يتابع والي الجهة محمد امهيدية الإشراف بكامل الجدية والدقة، أشغال ترميم مدينة طنجة العتيقة تلك الأشغال التي لقيت استحسانا عاما من جانب المواطنين الذين انبهروا أمام الإصلاحات التي أدخلت على الطرق والشوارع والبنايات والمآثر من مداخل المدينة العتيقة إلى الساحات التاريخية كالسوق الداخل وسوق برّة، والقصبة، ودار المخزن، وغيرها لتنتقل الأشغال، حاضرا، إلى ساحة الثيران وخصوصا إلى مسرح سيرفانتيس الشهير الذي كان لخبر استرجاعه من ملكية الدولة الاسبانية الوقع الحسن على أهالي طنجة، خاصة المنظمات الأهلية التي ترى فيه معلمة تاريخية هامة تؤرخ لحقبة زاهرة من تاريخ طنجة النضالي والفكري والثقافي والأدبي وأيضا منصة دولية كانت تلتقي فيه فعاليات ثقافية وفنية من مختلف أنحاء العالم، وفي ذلك إغناء للثقافة الوطنية التي انصهرت في ثقافات أخرى لتؤكد الطابع الدولي لمدينة طنجة، التي كانت تعتبر في أدبيات القرن الماضي “طنجة وطن الأنسان“.
وهكذا، وبعد استرجاع هذا المسرح “الكبير“- الذي بنته عائلة إسبانية وتم افتتاحه سنة 1013 –، وذلك بموجب بروتوكول إسباني مغربي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان الإسباني بغرفتيه، ارتفع إلحاح الفعاليات الثقافية بطنجة، على الشروع في ترميم وإصلاح هذه المعلمة الفريدة ، الأمر الذي تمت الاستجابة إليه من طرف الجهات المختصة، ليدرج إصلاح وترميم المسرح في المشروع الكبير المتعلق بترميم وإصلاح ومدينة طنجة العتيقة وتجديد وصيانة بناياتها القديمة ومعالمها التاريخية، إسوة بغيرها من المدن الأصيلة العتيقة بالمغرب التي خضعت بدورها إلى أشغال ترميم وصيانة وتجميل.
وقد سبق الاتفاق الأخير بين الحكومتين المغربية والإسبانية حول مسرح سيرفانتيس مفاوضات في سبعينيات القرن الماضي، بين المجلس البلدي لطنجة، الذي كان يرأسه المرحوم مصطفى عبد الله والمصالح الديبلوماسية والقنصلية الاسبانية بالمغرب، تم الاتفاق خلالها على تفويت بناية المسرح إلى مدينة طنجة، بعقد كراء مدته 99 عاما، وبقيمة شهرية رمزية، إلا أن وزارة الداخلية المغربية رفضت فتح اعتمادات خاصة بترميم المسرح بحجة قانونية وهي أن الدولة المغربية لا يمكنها أن ترصد مبالغ مالية هامة من الميزانية العامة لإصلاح منشأة هي أصلا في ملكية أجانب.
وبموجب اتفاق “الهبة” الغير قابلة للتصرف، لفائدة المغرب الذي يلتزم المغرب من جانبه بترميم البناية مع المحافظة على الطابع الأصلي للمسرح الذي يصبح جزءا من أملاك الدولة المغربية لا يجوز نقل ملكيته إلى طرف أجنبي ثالث.
وتتكلف الدولة المغربية بمجموع مصاريف الترميم، والتجديد، والتسيير، والصيانة، والحفاظ على اسم “مسرح سرفانتيس الكبير” وصيانة رمزيته وتاريخه مع تعزيز الثقافة بشكل عام، وخاصة الثقافة الاسبانية المغربية.
وهكذا نجحت مساعي المغرب في الحصول على ملكية هذا المبنى التاريخي الذي شهد، منتصف القرن الماضي، ليس فحسب تظاهرات وعروضا مسرحية وغنائية وفنية، عالمية، بل وأيضا كان منصة وطنية دولية للعمل الوطني من أجل الاستقلال والوحدة، حيث كانت تعقد بالمسرح لقاءات حزبية وتظاهرات وطنية يتيح وجود المئات من مراسلي كبريات الصحف العالمية بطنجة، فرصة وصولها إلى العالم أجمع. ولا أدل على ذلك من حفل التوقيع على “ميثاق الجبهة الوطنية” التي جرت على خشبة هذا المسرح سنة 1952 برعاية وفد الجامعىة العربية الذي كان يرأسه من مصر، الدكتور محمود أبو الفتح ويقوده الدكتور صالح أبو رقيق ممثلا للجامعة العربية والصحافي اللبناني حبيب جاماتي وغيرهم، حيث قام كل من علال الفاسي عن حزب الاستقلال، وأحمد بنسودة عن حزب الشورى والاستقلال، والشيخ الملكي الناصري عن حزب الوحدة والاستقلال، وعبد الخالق الطريس عن حزب الاصلاح الوطني، بالتوقيع على “ميثاق الجبهة الوطنية” لمواجهة الاستعمار..
هنيئا لطنجة، أهاليها وشبابها ومنظماتها الأهلية بهذا الانجاز العظيم، وشكرا جزيلا للمسؤولين الحكوميين على تحقيق هذا الهدف الذي يستجيب لرغبات المواطنين وشكرا لوالي الجهة على جهوده من أجل الإشراف على ميلاد جديد لهذه المنشأة الثقافية الهامة.
ع.كنوني