منذ وقت طويل وجبهة البوليساريو تعمل على تطوير استراتيجية لمنع المغرب والاتحاد الأوروبي التوقيع على اتفاقية جديدة حول الصيد البحري والتبادل الزراعي بعدما جنح القضاء الأوروبي إلى إلغاء الاتفاقية في هذا الشأن.
وفي غضون أسبوعين أصدرت المحكمة الأوروبية قرارا يقضي بإلغاء اتفاقيات الصيد البحري والتبادل الزراعي، لأنها تشمل منتجات آتية من الصحراء المغربية، على أن يتم تنفيذ الحكم نهاية شهر نوفمبر المقبل؛ وأعربت كل من إسبانيا والبرتغال وفرنسا عن رغبتهن في استئناف الحكم، في حين أبدت بعض الدول الأخرى تحفظا في هذا الباب، منها دول شمال أروبا التي كانت تعارض ضم منتجات الصحراء للاتفاقية، وكانت هذه الدول تفرض بعض الشروط للتوقيع على الاتفاقية.. ونهجت جبهة البوليساريو استراتيجية ثروات الصحراء في النزاع القائم مع المغرب منذ سنوات حول السيادة على المنطقة، وقد حققت في المرحلة الأولى رغبتها في استصدار أحكام ضد الاتفاقية الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وحققتها كذلك في المرحلة الأخيرة منذ أسبوعين، كما عملت الجبهة على استصدار بعض الأحكام مع دول أخرى بشأن صادرات الفوسفاط أو الضغط على الشركات كي لا تنقّب على الغاز والبترول في الصحراء، لتنتقل الجبهة الآن إلى المرحلة الثانية وهي المطالبة بالتعويض عن الأضرار..
ولم تعلن الجبهة عن هذه المطالبة إلا في الأيام الأخيرة، حيث تدرس إمكانيتها للحصول على التعويض المالي عن منتوجات الصحراء، سواء البحرية أو الزراعية حسبما أوردته صحيفة البايس، وقدرت هذه التعويضات بمليار يورو عن الفترة الزمنية ما بين 2019 و2021، ولم تقف الجبهة عند هذا الحد بل تعدته إلى توجيه تحذير للاتحاد الأوروبي مفاده أن تجديد الاتفاقية مع المغرب سيدفعها إلى اللجوء لمطالبة القضاء الأوروبي بمصادرة المنتوجات التي مصدرها الصحراء وتصدر إلى الأسواق الأروبية.
وتهدف الجبهة من هذا التحرك إلى جر القضاء الأوروبي للاعتراف بها كحركة تمثل الصحراويين ولها الصفة والأهلية في المطالبة بالتعويض وتقييمه المالي، استنادا إلى معطيات المفوضية الأوروبية التي أعلنت عن قيمة الصادرات الآتية من منطقة الصحراء ضمن صادرات المغرب وتبلغ 450 مليون يورو سنويا بين المنتوجات الزراعية والبحرية.. لكن رغم هذا التحرك المكثف للجبهة عقب صدور الحكم لصالحها، فإن مفعول القرار القضائي لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد انتهاء جميع المراحل القضائية والبت في الطعن بالاستئناف المقدم من طرف الاتحاد، وسيستمر العمل بالاتفاقية بين الطرفين وستواصل البواخر الأوروبية استغلال المياه المغربية طبقا لمضامين العقد وبروتوكول الصيد البحري الذي يشمل إقليم الصحراء، كما أن المنتجات الزراعية المغربية ستصدر إلى الأسواق الأوروبية كما هو مقرر لها في الاتفاقية.
ويرى بعض الخبراء في العلاقات الدولية أن الحكم الجديد الصادر عن المحكمة الأوروبية يتناقض مع ما قضت به المحكمة نفسها لما رفضت طعن البوليساريو بعلة أنه لا يتوفر على الصفة الحيثية ثم تجديد الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوروبي الذي اعتمد بدوره على استشارات قانونية من بعض الفقهاء في القانون الدولي، منها الإقرار بصرف جزء من عائدات الاتفاق لصالح ساكنة الصحراء.
كما أن هذا القرار لن يشكل صدمة للطرفين المتعاقدين كما يتوقع الخصوم، بل سيقوي بنود الاتفاق وجودة العلاقات بين الاتحاد والمغرب في إطار القانون الدولي والمعايير الواقعية بعيدا عن المعايير السياسية التي انبنى عليها قرار المحكمة، وسيبقى في حد ذاته مجرد مناورة سياسية يناور بها الخصوم في محاولة للتأثير على مجلس الأمن الدولي الذي قرر في جدول أعماله مناقشة ملف الصحراء أواخر شهر أكتوبر المقبل.
ولن تكن لهذا القرار أي أثر قانوني، وسيزول مفعوله مع مرور الوقت، على اعتبار أنه ليس بالأمر الجديد، إذ سبقته قرارات أخرى صادرة عن نفس المحكمة ذاتها قضت بإلغاء الاتفاق الجزئي الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، ومع ذلك لم يترتب عنه أي نتائج قانونية كما أرادها الخصوم، بل اصطدم بالإرادة السياسية للاتحاد الأوروبي والشراكة المتينة القائمة مع المغرب التي تستوجب أبعاد الاتفاق من جميع جوانبه القانونية والاقتصادية والعملية، وقد أقرا معا مواصلة العمل بالاتفاق في أفق هذه الشراكة القوية وإيجاد الحلول لكل الصعوبات والعوائق///// التي تعترضه من النواحي الواقعية والقانونية والسياسية.
