تمويل جبهة البوليساريو كلف الجزائر أكثر من 375 مليار دولار
تمر العلاقات بين المغرب والجزائر أحيانا ببعض الانفراجات، إلا أن مسألة الحدود المغلقة تتخطى الأزمات التاريخية وتبقى عالقة وسط بعض القضايا السياسية والتي لم يتم حلها إلى الآن.
تعود بنا الذاكرة إلى الوراء، حيث جاء إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر بعد التفجيرات التي وقعت بمراكش سنة 1994، مما أدى بالسلطات المغربية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني إلى فرض تأشيرة الدخول على الجزائريين، في نفس الوقت ردت الجزائر على الإجراء المتخذ بغلق الحدود البرية بحجة أن فرض التأشيرة جاء من جانب واحد.
وفي إطار الدور الأمني للدولتين، عملت كل منهما على تشديد الحماية العسكرية على الحدود البرية، وتشييد أسوار عالية لمنع تسلل الأشخاص من رعايا الدولتين، ومن أبرز المحطات التي مر منها الصراع بين المغرب والجزائر مسألة الصحراء المغربية ولازال الصراع قائما حتى الآن وبدأ مع رحيل القوات الإسبانية، فاشتد النزاع بين حركة البوليساريو التي تدعو لاستقلال الصحراء والمغرب الذي يصر على تبعيتها له وهو ما جعل النزاع مستعصيا على الحلول الدبلوماسية، وظهر وسط هذا النزاع موقف الجزائر الداعم لاستقلال الصحراء عن المغرب، وهو ما يشكل شرخا عميقا في العلاقات بين البلدين.
وأدى هذا الصراع المحتدم إلى اختلافات واضحة في المواقف والآراء حول مستقبل الصحراء وإلى تأثر كبير في الحركة التجارية بين البلدين وبلدان شمال إفريقيا عامة، وقد نتج عنه فشل اتخاذ المغرب العربي المنظمة المسؤولة عن تكامل حركة التجارة والاقتصاد بين الدول المغاربية، وقد تأسس الاتحاد سنة 1989، إلا أنه لم يواكب الاجتماعات على مستوى القمم الاقتصادية بسبب الخلافات السياسية بين المغرب والجزائر، وأن آخر قمة انعقدت بشأنه كانت سنة 1994.
ويرى بعض الخبراء في العلاقات الدولية أن المؤسسة العسكرية الجزائرية هي التي كانت وراء إغلاق الحدود، مستغلة بذلك هذه الأزمة لصالحها إلى الآن على اعتبار أن هذه المؤسسة هي المسيطرة على صناع القرار وتستعمل كافة أنواع الضغوط من أجل منع التعاون بين المغرب والجزائر، وأن الرباط لم تجد أذنا صاغية من طرف القيادة الجزائرية التي وجدت في المغرب غريما قبل أن يكون جارا، وأن التذرع الجزائري بمشكله التهريب من المغرب إلى الجزائر لا قيمة له، لأن عمليات التهريب تزداد عندما تكون الحدود مغلقة، وإذا ما تم فتحها والسماح بمرور الأشخاص والبضائع فلن يكون هناك تهريب على الإطلاق، وهكذا يبقى الوضع خطيرا للغاية، وأن استمرار إغلاق الحدود نتجت عنه أخطاء فادحة لا تغتفر، وقد أثر بشكل كبير على مدن حدودية بين البلدين، فمدينة وجدة المغربية المتاخمة على الحدود الجزائرية تعاني من الهبوط المستمر للسياحة والتجارة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة.
وعلقت وسائل الإعلام في الجزائر أن إغلاق الحدود ليس في مصلحة البلدين، لأن الجزائر والمغرب دولتان محوريتان، لكن هناك مشاكل عالقة بينهما، تتطلب حلولا جذرية لإعادة الأمور إلى طبيعتها العادية.
ومع ذلك، وخلال شهر يوليوز المنصرم، دعا الملك محمد السادس الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للعمل سويا في أقرب وقت يراه مناسبا على تطور العلاقات الأخوية بين البلدين، وقال : «إن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول».
وأضاف الملك محمد السادس في خطابه: «نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر للعمل سويا دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار».
واستمر في إعطاء الضوء الأخضر للأشقاء في الجزائر قائلا إنه لا هو ولا الرئيس الحالي ولا حتى الرئيس السابق بوتفليقة مسؤولون على قرار إغلاق الحدود بين البلدين منذ 1995، معتبرا أن «الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين وشعبين شقيقين، لأن إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصيل تكرسه المواثيق الدولية».
وتابع في خطابه : «ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على استمراره أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام مواطنينا»، وقال : «إنه ليس هناك أي منطق معقول يمكن أن يفسر الوضع الحالي، لا سيما أن الأسباب التي كانت وراء إغلاق الحدود أصبحت متجاوزة، ولم يعد لها اليوم أي مبرر مقبول»، وأن «المغرب يحرص على مواصلة جهوده الصادقة، من أجل توطيد الأمن والاستقرار في محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، وخاصة في جواره المغاربي». وتابع : «أؤكد لأشقائنا في الجزائر، أن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا وما يصيبكم يضرنا». وأضاف : «نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها من أمن المغرب واسقراره، وأن ما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر، لأنهما كالجسد الواحد، لأن المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، وإنما توأمان متكاملان».
