هو الفقيه المدرس، العلامة الجليل، أستاذ الجيل، مفخرة أنجرة، سيدي محمد بن عبدالسلام بن عبد القادر بن الشيخ أحمد بن عجيبة الأنجري رحمه الله([1]).
ولد رحمه الله بقرية الزميج مسقط رأس الشرفاء العجيبيين سنة 1321هجرية/1902م، وبها نشأ في صون وعفاف تحوطه أسرة كريمة ، وقد سهر والده على توجيهه ورعايته لينال حظه من العلم والمعرفة، وليواصل رسالة أسلافه في إرشاد الناس وهدايتهم وتزكية نفوسهم.
وقد تسنى له حفظ القرآن الكريم وإتقان رسمه على يد الشيخ المدرر الفقيه عبدالكريم البراق رحمه الله، وبعد استظهار الذكر الحكيم صار يتلقى بمسقط رأسه بعض مبادئ العلوم العربية والفقهية وغيرها، كل هذا عن شيوخ بلده وعلمائها الأفذاذ، ومن أبرزهم في هذه المرحلة والده العلامة الكبير فيلسوف النحو كما كان يلقب سيدي عبدالسلام بن عجيبة (1273ـ 1353هـ)، قرأ عليه النحو بشرح الألفية للمكودي وتوضيح ابن هاشم كما حضر على الفقيه العلامة السيد أحمد بوزيد دروس الفقه المالكي، وبعد ذلك انتقل إلى مدينة طنجة فقرأ بها على على كبار علمائها وأساتذتها وفقهائها ومشايخها، من بينهم الشيوخ الأفاضل:
العلامة أحمد السميحي،
والفقيه العربي اسطيطو،
والشيخ عبد الصمد كنون وغيرهم.
ومن شيوخه في التصوف العلامة الصوفي سيدي محمد بن المفضل أزيات الخرشفي رحمه الله (1360هـ)
وبعد أن نال رغبته من التحصيل العلمي على شيوخ بلده شد الرحال إلى مدينة فاس، رفقة ثلة من أبناء قبيلته، ليتلقى عن شيوخها وعلمائها علوم أخرى، فجلس في حلقات جامع القرويين العامر على كثير من الشيوخ الفضلاء الأعلام منهم:
العلامة الفقيه مولاي عبدالله الفضيلي،
وسيدي الراضي بن إدريس السناني،
وأبوالشتاء الصنهاجي،
وأخوه سيدي محمد الصنهاجي،
وسيدي الحسين العراقي،
وسيدي الحسن مزور،
وسيدي محمد بن القرشي،
وسيدي امحمد العلمي.
ولما أتم الشيخ سيدي محمد بن عجيبة دراسته بفاس سنة 1353هج/1933م، بعدما نال بعض الإجازات من شيوخه عاد إلى مسقط رأسه ولم يلبث قليلا حتى توجه الى قرية حسانة من فبيلة آنجرة بإذن من والده ليباشر هناك مهمة الإمامة والخطبة والتدريس، فنهض بتلك المهام على أكمل وجه، وانتفع سكان تلك القرية وطلبة العلم من قبيلته أنجرة وغيرها من القبائل ،من حلقاته العلمية التي تواصل عطاؤها زهاء 22 سنة، فدرس خلال هذه الفترة بمسجد حسانة مجموعة من المتون العلمية بشروحها المشهورة، وأقبل عليه الطلبة زرافات للإفادة من علمه. وقد قرأ مع طلبته: ألفية ابن مالك بشرح المكودي، وشرح أوضح المسالك لابن هشام بشرحي ابن عقيل، والأجرومية، والجوهر المكنون، والتلخيص، والخزرجية، والكافي في العروض، والاستعارة، والزقاقية، والفرائض، والمرشد المعين بشرح الطيب، والسنوسية في التوحيد بشرح أم البراهين، ومصطلح الحديث للفاسي، وجمع الجوامع، والشمائل وتفسير الجلالين….
