يعتبر المغرب حليفا أساسيا للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو، وقد احتل الجانب العسكري والأمني مكانة متميزة بينهما، حيث نظم البلدان بشكل مشترك العديد من برامج الوقاية والمكافحة المنسقة ضد المخاطر العابرة للحدود.
ويصبو التعاون المغربي الأمريكي إلى تعزيز التوافق بين القوات المسلحة المغربية والجيش الأمريكي، وتعزز هذا التوافق في السنوات الأخيرة من خلال المناورات العسكرية المشتركة والتعاون العسكري على أرض الواقع..
وشكل التعاون الأخير للمسؤولين السامين من البلدين مناسبة لإبراز الأهمية الاستراتيجية للمغرب والولايات المتحدة الأمريكية على المستويين الأمني والعسكري، وفتح المجال للتوافقية على مجال واسع فيما يتعلق بالرهانات الأمنية الكبرى للعالم.. وتوج هذا اللقاء بتوقيع اتفاق يحمل اسم خارطة الطريق للتعاون في مجال الدفاع 2030-2020 بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية..
ويرمي هذا الاتفاق إلى تقوية التعاون العسكري والأمني ودعم القرار الملكي في تعزيز الصناعة العسكرية الوطنية، انطلاقا من تعزيز دور المغرب كدولة محورية في الحفاظ على الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء..
وقال المسؤول الأمريكي «اسبر» خلال زيارته للمغرب: «اليوم وأكثر من أي وقت مضى، فإن بلدينا يعملان في إطار شراكة وثيقة لمواجهة تحديات بيئة أمنية تزداد تعقيدا يوما بعد يوم ومكافحة الإرهاب وتهديدات الاستقرار الإقليمي العابر للحدود وتحديات استراتيجية أوسع، وعلينا أن نقوم جميعا للنهوض بالأمن والاستقرار والازدهار لتحقيق أهداف شعبينا المشتركة، واعتبر المسؤول الأمريكي أن الهدف هو التعزيز المستمر للالتزام الطويل الأمد والراسخ إزاء المغرب وبالتالي نحو إفريقيا.. وتتجسد أبرز الجوانب في هذا الاتفاق في أهمية تمرين «الأسد الإفريقي» الذي يستقطب مشاركين من القارة بأكملها إلى جانب المغرب،
ولم يقتصر التعاون بين البلدين على الجانب العسكري فحسب بل شمل مجال الاستعلامات، لأنه يحظى بطابع رئيسي بالنسبة لواشنطن.. وقد تجسد ذلك في الاجتماع الأخير الذي جمع السفير الأمريكي في الرباط «رافيد فيشر» بالمدير العام للأمن الوطني، المدير العام لمراقبة التراب الوطني السيد عبد اللطيف الحموشي.. وناقش الطرفان خلال هذا الاجتماع مختلف المواضيع الأمنية التي تحظى بالاهتمام المشترك بين البلدين، خصوصا آليات التعاون والتنسيق في مجال مكافحة مخاطر التهديد الإرهابي والتطرف العنيف والجريمة المنظمة وارتباطاتها المتزايدة في المحيط الإقليمي، منطقة شمال إفريقيا ودول الساحل الأطلسي.
وأهم ما تطرق إليه الجانبان تطوير وتدعيم مستويات التعاون الثنائي بين المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والوكالة الأمنية الأمريكية في مجال مكافحة المخاطر والتهديدات المرتبطة بالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية. وفيما يتعلق بالتبادل المشترك للخبرات والتجارب بين المؤسستين.
وفي إطار تسريع تنزيل خارطة التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، اجتمعت اللجنة الاستشارية العسكرية المغربية-الأمريكية في بداية السنة الجارية لتنزيل عناصر الإنفاق العسكري الذي يمتد لعشر سنوات وناقش الاجتماع تعزيز الشراكة بين القوات المسلحة الملكية والجيش الأمريكي في الثاني من أكتوبر 2020.
وتعتبر الروابط القائمة بين المغرب والولايات المتحدة روابط قوية ومتينة على مستوى التعاون العسكري ومحاربة الإرهاب والفكر المتطرف كما أن المغرب زبون وفي للولايات المتحدة في صفقات التسلح، وتشير الأرقام إلى أن ٪91 من الأسلحة التي استوردها المغرب خلال السنوات الأخيرية أمريكية الصنع.