وفي هذا السياق أكدت المحامية حنيفرا فوروود أن الحكم الابتدائي الصادر عن محكمة الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع المغرب لن يغير أي شيء على أرض الواقع بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين، وأضافت قائلة : «ليس هناك أي أثر قانوني من شأنه أن يؤثر على اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين الطرفين وأنه مجرد حكم ابتدائي وقد تم الطعن فيه بالاستئناف أمام محكمة العدل الأوروبية».
وفي المغرب أشار بعض الخبراء في العلاقات الدولية أن الحكم الصادر عن المحكمة الأوروبية لن يكون له أي انعكاس على العلاقات المغربية الأوروبية، ويبقى المشكل مطروحا مع قضاة المحكمة وليس مع الاتحاد.
وقد أظهرت هذه الأخيرة نوايا حسنة تجاه المغرب، الذي قام بجهود كبيرة لإقناع قضاة المحكمة من خلال ترافعاته التي أوضح من خلالها شرعية الاتفاق المنصب على الصيد البحري والفلاحي..
وكما يبدو أن قرار محكمة العدل الأوروبية لا يعكس موقف الاتحاد الأوروبي بل توخي الحذر منه أثناء مناقشته أثار العديد من الأسئلة حول تداعياته على مستقبل علاقة الشراكة بين الرباط وبروكسيل، إذ أن تكرار مثل هذه القرارات من شأنه أن يدفع المغرب إلى إعادة صياغة علاقاته الإقليمية والدولية حسب اتجاهه ووفق ما يخدم مصالحه الاستراتيجية، تفاديا لما يمكن أن يطرأ من أحداث غير متوقعة بالشراكة والاتفاقات المبرمة في هذا الإطار، خصوصا وأن اتفاق الشراكة المبرم مع الاتحاد الأوروبي يعود إلى سنوات خلت تبنى فيها الطرفان خارطة طريق سنة 2005 حول الزراعة، وفي عام 2010 تم اعتماد إجراءات لتحرير السوق في مجال المنتجات الزراعية المصنعة والأسماك ومنتجات الصيد البحري، وأعطي الاتفاق امتيازات طرفين من أجل مرور السلع، حيث تلغي أو تخفض الرسوم الجمركية المطبقة على مجموع من واردات الاتحاد الأوروبي والمنتجات المغربية، وقد سبق للقضاء الأوروبي أن قضى بطلان الاتفاق التجاري بين المغرب والاتحاد سنة 2015، لعلة أن الاتفاق يشمل الصحراء المغربية، لكن محكمة العدل الأوروبية نقضت الحكم لكون الاتفاقيتين لا تنطبقان على هذه المنطقة مما أدى إلى إنهاء الخلاف والأزمة بين المغرب والاتحاد.
وفي أعقاب هذه التسوية صوت البرلمان الأوروبي سنة 2019 على نسخة معدلة من الاتفاق في بروتوكولين، الأول يخص المنتجات الزراعية والمنتجات السمكية، والثاني يخص مصدر المنتوج ويشمل الصحراء المغربية، فكانت نتيجة جيدة انطلاقا من هذا التعديل بالنسبة للمغرب الذي اعتبره نصرا سياسيا واقتصاديا كبيرا.
غير أن موقف الجبهة بقي كما هو، وأصبحت تتمسك بكون الاتفاق الاقتصادي الذي يبرمه المغرب ويضم الصحراء المغربية، لا يستفيد منها سكان الإقليم، علما أن جزءا منهم يوجد في مخيمات تندوف فوق الأراضي الجزائرية، في مقابل ذلك يتمسك المغرب بأن جزءا كبيرا من عائدات هذه الاتفاقيات تصرف على تنمية هذه المنطقة، وأن سكانها يمارسون قراراتهم في إطار الانتخابات وعبر منتخبيهم في المؤسسات السياسية المغربية.
وتجدر الإشارة أن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، لكنه لا يمانع أن تكون جزءا من الشراكة التي يعقدها مع المغرب، وقد دخل المغرب في شراكة اقتصادية لمنتجات من الصحراء مع دول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي.
وبذلك يكون الاتحاد وعدد من دوله يستفيدون اقتصاديا من هذه الشراكة، في حين يستفيد المغرب أكثر في الجانب السياسي، إذ يعطي الاتفاق تقدما لخطط المغرب من أجل إنهاء نزاع الصحراء على أساس مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو ما ترفضه جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر والتي تطالب باستفتاء لتقرير مصير المنطقة، وعلى الرغم من كون الشراكة المغربية الأوروبية تمر بعاصف///ة قضائية في الوقت الراهن، فقد قلل الخبراء المغاربة من آثارها هذه أسبابه منها أن الحكم الصادر عن القضاء الأوروبي ليس ///// أن تنفيذه لن تكون في الأمد القريب، /// هناك درجات للتقاضي، وقد طعن فيه بالاستئناف من طرف الاتحاد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى حسب تأكيدات الخبراء، أن الفاعلين الاقتصاديين المغاربة والأوروبيين في اطمئنان تام، وسيؤ//// عملهم من أجل تعزيز فرص التبادل والشراكة بينهما، وأوضحوا بأنه سوف لن يكون هناك آثار قانونية وقتية للحكم الصادر وذلك راجع إلى كون المحكمة احتضنت الآثار الاتفاقيات إلى حين صدور حكم نهائي في النزاع المعروض، لذلك فالمغ التجارية بين المغرب والتكتل الأوروبي ستستمر.
محمد الخراز