هي الأستاذة الباحثة الدكتورة آمنة بنت عبد الكريم اللوه([1])، ولدت سنة 1926م /1345هـ، في قلب الريف بقرية تيغانيمين من قبيلة بقيوة بالحسيمة، وهي تنتسب الى بيت مجد وعز، فوالدها وذووه كان لهم حظ من العلم غير قليل، ومشاركة في الكفاح الوطني قبل الحماية وبعدها. فوالدها كان أحد رفاق الأمير المناضل محمد بن عبد الكريم الخطابي في العمل التحريري، واشتغل بالدعاية للحركة الربفية في الخارج، حيث كان مبعوثا للأمير الخطابي إلى انجلترا، و ممثلا له في مدينة طنجة. وأما عمها فهو العلامة العربي اللوه أحد علماء الريف، وأحد مشاهير المدرسين في المعهد الديني العالي بتطوان، وأما أمها فهي السيدة رقية الخطابي إحدى بنات عمّ الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
لقد حرص والدها على تربيتها وتنشئتها استمدادا من المعين الديني الإسلامي، تقول الأستاذة آمنة اللوه رحمها الله: ” كنت الشغل الشاغل لوالدي، قفد أراد أن يخرجني من الدائرة الضيقة التي كان يعيش فيها المجتمع النسائي آنذاك في مدينتي الصغيرة الحسيمة حيث كنا نقيم… وأن يفسح لي المجال للتعلم…فقد كان رحمه الله مؤمنا بتعليم البنات ومتحمسا له ومن أكبر دعاته في وقت كان التعليم بالنسبة للفتاة غير وارد إطلاقا…بل كان الحديث فيه نوعا من المحرمات…” ([2]).
وبكيفية لا تقبل الجدال قرر والدها إلحاقها بالمسيد الموجود في المدينة وكان ملاصقا لبيت الشرفاء الوزانيين، وإليهم كان يرجع فضل في تأسيسه والإشراف عليه.
فسارت دراستها في هذا المسيد على النهج المغربي المعروف في التعليم القرآني تعلم الكتابة والقراءة في الألواح الخشبية التقليدية، المستعمل فيها الصلصال وأقلام القصب والصمغ والحناشة، مع حفظ بعض المتون التي كان الفقيه يكتبها في آخر اللوح لمن ظهرت عليه دلائل النجابة.
وبعد أن قضت مدة في هذا المسيد، ارتأى نظر والدها رحمه الله أن تتنتقل إلى مسيد آخر أنشأته العائلة التمسمانية المجاهدة المعروفة، وكانوا يشرفون عليه بأنفسهم، هذا المسيد كان يقع في الطرف الآخر من المدينة عند سفح جبل سيدي العابد، وكان هذا الانتقال بمثابة صقل لما حفظته سابقا مع إضافة أحزاب أخرى إلى محصولها القرآني.
ونظرا لغياب مدرسة خاصة بتعليم البنات في مدينة الحسيمة قرر والدها وبإلحاح قوي من عمها العلامة العربي اللوه أن تنتقل إلى مدينة تطوان لتتابع تعليمها حيث تأُسست أول مدرسة خاصة بالبنات (المدرسة رقم1) فانتسبت إليها، بعد أن أجرى لها مدير المؤسسة اختبار القبول لمعرفة مستواها الدراسي ، وكان نظام الدراسة في هذه المؤسسة على فترتين، الفترة الصباحية كانت مخصصة للدروس النظرية وتبدأ بحصة القرآن الكريم كتابة وحفظا على أيدي مدررين أكفاء، منهم: الفقيه عبد السلام بنعجيبة، والفقيه ابن صبيح والفقيه الخمسي والفقيه الفتوح رحمة الله عليهم. وبعد انتهاء حصة القرآن تبدأ فترة الدروس الحديثة وتتكون من اللغة العربية بكل فروعها من: نحو، ومطالعة، ومحفوظات، وإنشاء، وإملاء، ثم مادة الدين والتهذيب، والتاريخ والجغرافية، والحساب، ومبادئ الصحة، ومبادئ الهندسة والعلوم.
وأما الفترة المسائية فقد كانت مخصصة للغة الإسبانية، والرسم، والتطريز بنوعيه المغربي والأوربي.
وبعد ثلاث سنوات حصلت على الشهادة الابتدائية حاصلة على المرتبة الأولى في جميع مراحله، تقول الدكتورة آمنة اللوه رحمها الله: ” لقد اتسمت عندي هذه الفترة- الفترة الابتدائية- بالجدية والانضباط والحرص على الاستفادة، والاستماتة في الحفاظ على المرتبة الأولى، والحقيقة أقول بكل صدق أنني حافظت على المرتبة الأولى إلى آخر دراستي الابتدائية ومازلت أحتفظ بنتائج الامتحانات التي تشهد وتؤيد ما أقول “([3]).
ثم التحقت بقسم ثانوي تكميلي، فاتسعت مداركها وتنوعت معارفها، وتفتح ذهنها بفعل اقبالها على قراءة كتب الأدب بنهم شديد اشترتها من المكتبات الشهيرة بتطوان في تلك الفترة حتى تكونت لديها مكتبة منزلية زاخرة بعيون الأدب العربي، وبتشجيع خاص من أستاذها مَحمد بن عبدالسلام بن عبود، وكان أول كتاب قرأته منهم ” الأمالي” لأبي علي القالي، تقول مربية الأجيال آمنة اللوه: ” فقد وجدتني أمام كنز لا يقدر بثمن… لم أقتصر على فهم المفردات التي يشرحها الكتاب شرحا وافيا، بل تعدى ذلك إلى الحفظ فحفظت من عيون الشعر ومن غرر النثر الشيء الكثير، بالإضافة إلى الحكم والأمثال وخصصت دفترا سميكا لتسجيل المنتخبات التي أحفظها”([4]).