ومكن هذا التعاون الأمريكي-المغربي المغرب من دخول نادي الصناعة العسكرية، أضف إلى ذلك أن الاتفاق العسكري الموقع بين الطرفين فتح الطريق للمغرب لولوج الدول الإفريقية جنوب الصحراء، خصوصا بعد الخبرة التي اكتسبها من خلال احتضانه لأكبر مناورة عسكرية أمريكية في القارة الإفريقية وهي مناورة الأسد الإفريقية..
ويرى الخبراء أن هذا الاتفاق العسكري من شأنه أن يجلب مستثمرين أمريكيين في مجال الصناعات العسكرية إلى المغرب، خاصة وأن هذا الأخير يتوفر على بعض الإمكانيات في هذا السياق، ويتجلى ذلك في مصنع الطائرات، وهو ما سيفتح المجال أمام الشركات الأجنبية لولوج باب الاستثمار في ميدان التصنيع العسكري..
وأكد «ديفيد شينكر» مساعد كاتب الدولة الأمريكية المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أثناء زيارته لمدينة الداخلة أن المغرب شريك رئيسي للولايات المتحدة الأمريكية للاستقرار الإقليمي بالمنطقة، واعتبر أن الرباط وواشنطن تجمعهما شراكة عسكرية واسعة.
وأثار دخول المغرب نادي الدول المصنعة للسلاح توجسا إسبانيا، حيث عبرت بعض الأوساط السياسية في مدريد عن قلقها من منافسة المغرب في مجال الصناعات العسكرية، ولا سيما بعد الاتصالات المكثفة التي أجراها الجنرال «مايكل لانغلي» قائد قوات المارينز الأمريكية في أوروبا وأفريقيا مع الكونتو أميرال مصطفى العلمي المفتش العام للقوات البحرية الملكية المغربية وناقشا معا حسب وسائل الإعلام الالتزامات العسكرية المشتركة المتفق عليها التي تمت بنجاح في السنوات القليلة الماضية بين قوات المارينز الأمريكية والقوات البحرية الملكية المغربية، خصوصا فيما يتعلق بتكوين قوات العمليات الخاصة المغربية وبرنامج العمل المتعلق بالألغام لتكوين تقنيين مغاربة متخصصين في التخلص من الذخائر المتفجرة.
وفي نفس السياق عبر الجنرال لانغلي عن شكره وامتنانه للمغرب وللقوات البحرية الملكية المغربية على التزامها المتواصل لضمان الأمن البحري، وتعهد بالسعي إلى إيجاد فرص جديدة للتعاون ودعم الاستقرار الإقليمي من خلال تعزيز الروح المهنية والقدرات التي تتمتع بها القوات البحرية والبرمائية في المنطقة، وذكر بأهمية المنتديات الناجعة مثل ندوة قادة المارينز إفريقيا متعددة الجنسيات التي ترتكز على القارة السمراء، والتي من المقرر أن تنعقد خلال السنة الجارية، وتهدف إلى الجمع بين الدول الشريكة والقوات البحرية وقوات المارينز من أجل تطوير إمكانيات التشغيل المتبادل والتصدي للأزمات بتعزيز العلاقات التي من شأنها أن تعمل على تحسن الأمن وضبط الأمور في المجال البحري على مستوى القارة..
وتبعا لهذه الشراكة الاستراتيجية، جدد الجنرال الأمريكي جيمس ماكنوفيل الرئيس الأربعين لأركان الجيش الأمريكي التأكيد على الأهمية البالغة لهذه الشراكة خلال اجتماعات عقدها مع مسؤولين مغاربة في الدفاع بالرباط شهر غشت الماضي قائلا: «أومن بالسلام من خلال القوة، وبأن القوة تأتي من جيش قوي إلى جانب مغاربة من الحكومة ككل وحلفاء وشركاء أقوياء، أتاح لنا الاجتماع مع شركائنا، على المدى الطويل؟ وذوي القدرات العالية في المغرب الفرصة لمناقشة سبل تعزيز التعاون بشأن الأولويات المشتركة مثل التكوين والمدارس المهنية العسكرية وتطوير قدرات ضباط الصف»..
