الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلماتِ والنور، فضل العلم على الجهل فقال تعالى:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)الزمر:9، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهد لنفسه بالوحدانية، وشهد بها ملائكته والعلماء، فقال تعالى:(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ*لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ *الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل عليه السلام:(طلب العلم فريضة على كل مسلم)، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، معاشر القراء:
لقد كان اهتمام شريعة الإسلام في الحض على العلم عظيما، وكانت العناية بالتكوين العلمي فائقة كبيرة، والآيات والأحاديث التي تأمر المسلمين بالعلم وتحضّهم عليه وتسوقهم إليه، أعظم من أن تحصى، قال تعالى:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، وقال سبحانه:(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَتٍ)، وقال أيضا:(وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
وحسبنا أن يكون أول نداء إلهي يفتتح الله به وحيه إلى نبيه محمد، تلكم الآية الكريمة:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَنَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْاكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
من أجل هذا جعل الرسولُ طلبَ العلم فرضا، فقال :(طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)، وجعل المعاناة في تحصيله جهادا، فقال :(مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ العِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ)، وأخبرنا أن كل أمجاد الدنيا كاذبة زائلة، إلا مجد الاستقامة والعلم، فقال :(أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ)، فمن كان يعرف في تكريم العلم والعلماء أروع من هذا، فليأتنا به؟.
أعزائي القراء:
فتحت المدارس أبوابها هذا الأسبوع أمام أبنائنا وقرةِ أعيننا وعدّةِ مستقبلنا وذخيرةِ بلادنا، وأمل مجتمعنا في التقدم والرقي والازدهار، فماذا نتمنى لأبنائنا وبناتنا ولمعلميهم وأساتذتهم؟،لا شك أننا نتمنى لهم سنة طيّبة سعيدة مليئة بالنشاط والجّد والاجتهاد ونيل أحسن الدرجات والشهادات إن شاء الله، ولكن لا يخفى عليكم أن الموسم الدراسي لا يكون ناجحا، إلا إذا وجد التعاون بين البيت والمدرسة والشارع، فإذا لم يقم الأب في البيت بمسؤوليته على الوجه الأكمل، فربما انحرف الولد، وعندئذ لا ينفع مع الولد توجيه ولا يجدي في تقويم اعوجاجه معلم، لذا حمّل الإسلام الآباءَ والأمهاتِ مسؤوليةَ التربية، قال تعالى:(يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلَظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُومَرُونَ)، وأكّد رسول الله في أكثر من وصية بضرورة العناية بالتربية، قال :(أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ)، وروى الطبراني عن على كرم الله وجهه مرفوعا:(أَدِّبُوا أَوْلَادَكُمْ عَلَى خِصَالٍ ثَلَاثٍ: عَلَى حُبِّ نَبِيِّكُمْ، وَحُبِّ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ)، إلى غير ذلك من الأحاديث.
فالتربية الصالحة للطفل، هي التي تُنشئ الشاب الصالح الذي يخدم دينه وأمته ووطنه، ولقد وضع لنا رسولنا مادة أساسية، مفادها أن الابن يشب وينشأ على دين والديه، أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه :(مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ).
فالأسرة هي المحضن الأول الذي ينشأ فيه الأبناء، ورب الأسرة وزوجته كلاهما شريك الآخر في تلك المؤسسة الاجتماعية التي أمر الإسلام برعايتها والحفاظ عليها، ولا يمكن أن يتحقق النجاح للأسرة، إلا إذا تعاون كل من الرجل والمرأة في تربية الأولاد، والولد يتأثر بوالديه في أخلاقه وسلوكه وتصرفاته واتجاهاته الدينية والعقائدية.
فعليكم- إخواني القراء ـ أباءا وأمهات، مراعاةِ أولادكم ومراقبتهم وحمايتهم من ضياع الوقت وانحراف العمل والسلوك، تفقدوهم في كل وقت وحين، وامنعوهم من معاشرة من يُخشى عليهم منه الشر والفساد، فإنكم عنهم مسئولون، وعلى إهمال رعايتهم ومراقبتهم وتأديبهم معاقبون، قال رسول الله :(أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
ويا أيها المعلم: اعلم أن مهنة التعليم لا تساويها مهنة في الفضل والرفعة، فوظيفتك من أشرف الوظائف وأعلاها، ولعل الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامة ، يبين لنا فضل تعليم الخير، قال :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةُ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ).