وفي الختام عبر الملك محمد السادس عن أسفه الشديد للتوترات الإعلامية والدبلوماسية التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر والتي تسيء لصورة البلدين وتترك انطباعا سلبيا أمام المجتمع الدولي.
وتجدر الإشارة إلى أن الدعوة الملكية بفتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر ليست الأولى، بل سبق أن تم توجيه نداء مماثل قبل أكثر من سنتين، ولم تحدث هذه الدعوة أي اختراق إيجابي في علاقات البلدين، وأن الجزائر لم تقابلها بأي إجراء عملي، غير أن عبد المجيد تبون صرح خلال حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية الجزائرية أن الحدود البرية بين البلدين يمكن أن تفتح يوما ما، لكن الحدود لم تغلق بسبب مشكل الصحراء، واعتبر أن إغلاقها يعود إلى ترحيل مواطنين جزائريين من المغرب، ردا على عمل إرهابي شهدته مراكش، واتهم جزائريون بالضلوع فيه.
وقبل مناشدة محمد السادس الجزائر بفتح الحدود عاشت العلاقات بين البلدين شوطا جديدا من التوتر على خلفية تصريحات مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة بشأن وضع منطقة القبائل شمال شرقي الجزائر.
ويرى المراقبون أن دعوة الملك تكتسب أهميتها بالنسبة للمغاربة في تأكيده على احتفاظ الدبلوماسية المغربية بثوابتها التاريخية والمتمثلة في اعتبار الوحدة المغاربية مشروعا وطنيا ينبغي إبقاء إمكانية تحقيقه مستقبلا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنها تمثل أهمية بالنسبة للمغاربة لتبديد المخاوف من انحراف خطير حاولت مجموعة متسرعة أن تدفع في اتجاهه خلال الفترة الأخيرة، ويتمثل في اللعب بورقة دعم حركة انفصال داخل الجزائر، في مقابل دعم الأخير لحركة انفصال داخل الصحراء المغربية، وأضحت بعض الأوساط في الجزائر أن انفراج العلاقات بين البلدين في ميزان المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن يحققها المغرب.
لكن خبراء مغاربة اعتبروا أن المغرب لم يطرح المبادرة في هذا الاتجاه، لأن الاقتصاد المغربي في انتعاش مطرد خلال أزمة كورونا، بفضل التدابير التي صاحبت مواجهة الجائحة، خاصة لما بادر المغرب بإنشاء صندوق لدعم الاستثمارات وإطلاق خطة تنموية جديدة، وأن دافع المغرب هو شعوره بالانتماء الحضاري للمنطقة المغاربية والإسلامية، وكونه دولة عريقة تقع عليها مسؤوليات حضارية تلعب دورا فعالا في التكامل الدولي.
ومع هذا كله، أعرب الرئيس تبون عن رفضه إعادة فتح الحدود مع المغرب، بقوله في مقابلة مع مجلة «لوبوان» الفرنسية، أنه «لا يمكن فتح الحدود مع جار يعتدي علينا يوميا».
وعلق المراقبون على هذا التصريح بأن الجزائر غير مستعدة للتعامل مع هذا العرض السياسي الاستراتيجي الكبير الذي اقترحه الملك بحمولته التاريخية والسياسية ومرده بكون مؤسسات الدولة الجزائرية تعاني من ضعف في اتخاذ قرارات سياسية كهذه وغياب المشروعية، فالانتخابات الرئاسية والبرلمانية مرت بدون ناخبين، والشعب الجزائري قاطع الانتخابات جماعيا، وبالتالي فإن السياسة المركزية للجزائر ضعيفة لا تستطيع اتخاذ قرارات تاريخية ومسايرة المغرب الذي يتمتع بقوة سياسية مركزية قوية تمكنه من أخذ القرار في وقته المناسب، والتعامل مع الأحداث الدولية بوعي ويقظة.
ويعود ضعف الجزائر إلى تورطها في تبني جبهة البوليساريو، ولم تستطع التخلص منها في الوقت المناسب، اعتقادا منها أن مشروع جبهة البوليساريو سيرى النور في يوم من الأيام على عكس ليبيا بقيادة المعمر القدافي الذي كان ذكيا وتفطن بأن مشروع البوليساريو أصبح فاشلا، وتخلى عن دعمه، بينما كان هو الداعم له في البداية.
أما بالنسبة لتمويل البوليساريو فقد صرف النظام الجزائري أكثر من 375 مليار دولار لدعم الجبهة ومساندتها منذ نشأتها، وأن قادة البوليساريو يتوفرون على فيلات في كل من الجزائر وإسبانيا وفرنسا، ويكلفون الجزائر الشيء الكثير لأنها هي التي تؤدي أجورهم وتزودهم بالبنزين والأسحة لكي يتجولوا في الصحراء موهمين العالم بأنهم يهاجمون أهدافا مغربية، هذا في الوقت الذي يطالب فيه حكامها بإطعام الشعب الجزائري الغارق في الفقر وسوء التغذية.
محمد الخراز