وفي عام1375هج موافق 1956م عيّن عضوا في المجلس الأعلى الخليفي بمدينة تطوان (الاستئناف الشرعي)، وصار هناك يدرس في مسجد(لالا فريجة) الألفية في النحو خلال أيام الأسبوع عدا يومي الخميس والجمعة، كما كان يدرس في تلك المرحلة الاستعارة والمنطق وكل هذا بعد صلاة الصبح. كما درس بالمعهد الديني العالي بتطوان بعض الخلاصة لابن عقيل وبعض البخاري وبعض الموطأ والحزب الأول من القرآن الكريم بتفسيرالنسفي وبعض من التصريح وبعض من البناني على المنطق. وبعد استقلال المغرب عين عضوا في المحكمة الإقليمية بمدينة طنجة عام 1378هج/1959م ولم تمنعه وظيفته الشرعية من تخصيص أوقات للتدريس وإسعاف الطلبة بالعلوم المتنوعة التي يرمون إتقانها فكانت له حلقات في هذا الجامع أو تلك الزاوية فتطوع للتدريس في الزاوية الريسونية وجامع القصبة، وبجامع مقراع بالجبل، لقن خلالها مجموعة من العلوم الشرعية.
وفي سنة1392هـ/موافق 1972م أحيل على المعاش من طرف وزارة العدل، فخرج من طنجة واستقر مع أنجاله بحومة ادهاده من قرية فرديوة، فاستأنف هناك نشاطه التدريسي من جديد.
ولمكانته العلمية اختير سنة 1989م عضوا في المجلس العلمي المحلي لطنجة الذي كان يرأسه العلامة محمد الشاهد الشنتوف واستمر يزاول نشاطه بالمجلس المذكور إلى أن أعياه المرض وعجز عن القيام بمهمته لكبر سنه.
بقد انتفع طلبة كثر من مجالس سيدي محمد بن عجيبة في كل قرية أو مدينة نزل بها وحصل إقبال كبير على حلقاته ولا سبيل لحصر الآخذين عنه وتكفي الاشارة إلى بعضهم: صهره الفقيه العلامة المدرس عبد المجيد ازميزم والأستاذ أحمد محمد بنياية، والشيخ محمد السعيدي الجردي، والفقيه مصطفى البقالي جبلحبيبي، والفقيه مصطفى الولهاني العوامي، والشيخ سيدي محمد محفوظ البحراوي، والأستاذ محمد الناصر، والأستاذ عبدالغفور الناصر، والأستاذ عبد السلام البقاش والاستاذ أحمد المرابط الكنيوي وغيرهم الكثير.
وأما إنتاجه الفكري فقد ذكر بعضه ولده المرحوم أحمد بن محمد بن عجيبة في خاتمة شرح الصلاة لابن العربي الحاتمي منها:
- شرح منظومة العقائد لشيخه في الطريقة سيدي محمد المفضل أزيات الخرشفي
- شرح قصيدة في التصوف لشيخه محمد المفضل أزيات
- مجموع فتاوي فقهية تبلغ نحو100 فتوى في العبادات والمعاملات والري والتبني والرضاعة.
- تقييد في ترجمة جده الشيخ أحمد بن عجيبة وتعريف بأبنائه وأحفاده.
انتقل الشيخ العلامة سيدي محمد بن عجيبة إلى جوار مولاه بعد عمر مديد أنفقه في التدريس والتأليف وإرشاد العامة والخاصة إلى طريق الهدى والتور، يوم الثلاثاء 17 شوال 1417هج بقبيلة أنجرة، ووري الثرى يوم الأربعاء 18 شوال 1417ه موافق 26 فبراير1997 بقرية فرديوة (حومة الدهاده).
[1] – تنظر ترجمته في: صور من التاريخ البطولي لقبائل جبالة- العياشي المريني- ص 75. التعليم العتيق ببادية الشمال- محمد كنون الحسني- منشور ضمن كتاب : دور القرآن الكريم بالمغرب وأثرها في الإشعاع الديني والحضاري- ص 33- سلسلة ندوات رقم 1- منشورات سليكي أخوين- طنجة. تراجم أعلام أنجرة – أحمد بن محمد بنياية- ص 117
د. عدنان الوهابي