّر دَوماً أنَّ الرِّحلَةَ قَصِيرة. هَلْ نَسِيَ أَحَدُهُم مَعروفَكَ وَوقفَتكَ معَهُ وسُؤالَكَ عَنهُ؟ كُن هَادِئاً فالرِّحلَةُ قَصِيرَة. هَلْ انتَقَصَ أحَدٌ قَدرَكَ وَلَم يُقَدِّركَ حَقَّ التَّقدِير!
كن هادئاً فالرحلة قصيرة. رِحلتُنا قَصِيرَةٌ جِدَّاً، ولا يُمكُنُ الرُّجوعُ إليهَا بَعدَ تَركِهَا، ولا أحَدَ يَعلَمُ مُدَّتَهَا ومتى تَنتَهِي. لا أحَدَ يَعلم هَلْ سيبقى للمَحَطَّةِ التَّالِيَة أمْ لا. لِنَكن هادئين طَيِّبينَ كَاظِمينَ الغَيظَ، صَبورِينَ وَمَعَ الآخرِينَ مُتسَامِحِينَ.