كثيرة هي الأسئلة التي نطرحها للتأمل والنقاش!؟ ارتباطا بما تقدم، لانريد أن تفوتنا الفرصة دون الإشادة والإشارة في نفس الوقت إلى بعض المقتطفات المهمة الواردة ضمن خطاب جلالة الملك في الذكرى الثامنة عشر لتوليه الحكم.. يقول جلالته «إن تراجع الأحزاب السياسية وممثليها عن القيام بدورها زاد من تأزيم الأوضاع»، وفي نفس السياق يضيف جلالته قائلا: «إن بعض السياسيين انحرفوا بالسياسة، كما أن المواطن لم يعد يثق بهم، وخاطب المسؤولين بقوله، إما أن تقوموا بمسؤولياتكم أو تنسحبوا»، وبلغة واضحة مباشرة، دعا جلالة الملك الأحزاب السياسية إلى القيام بدورها قائلا: «فالمنتظر من مختلف الهيئات السياسية والحزبية التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين والتفاعل مع الأحداث والتطورات التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها بدل تركها تتفاقم وكأنها غير معنية بما يحدث.. واعتبر جلالته أنه دون تغيير العقليات ودون اختيار الأحزاب للنخب لن نحقق عيشا كريما» انتهى..
هذه إشارات ملكية بليغة وعبارات واضحة تحمل معاني ودلالات عميقة نستنتج منها أن الأحزاب السياسية يجب أن تتوجه إلى المستقبل مسلحة بما هو إيجابي، وأكثر من أفكار وتصورات وبرامج تواكب مقتضيات العصر ومتطلبات المرحلة بالانفتاح على الشباب وإشراكهم في الحياة العامة، وفي هذا يقول جلالة الملك في نفس سياق الخطاب المذكور: «الأحزاب بحاجة ماسة إلى ضخ دماء جديدة في هياكلها لتطوير أدائها باستقطاب نخب جديدة وتعبئة الشباب والانخراط في العمل السياسي» انتهى منطوق الخطاب الملكي.. وعلى ضوء هذه التساؤلات نقدم قراءة متواضعة في السياسة والبرامج والتصورات والطيور التي تغرد خارج السرب، غير أنه لابد من العودة إلى الماضي، أي إلى البدايات الأولى لاستقلال المغرب ومع صدور قانون الحريات العامة أصبح للأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية دور هام في الحياة السياسية الوطنية عملا بمقتضى الدستور الذي يعطي للأحزاب والهيئات النقابية الحق في تنظيم المواطنين وتأطيرهم وتمثيلهم، وهو نفس القانون الذي يخول للمواطنين الحق في الانتماء لأي حزب أو نقابة بحرية وبدون ضغط أو إكراه على أن تساهم كافة الأحزاب على اختلاف مشاربها وتوجهاتها في نشر الوعي الذي لايمكن إلا أن يكون سياسيا، فضلا عن الاهتمام بقضايا وأحوال المواطنين وظروفهم الاجتماعية من خلال العمل التأطيري المسوؤل، ومن ثمة إرساء قواعد الديموقراطية الداخلية التي لامكان لها اليوم داخل أحزابنا السياسية.. هذا جزء من التصور العام للعمل الحزبي الذي يقوم على أسس تعبوية تحسيسية فاعلة ومسوؤلة.. والأحزاب التي أتحدث عنها، ولاشك أنكم تعرفونها، تدرك جيدا أنها لم تعد قادرة على القيام بوظائفها وأدوارها الطلائعية على الوجه المطلوب رغم أن دستور المملكة لسنة 2011 مكن الأحزاب من صلاحيات أكثر نجاعة وفاعلية في المجال العملي التأطيري والتوعوي وخول للنقابات صلاحيات وأدوارا على جانب كبير من الأهمية أكثر من ذي قبل..
ويبدو واضحا أنه لم يتبق من الرصيد النضالي لبعض الأحزاب السياسية التي ليس لها من السياسة سوى الإسم مع التأكيد مجددا أن الأمر لايعني جميع الأحزاب من طبيعة الحال على أن البعض منها لايرغب في الدخول في اللعبة بالرغم من مشاركتها في الاستحقاقات الانتخابية، إذ لم يتبق كما قلت للأحزاب التقليدية -القديمة الجديدة- سوى انتظار مواسم الانتخابات لاجترار نفس الكلام المنطوي على ديماغوجية وشعارات ووعود بما يخدم ذكاءها الانتخابي وأغراضها الشخصية والعودة إلى رفع نفس الخطاب الباعث على كل أنواع السخرية بهذه الاأحزاب.. في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن المغربي تطوير أساليب العمل الحزبي والانخراط الحقيقي في مسلسل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإنصات إلى ملاحظات وانتقادات المواطنين وإيلاءها ما تستحقه من العناية والاهتمام والرعاية دون تعريضها للتهميش والإقصاء والطرد الممنهج كما يحدث في بعض الأحزاب السياسية المغربية!؟
إدريس كردود