واعلم أيها المعلم، أن مهمتك لا تقتصر على طرح المادة العلمية على طلابك فقط، بل هي مهمة عسيرة وشاقة – وهي يسيرة على من يسرها لله عليه-، فهي تتطلب منك صبراً وأمانة ونصحاً ورعاية لمن تعلمهم، وتذكر دائما قول الحكيم العربي(أبوالأسود الدؤليُّ):
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْرَهُ * هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
فالمعلم إذا لم يكن ملتزما في سلوكه ومعاملته بمنهج الإسلام، وعلى دراية تامة بمبادئ الأخلاق ليسير على طريق الإصلاح والتربية على أسس متينة، فهو أولى وأجدر بالتعليم والتأديب، فحافظْ على الوقت زمنًا وأداءً، والتزمْ الحضورَ في وقتك، وأدّ هذا العملَ بجدٍّ واجتهاد، ولا تستخفّ بهذه المسؤولية، ولا تستهن بها، فإنها أمانة عندك، والله سائلك عنها، قال تعالى:(إِنَّ ٱللَّهَ يَامُرُكُم, أَن تُودُّواْ الامنت إِلَى أَهْلِهَا).
أحبابي القراء:
اليد الواحدة لا تغسل نفسها، وكذلك الشخص الواحد لا يضطلع بأي مهمة وإن بدت يسيرة، فالولد مهما كان استعداده للخير عظيما، ومهما كانت فطرته نقية سالمة، فإن للبيئة الأثرَ الأكبرَ في تربيته وإصلاحِ حاله واستقامة أمره، ومن هنا كانت وصية ابن سينا في تربية الولد، قوله:” أن تكون مع الصبي في مكتبه صِبيةٌ حسنة آدابهم، مرضية عاداتهم، لأن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ وبه آنس”، كتاب السياسة، رقم: 103، فالولد حينما تتوفر له البيئة الصالحة من قبل أصدقاء صالحين ورفقاء مخلصين، فإنه -لا شك- يتربى على الفضيلة والإيمان والتقوى، فلا بد -إذن- من إيجاد التعاون بين البيت والمدرسة والشارع، علميا وروحيا وجسديا، قال تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ * وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْاثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
أيها المعلمون والأساتذة:
لقد أعطاكم الإسلام مكانتكم ورفع درجتكم، وذلك لأن عليكم لأمتكم ومن يتعلمون منكم حقوقا عظيمة، فقوموا بها لله مخلصين، وبه مستعينين، ولنصح أبنائكم ومن يأخذون العلم عنكم قاصدين عادلين، أخلصوا في التعليم، وامتثلوا أمام طلبتكم بكل خلق فاضل كريم، فإن المتعلم يتلقى من معلمه الأخلاق، كما يتلقى منه العلوم، قال أحمد شوقي:
وإذا المعلّمُ لم يكـنْ عدلاً مشــــــى * روحُ العدالةِ في الشــــبابِ ضـئيلا
فإن كان هذا المعلم غير عادل، ولا يسير على طريق العدل، فإن قيمة العدالة في أجيال الشباب القادمة ستكون قيمة ضئيلة.
وإذا المعلّمُ سـاءَ لحـظَ بصيـرةٍ * جاءتْ على يدِهِ البصائرُ حُـولا
على المعلم أن يتأكد من صحة المعلومات قبل أن يلقنها للطالب، فإذا أخطأ أو رأى خطأً-علميًا أو سلوكيًا- عليه أن يصحِّحه كي لا ينطبع في عقول الطلاب، فيصبح من المعلومات الخاطئة، أومن السلوكيات المذمومة والمرفوضة.
