يعتبر عديد المفكرين، مسلمين غير المسلمين، أن العقائد الدينية نزعة فطرية لدى الانسان، و هو لذلك، مرغم على اعتناق دين من الأديان أو عقيدة من العقائد، إذ لا يُتصوَّر ، بحسبهم ، وجود إنسان دون انتماء ديني معين، بل ذهب بعضعم إلى حد إنكار وجود ملحدين حقيقيين ممن لا يؤمنون بوجود الله.
في مقابل ذلك، ذهب الفلاسفة، ومن بينهم مؤسس علم الاجتماع، إلى نفي المطلق، واعتبار اللاهوت مجرد طور من أطوار التفكير البشري البدائي، ساد في البداية قبل أن تليه المرحلة الميتافيزيقية و تحل، بعد ذلك، المرحلة العلمية، و هي المرحلة النهائية.
و على الرغم من أن الإسلام، كسواه، يُعدُّ دينا من الديانات القائمة، إلا أن معظم المسلمين يصرون على اعتبار الإسلام دينا كونيا صالحا لكل زمان و مكان، وهو، فضلا عن ذلك، بحسب اعتقادهم، دين يهتم بتنظيم حياة البشر في الدنيا الفانية، كما يهتم في الوقت ذاته بتنظيم شؤون الآخرة الباقية، وهذا اعتقاد راسخ لدى غالبية مسلمي المجتمعات الإسلامية حتى ولو كان ذلك بشكلٍ غير عالِم، وهكذا انتهى محمد قطب في كتاب (جاهلية القرن العشرين) إلى الجزم بـأن ” … الدين تنظيم شامل للحياة يشمل اجتماعياتهم و اقتصادياتهم و سياستهم كما يشمل وجدانهم و عقيدتهم”
تأسيسا على هذا الاعتقاد، الصريح أو الضمني، السائد حول دور الإسلام في المجتمع، ظهرت في أوائل القرن العشرين حركة دعوية ذات بعد اجتماعي و سياسي سعت لتقديم الإجابات حول تساؤلات مرتبطة بواقع المسلمين الذي انحدر إلى قاع الانحطاط، و أخرى تتعلق بالأسباب التي أدت بهم إلى درجة كبيرة من التخلف و الفساد، و هي تساؤلات لا تستلزم الإجابة عنها، بالنسبة لمؤسسي هذه الحركة، لفترة من التأمل و التقدير و حسن الإلمام بالموضوع، بل قدمت على الفور إجابة واحدة تتلخص في القول بأن تخلف المسلمين لم يكن ليحصل لولا ابتعادهم عن الإسلام، و قد كانت هذه الإجابة مقدمة و تمهيدا لوصف المجتمع الاسلامي بكونه قد ارتد إلى مرحلة الجاهلية، و أن لا سبيل لهذا المجتمع نحو الخلاص من تخلفه إلا بالعودة إلى طريق الإسلام !
لكن الإجابة التي قدمتها هذه الجماعات الدينية حول سؤال التخلف و الانحطاط و إجمالها في العودة إلى الإسلام، لم يكن في واقع الأمر إلا شعارا دعائيا مبالغا فيه، و لا تسنده الحقائق العلمية و لا المعطيات التاريخية، بل إن تمحيص هذه الإجابة المتهافتة فتح المجال واسعا أمام طرح أسئلة جديدة حول ماهية طبيعة الإسلام الذي تجب العودة إليه ؟
تعتمد الأطروحات المتهافتة للجماعات الإسلامية على قراءة غبية للتاريخ الإسلامي، فهي تسعى جاهدة لتصوير مرحلة حكم الرسول لدولة المدينة الناشئة، ومن بعده الخلفاء الأربعة، باعتبارها مرحلة زاهرة من تاريخ الإسلام، مرحلة عرفت أعلى درجات سيادة العدل و المساواة و إقامة الوزن بالقسط، لكن الحقيقة كانت مخالفة لادعاءاتهم الكاذبة، فهي مرحلة، كغيرها من مراحل تحول المجتمعات البشرية، تخضع لقوانين التطور المحكومة حتما بالصراع و التنافس، و إلا فكيف يستطيع هؤلاء الدعاة الحمقى نفي نسبة الجرائم المناقضة لأحكام الإسلام التي ارتكبها قائد إسلامي مثل خالد بن الوليد؟ و كيف يستطيعون إنكار أن عمر بن الخطاب طالب الخليفة أبا بكر الصديق بإقامة حد الزنا على خالد بن الوليد؟ و كيف يفسر هؤلاء الحمقى الصراع الذي دار بسقيفة بني ساعدة بين أصحاب الرسول المبشرين بالجنة؟
إن الجماعات الإسلامية، بكل أصنافها و تلاوينها، تكتفي بترنيمة واحدة تزعم أن العودة إلى الإسلام هي الحل الوحيد لكل مآسي و تعثرات المسلمين، لكنها في المقابل لا تملك فكرة متكاملة حول كيفية تحقيق الخلاص من التخلف و لا عن أي مشروع مجتمعي واضح المعالم يشمل السياسة و الاقتصاد و الثقافة و العلوم، فكل رأسمالهم الفارغ يتأسس على أن الإسلام هو الدين الحق و يتوجب على المؤمنين به فرض تعاليمه على بقية خلق الله بحد السيف أو أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون. !
هل تستطيع الجماعات الإسلامية، بمنطقها المتهافت، إقناعنا بأن الإسلام هو الحل الحقيقي لمعضلات المجتمع الإسلامي أم أن الأوان قد حان لصحوة حقيقية في المجتمع، صحوة تعلن للناس أن الإسلام دين كفيره من الأديان، و تطرح السؤال الفلسفي/ الاستنكاري الذي جاء في القرآن “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟”
محمد العطلاتي