بعد أن عاش لأزيد من عهد وحياة، ها هو اليوم مسرح “سيرفانتيس” بعروس الشمال طنجة يَنفُض غباره، ليخرج بذلك من الظلمات إلى النور.
بعد طول انتظار، جرى بداية هذا الأسبوع، تركيب اللوحات الإعلانية الخاصة بمشروع ترميم مسرح سيرفانتيس الكبير وذلك تنزيلا للاتفاقية التي تم إبرامها سنة 2019 بين المغرب وجارته الاسبانية، تم بموجبها تفويت المسرح للدولة المغربية.
توقيع الاتفاقية بين الدولتين، مثَّل إنقاذا لمسرح ظل لأعوام وأعوام يقاوم التهميش والاندثار، فبالرغم من طلته التي لم تعد بهية، إلا انه لا زال يحافظ على بعض معالمه المعمارية الفريد من نوعها.
بدايات مسرح سيرفانتيس كانت سنة 1913 على يد رجل أعمال إسباني، عاش بطنجة، تمت تسميته تيمنا بالكاتب المسرحي والروائي الإسباني ميغيل ذي سيرفانتس أو (ثيربانتس) الذي يعد من أهم الرواد في الأدب العالمي.
منذ افتتاحه، شكل مسرح سيرفانتيس أكبر منشأة ثقافية بالقارة الإفريقية، إذ اعتبر على مدى عقود من المعالم الثقافية المهمة بحوض البحر الأبيض المتوسط، نظير طابعه المعماري الإسباني، ورسوماته وزخارفه التي تزين الأسقف والجدران.
كان “سيرفانتيس” مسرحا لمجموعة من أشهر العروض الموسيقية الراقصة، إذ مثل بذلك فسحة ثقافية فنية، كما زاره فنانون أجانب مثل مغني الأوبرا الإسباني الشهير أنطونيو مورينو في أربعينيات القرن الماضي.
خط المؤرخ إسحاق يوسف الصياغ في كتابه “طنجة .. قرن من التاريخ” أن المسرح الكبير سيرفانتيس قد ساهم بعد افتتاحه “في تحول جذري للمشهد الفني والثقافي بمدينة طنجة، إذ لم يعد من الضروري السفر إلى مدريد أو باريس لرؤية أروع المسرحيات”، مشيرا إلى أنه كان بمثابة “عشق لا يقاوم” لكل سكان حاضرة طنجة.
الآن وبعد توقيع اتفاقية تفويت المسرح للمغرب، يمني أهل مدينة طنجة النفس بأن يعيد مسرح سيرفانتس برمزيته التاريخية الاعتبار لمدينتهم القديمة باعتباره ذاكرة خاصة بهم، مطالبين بحركة ثقافية تنطلق منه ليعود للمدينة رونقها الفني.
إن قرار إعادة ترميم هذه المعلمة التاريخية والفنية من طرف ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة، بشراكة مع وزارة الثقافة وجماعة طنجة، لهو قرار صفّق له كل من له غيرة على الفن وعلى المسرح الذي يُعد أب الفنون.
قرار إعادة الترميم هو مبادرة كبرى تُنِم في طياتها على الغيرة على هذا المسرح الذي كان في يوم من الأيام معلمة معشوقة من الفنانين وكبار المسرحيين الذين استطاعوا أن يتركوا بصماتهم على خشبة هذه المعلمة، حيث أن جدرانه وأسقفه إن سألها سائل، تجيبه دلالة بمشاهير من كان له السبق في لعِبِ دور من أدوار بعض المسرحيات، وبأسمائهم، وحتى بمن حضر من المشاهدين المتفرجين، كما يجيبه أيضا بمن وقف من كبار الفنانين الذين داعت شهرتهم على المستوى العالمي.
التفاتة كبرى قامت بها الولاية مشكورة على هذا العمل الجبار الذي سيذكره التاريخ والزمن إذ استطاعت بفضل تجاوبها مع الرأي العام المحلي والوطني أن تُنقد هذا المسرح من الضياع، وفي نفس الوقت إنقاذ جزء من التاريخ الحضاري والفني لهذه المدينة.
تجدر الإشارة إلى أن أعمال الترميم ستتم في مدة أقصاها ثلاث سنوات، كما يتعهد المغرب تحمل تكاليف ترميم وتجديد وإدارة المبنى مع الحفاظ على اسم المسرح وصون رمزيته وتاريخه.
نبذة عن ميغيل دي ثيربانتس سافيدرا
ازداد ميغيل دي ثيربانتس سافيدرا يوم 1547-09-29، هو مؤلفٌ إسباني وشاعرٌ وكاتب مسرحي، يعتبر من أكثر الشخصيات الأدبية شهرةً في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
وتُعتبر رواية دون كيشوت الرواية النموذجية الأولى ذات الأسلوب الأدبي الحديث في عصره.
تأثيره على اللغة والأدب الإسبانيين ضخمُ جدًا، حتى أن اللغة الإسبانية معروفة باسم لغة سرفتانتس. تشتهر كلٌّ من رواياته وشعره بالهجاء الذكي وسهولة فهمه بالنسبة للقارئ العادي، ومن هنا جاء لقبه بأمير الذكاء.
ولكونه من أهم الرواد في الأدب العالمي تم إطلاق اسمه على مسرح طنجة “سيرفانطيس سنة 1913”.