أيها المعلمون والأساتذة:
ﺃﺭﻳﺪ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺭﺳﺎﻟﺔ إليكم- مشكورين- ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻷﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﺔ، فهناك أسر فقيرة ﻻﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ ﻟﺸﺮﺍﺀ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺴﺘﻠﺰﻣﺎﺕ المدرسية، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ من الأسر من له ﺃﺑﻨﺎﺀ كثيرون ﻳﺪﺭﺳﻮﻥ، فقد يستعينون ﺑﺄﻏﻠﻔﺔ ﻭﻛﺮﺍﺭﻳﺲ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، ﻓﻼ ﺩﺍﻋﻲ ﻟﻠﺘﻌﻘﻴﺪ معهم، وإجبارهم على شرائها مرة أخرى، وﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﻛﺘﺎﺏ، ﻻﺩﺍﻋﻲ ﻟﻀﺮﺑﻪ وإهانته، بل ﺃﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺘﺎﺑﻊ ﻣﻊ ﺯﻣﻴﻠﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺗﺄﺧﺮ ﻋﻦ اﻗﺘﻨﺎﺀ ﺍﻟﻠﻮﺍﺯﻡ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﺔ، ﻻﺩﺍﻋﻲ ﻟﺘﺬﻛﻴﺮﻩ ﺃﻣﺎﻡ ﺯﻣﻼﺋﻪ ﻭﺇﻫﺎﻧﺘﻪ، ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻮﻓﺮ ﻭﺍﻟﺪﻩ ﺛﻤﻨﻬﺎ، ﻫﺬﺍ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻪ ﻭﺍﻟﺪ ﺃﺻﻼ، ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻛﺘﺸﻔﺖ ﺃﻧﻪ ﻳﺘﻴﻢ ﺃﻭ ﻓﻘﻴﺮ ﻳﺪﺭﺱ ﻋﻨﺪﻙ، وﻟﻴﺲ ﻗﺎﺩﺭﺍ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻟﻜﺮﺍﺭﻳﺲ ﻭﺍﻷﻏﻠﻔﺔ، ﺧﺼﺺ ﻣﺒلغا ﻣﻦ ﺃﻣﻮﺍﻟﻚ، ﻭﻫﻮ ﻣﺒﻠﻎ ﺟﺪ ﺑﺴﻴﻂ، ﻭﺍﻗﺘن ﻟﻪ ﺍﻟﻜﺮﺍﺭﻳﺲ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻌﻠﻦ ﺫلك ﺃﻣﺎﻡ ﺯﻣﻼﺋﻪ، ﻛﻦ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺳﺘﺎﺫﺍ، ﻭﺍﺣﺬﺭ ﺃﻥ ﺗﻜﺴﺮ ﻗﻠﺐ ﻃﻔﻞ ﻳﺘﻴﻢ ﺃﻭ ﻓﻘﻴﺮ ﺫﻧﺒﻪ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ، ﺃﻧﻪ ﺧﻠﻖ ﻓﻘﻴﺮﺍ، ﻓﻼ ﺗﺪﺭﻱ ﺑﺄﻱ ﻋﻤﻞ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ – أيها الأستاذ- بارك الله فيكم.
ويا أيها الطلبة، يا من أنتم على مقاعد الدرس والتحصيل، وفي جوّ العلم ومحرابه المقدس، احترموا أساتذتكم ووقروهم، احرصوا على التركيز على طلب العلم لغاياته الكريمة وأهدافه السامية، والتي تعود عليكم كأفراد بالخير والرفعة، وعلى أمتكم بالتقدم والرقيّ والازدهار، وتذكروا دوما قول الله:(وَاتَّقُوا اللَّهَ * وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ * وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
فاللهم اشرح صدورنا وصدور أبنائنا وبناتنا للإيمان، وافتح قلوبنا وقلوبهم للعلم والمعرفة، واجعل النجاح حليفهم في موسمهم الدراسي، اللهم وألهِم الأساتذة والمعلمين السداد في القول والعمل، وسدد خطاهم على طريق الحق والصواب، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجعل دخولهم موفق، وعامهم دراسي مليء بالنشاط والعمل الجاد، مع دوام الصحة والعافية بحول الله وقوته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد أمين بنعفان