هذا الكتاب ربط بينها وبين الأدب العربي بميثاق غليظ، وبكيفية نهائية، ومن الكتب التي أولعت بقراءتها في تلك الفترة – فترة ما بعد الأمالي- كتاب نهج البلاغة للإمام علي كرم الله وجهه وقد حفظت من كلامه الشيء الكثير، كما أحبت كتب المنفلوطي وكتاب محمد لحسنين هيكل وعيون الأخبار لابن قتيبة ومؤلفات جبران خليل جبران وغيرها من الكتب التي كانت تثيرها وتستهويها.لتتخرج من المرحلة الثانوية الأولى في دفعتها، تقول الدكتورة آمنة اللهو رحمها الله: ” المرتبة الأولى حافظت عليها إلى آخر سنوات دراستي وقد كان الحفاظ عليها يكلفني الكثير من السهر والجهد والمثابرة، ولم يعرف عني قط أنني تقاعست ولو مرة واحدة عن هذه المرتبة والوثائق شاهدة على ما أقول”([5]).
كما استفادت كثيرا من رعاية عمها المرحوم العربي اللوه خريج جامع الزيتونة وصاحب كتاب ” المنهال في كفاح أبطال الشمال”، ومؤلفات أخرى جليلة القدر، ومكنها من مكتبته وعلمه، فتقوى رصيدها في العلوم الإسلامية وعلوم اللغة العربية.
والمجموعة الأولى من خريجات هذه المدرسة وما تلاهن كن النواة لمدرسة المعلمات، ولمدرسة خديجة أم المؤمنين الثانوية، ثم كن الرائدات في التدريس بمدار البنات وفي إدارتها أيضا.
هكذا التحقت آمنة اللوه رحمة الله عليها بمدرسة المعلمات وعملت مديرة لكل من: المدرسة الابتدائية رقم 1، ومديرة المعهد الثانوي بتطوان، ومدرسة المعلمات والقسم الداخلي للبنات في مدينة تطوان، ومفتشة التعليم النسوي، فتكون بذلك رائدة ومثالا يحتذى للمرأة المغربية المجدة العاملة فهي وهي أول مديرة مغربية للمدرسة و المعهد الثانوي، والتفتيش.
وبعد حصول المغرب على الاستقلال، انتقلت سنة 1959 إلى الرباط لتزاول هناك عدة وظائف وتتقلد مجموعة من المهام منها: أستاذة باحثة بمعهد التعريب بالرباط، ومكلفة بمهمة بوزارة الثقافة، وأستاذة باحثة بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط. وشاركت في ندوات أكاديمية المملكة بصفة خبير.
[1] – وردت ترجمتها في عدة كتب ومجلات وصحف منها: المعسول/ العلاّمة المختار السوسي / الجزء الثاني/ ص320 – أعلام المغرب العربي/ عبدالوهاب بن منصور/ المطبعة الملكية/ 1399هــ 1979- معجم المطبوعات المغربية/ إدريس القيطوني/ مطابع سلا/ 1988 / ص312- مجلة الأنيس/ ع 96،عند تقديمها ترجمة للكاتبة بمناسبة فوزها بالجائزة الأولى عن روايتها (الملكة خناثة) سنة 1954- آمنة عبدالكريم اللوه : معلمة زمانها- هدى المجاطي- جريدة الشمال- العدد 795-الثلاثاء 28 يوليوز. في ذكرى المرحومة آمنة عبد الكريم اللوه- عبد اللطيف شهبون- جريدة الشمال- العدد 797- الثلاثاء 17 غشت 2015م. رائدة من بلادي: الدكتورة آمنة عبد الكريم اللوه: شذرات من مسار متألق- عبد اللطيف السملالي- جريدة الشمال- العدد 798- الثلاثاء 18 غشت 2015م. آمنة اللوه: امرأة السنة والسنون/ د.عبد اللطيف شهبون/ جريدة الشمال/ ع507-دجنبر2009 / ص13- آمنة اللوه: نموذج النبوغ النسوي بالمغرب-/ د هدى المجاطي- جريدة الشمال / العدد 1055/ السبت 18 يوليوز 2020. مكرمة الدكتورة آمنة اللوه- جريدة طنجة- عدد 3858- السبت 15 غشت 2015م
[2] – آمنة اللوه. حفريات في القلب والذاكرة جريدة طنجة- الحلقة الثانية- عدد 3546- السبت 22 غشت 2009م.
[3] – آمنة اللوه- حفريات في القلب والذاكرة جريدة طنجة- الحلقة الخامسة- عدد 3549- السبت 12 شتنبر 2009م.
[4] – آمنة اللوه- حفريات في القلب والذاكرة جريدة طنجة- الحلقة التاسعة- عدد 3553- السبت 10 أكتوبر 2009م..
[5] – آمنة اللوه. حفريات في القلب والذاكرة جريدة طنجة- الحلقة العاشرة- عدد 3554- السبت 17 أكتوبر 2009م..
عدنان الوهابي