وتمحور نقاش المسؤولين الأمريكيين والمغاربة حول المشاركة المغربية السنوية المتواصلة في أزيد من 100 تمرين عسكري مع الولايات المتحدة، بما في ذلك «الأسد الأفريقي»، وهو أكبر تمرين عسكري بإفريقيا الذي عاد في يونيو الماضي للمغرب بعد توقفه بسبب جائحة كورونا ولم يخلُ النقاش بين الطرفين من الهدف المتوخى لخارطة الطريق المتمثل في توجيه التعاون نحو المجالات ذات الأولوية، ومنها دعم تحديث الجيش المغربي وبذل كل المجهودات من أجل مواجهة التحديات الجهوية، جنبا إلى جنب بطريقة تتسم بالنجاعة والحسم، وقام الجنرال ماكنوفيل بزيارة مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية، وكانت مناسبة تزامنت بدورها مع تخليد الذكرى المائوية الثانية للمفوضية الأمريكية بطنجة التي أهداها المغرب للولايات المتحدة الأمريكية سنة 1821، حيث كانت أول بعثة دبلوماسية أمريكية بالمغرب التي تعد دوما كرمز ثابت ودائم للصداقة بين البلدين..
وفي إطار التعاون العسكري والأمني في صلب التحالف المغربي الأمريكي أجرى الطرفان تدريبا للسفن والطائرات المقاتلة الأمريكية والمغربية جنبا إلى جنب، وأطلق على العملية «مصافحة البرق 2021» وأصدرت السفارة الأمريكية في الرباط بيانا أعلنت فيه أن هذه المناورات العسكرية تشكل جزءا من الشراكة الأمنية القوية والدائمة بين البلدين، ولم يكشف البيان الأمريكي عن مكان هذه المناورات العسكرية للسفن ولا المدة التي ستغرقها، وما أعلنت عنه بت فقط على مواقع التواصل الإلكتروني لا يعدو عن صورة للمدمرة ذات الصواريخ الموجهة «يو إس إس بورتر» والفركاطة البحرية الملكية المغربية طارق بن زياد مأخوذة من سطح حاملة الطائرات «ديو إس إس دوايت ري أيزنهاور» ويرى بعض الخبراء حول الشراكة الاستراتيجية في هذا الباب، أن المغرب يوجد ضمن الرؤية الجيوستراتيجة للإدارة الأمريكية الجديدة، وذلك بحكم موقعه الجغرافي على الوجهة السياسية، من شأنه أن يسهل تثبيت السيطرة والهيمنة الأمريكية على المضاييق الدولية، كما هو الحال بالنسبة لمضيق جبل طارق، باعتباره معبرا بين غرب المتوسط والمحيط الأطلسي وبين بحر تيمور الفاصل بين أندونسيا وأستراليا الذي يصل المحيط الهندي بالمحيط الهادئ، وقد حدث أن أقدمت أستراليا سنة 2015 على توقيع عقد إيجار ميناء داروين لمدة 99 عاما، مع مجموعة لاندبريج «LANDBRIDGE GBOUP» الصينية أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن استيائها الشديد لهذا التصرف، لأن الميناء هو موقع حساس بالنسبة للبحرية الأمريكية على اعتبار أنه سبق لأستراليا أن أبرمت اتفاقا مع الولايات المتحدة يسمح لمشاة البحرية الأمريكية بالانتشار في إقليم ميناء داروين، وذلك لتوسيع النشاط البحري الأمريكي في المحيطين الهادئ والهندي، بمعنى أن وجود الصين فيه سيؤدي إلى إمكانية مراقبة البحرية الأمريكية في هذه المنطقة وكذلك الحال بالنسبة لبريطانيا التي تتقمص الموقف الأمريكي وتتسابق للتمركز في المواقع الاستراتيجية، لكونها تتوفر على قاعدة بحرية مهمة في جبل طارق التابع لها، وفي رد فعل على السياسة البريطانية تجاه هون كونغ وفي المحيطين الهندي والهادئ، تندفع الصين أيضا نحو المواقع العسكرية البحرية لبريطانيا، كما حدث في قبرص حيث تتوفر بريطانيا على قاعدة عسكرية هناك، فعمدت البحرية الصينية إلى زيارة ميناء «ليما سول» سنة 2014 في سياق الانتشار العسكري البحري التنافسي ليتم الاتفاق مع قبرص بالسماح للصين في تطوير مشاريع البنية الطاقية في الميناء القبرصي، الشيء الذي دفع بريطانيا إلى انتشار عسكري بحري يعد الأكبر من نوعه في قبرص لمراقبة تحركات الصين في المنطقة إلى جانب المراقبة الأمريكية.
ذ. محمد الخراز