عاد التلقيح بالمغرب لحالة من التوهج و الغليان، كما تحول، بقدرة قادر، إلى موضوع دسم للعامة كما للخاصة، و لم يكن الأمر ليحصل لولا إصدار ” قرار” جديد من طرف الحكومة المغربية يتعلق بإجبارية الإدلاء بجواز التلقيح عند العزم على ولوج واحد من مرافق الدولة أو واحد من مقراتها الإدارية. كما تقرر اعتماد نفس الشرط لولوج المرافق الخاصة كالمطاعم و المقاهي و النوادي و غيرها من المحلات التي تدخل في دائرة الاختصاص النوعي للقانون المدني، إذ بمقتضى القرار، الذي يصفه البعض بالـــ(متهافت)، لم يعد متاحا للجميع الاستفادة من الخدمات العمومية أو الخصوصية إلا بعد التصريح بنسخة من الجواز المتعلق بالتلقيح.
قد يبدو (القرار) الجديد، مقبولا من حيث الشكل، باعتباره صادرا عن السلطة الإدارية، لكنه، في واقع الأمر، يطرح تساؤلات عميقة حول حدود تدخل السلطة العامة، بواسطة قرارات، من أجل تنظيم مختلف أوجه الحياة العامة داخل المجتمع و مدى تلاؤمها مع القوانين الأعلى كالدستور و القوانين التنظيمية و القوانين العادية، و بدافع من طرح هذه التساؤلات الشرعية و المشروعة انخرط الأفراد و المجموعات في مداولات مختلفة، فبعضهم اعتبر القرار طبيعيا و مطلوبا فيما استنكره آخرون و عدّوه مخالفا للحقوق و الحريات.
الواقع أن الحكومة، باعتبارها المسؤولة عن الحكم، ملزمة باتخاذ ما يلزم اتخاذه من تدابير بهدف حفظ الغايات المرجوة من الحكم، و يدخل، بالطبع، في دائرة هذه التدابير كل إجراء يسعى لحفظ الصحة العامة، لكن قرار إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح يرغمنا على سبر كُنهه و النظر إليه باعتباره قرارا غير سليم، مجانبا للصواب و معاكسا لمبادئ القانون المعلومة.
فمن جهة، فإن الحصول على ” الجواز المعلوم” لا يتحقق إلا بعد تلقي الجرعتين الإثنين من اللقاحات الرائجة في البلد، و ما يفهم من ذلك، بالضرورة، أن الإجبار على امتلاك ” الجواز” يعني انتقال حالة الإجبار تلك إلى التلقيح نفسه، إذ أصبح الفرد مرغما على تلقي الجرعات اللقاحية على التوالي، تلك الجرعات التي انتقلت من حالة الثنائية إلى حالة الثلاثية و ربما الرباعية.
رفض منطوق و مضمون القرار الحكومي الأخير تأسس على مقاربة قانونية و حقوقية، فهو رفض يرى في إجبار الأفراد على التلقيح بهذا الأسلوب انتهاكا صارخا لحرية الأفراد و لسيادتهم على ذواتهم و أن الدولة أصبحت تقرر بدل الأفراد في أمور تتعلق بحياتهم الشخصية، و الأدهى من ذلك أنهم أصبحوا مجبرين على التصريح بمعطياتهم الخصوصية أمام الأغيار ، فالقرار المومأ اليه لم يحدد، في متنه، أية جهة رسمية لتنفيذ مضمونه بل ترك صلاحية القيام بذلك لجهات غير معينة على وجه الدقة، مع ما يحتمل أن يثيره ذلك من صعوبات قد تعقبها صدامات بين المواطنين حول تفسير مضمونه !
الحقيقة أنه بالرغم من مرور زهاء سنتين على تفشي الوباء المسمى كوفيد التاسع عشر، فإن أهل العلم لم يصلوا بعد إلى معلومات أكيدة و حقائق ثابتة حول الفيروس المسبب للمرض، كما لم يتوصلوا بعد إلى صناعة لقاح موثوق النتائج، ومؤكد الفعالية من الناحية المخبرية، وكل ما في الأمر أنهم بصدد اختبارات تجريبية تتفاوت نتائجها بين حالة و أخرى.
لكن الحكومة، بسبب افتقادها للكوادر العلمية و القانونية، وبسبب حالة التسرع غير المبرر التي تطبع شؤونها لانعدام تراكم التجربة، وقعت في المحظور قانونا، إذ أنها بدل التمهل في إعداد قانون جديد يسمح لها بالتصرف وفق ضوابط معينة و اتخاذ تدابير محددة عند حصول أوبئة، فإن الحكومة، بدل ذلك، اعتمدت أقصر السبل و أسهلها، و أكتفت بإصدار قرار فريد، قرار يتجاوز سلطة الرقابة و التشريع. ما يعني أنه قرار يتضمن خرقا كبيرا لمبدأ محفوظ هو ” جواز التشريع”.
محمد العطلاتي