ولد الشيخ محمد بن محمد بن الحسن الميموني بمدينة طنجة سنة 1942م بين أبوين كريمين من سلالة البيت النبوي الشريف، ولما أدرك سن التمييز ولج الكتاب القرآني لتعلم القراءة والكتاب واستظهار بعض قصار السور بحي مرشان، وفي سنة 1949م نقلاه إلى البادية عند خاله الفقيه السيد محمد بن أحمد الخياط، وعلى يديه الكريمين حفظ القرآن الكريم، ثم عاد من البادية إلى بيت والده سنة 1952.
ولضيق يد أسرته اضطر أن يزاول التجارة مع والده رحمه الله، ورغم ذلك كانت له رغبة قوية في تثقيف نفسه وتعليمها ذاتيا، فسارع يختلس سويعات للمطالعة في أي كتاب أو مجلة أو جريدة أثناء عمله، فكان يلتهم بعشق ما تقع عليه يده منها، فقرأ متن المرشد المعين لابن عاشر، وميزان الشعراني، ومصابيح السنة للحافظ البغوي، وبلوغ المرام للعسقلاني، وموطأ الإمام مالك، ونور اليقين وتفسير جواهر القرآن للطنطاوي وغيرها من الكتب.
وكان مما طالعه وتأثر به كثيرا حتى كاد أن يحفظه كتاب ” جواهر المعاني” لعلي حرازم برادة، وهو أحد أهم كتب الطريقة التجانية، وقد انتسب إليها سنة 1959م فأخذ أورادها على يد الشيخ السيد محمد بن العياشي السكيرج. وأجازه لاحقا الشيخ عبدالسلام بلقات سنة 1969م في هذه الطريقة إجازة مطلقة في تلقين أورادها كما أجازه غيره من المقدمين التجانيين.
وفي سنة 1964م أخذ في تعلم مهنة الصياغة على يد المعلم الحاج محمد المزميزي الذي أتقن على يده تلك الصنعة، وتدرج فيها حتى تولى رئاسة تعاونية الصياغة من سنة 1980م إلى سنة 1984م، ومهمة أمين الصياغة بطنجة منذ سنة 1982م إلى وفاته.
وهو أثناء عمله كان ملازما لدروس الفقهاء والعلماء التي كانت تلقى في بعض مساجد مدينة طنجة وزواياها، فحضر دروس الشيخ الواعظ محمد بناني رحمه الله، ولازم دروسه بكل من المسجد الأعظم، ومسحد المصلى.
كما استمع إلى دروس الشيخ المحدث عبدالله بن الصديق رحمه الله الذي استفاد من علومه المتنوعة خير استفادة، وأجازه إجازة عامة في مرويات كتب السنة وغيرها
وجلس إلى حلقات الفقيه عبد السلام بلقات: مجيزه في الطريقة التجانية.
وتكونت لديه مكتبة ضخمة يبلغ عدد الكتب فيها اثني عشر ألف كتاب، وهي تفوق أكثر من ثلاثين ألف جزء.
ولشدة حبه للعلم والعلماء صيَّر محل تجارته للذهب مكتبة عامرة، سماها: مكتبة النور، كانت مقصودة من الخاص والعام، يحج إليها ويعكف القاصي والداني على النهل من نوادرها ونفائس ما فيها.
وكان من زبناء مكتبة النور نخبة علماء المدينة وطلاب العلم الشرعي بالمدارس العتيقة، وكان يرتادها أعلام الأسرة الصديقية رحمة الله عليهم وخصوصا العلامة عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله، والعلامة عبد العزيز بن الصديق والعلامة إبراهيم بن الصديق والعلامة الحسن بن الصديق رحمهم الله تعالى. كما كان من زبنائه الدائمين الشيخ عبد الله التليدي رحمه الله والشيخ محمد البقالي رحمه الله والشيخ مصطفى البقالي.
ومارس الشيخ محمد الميموني بالنيابة مهنة الخطابة في بعض مساجد طنجة كالجامع الكبير.
كان الشيخ محمد الميموني صاحب أخلاق محمدية راسخة، غير متكلف فيها، ولا متصنع الظهور بمظهرها، ومنها التواضع الشديد، بحيث لا يكاد يسمع أحدا يثني عليه إلا وأوقفه وربما ذرفت عينه وظهر الحياء والخجل عليه، ومنها سخاؤه وكرمه يروي الأستاذ عدنان الزهار بعض مناقب الرجل قائلا:
” الذي لم أر له نظيرا إلا في أهل الخصوصية من أمثاله، ومن ذلك أنه يغضب كلما علم بنزولي لطنجة واستقراري في فندق، ويقول: كيف تنزل في فندق وتتركنا بلا أجر تلك الليلة، ولا يمكن ان يزوره زائر سواء عرفه أو لم يعرفه إلا وقصد به إلى بيته بالمدينة القديمة بطنجة ليكرمه إطعاما وسقيا، ونظرة في كتب ورسائل بل ويعرض عليه المبيت ببيته إلحاحا وصدقا، وقد من الله علي بفضيلة المبيت في بيته مرات عديدة، وقع فيها من الفيض والسر ما لا تتحمله هذه العجالة”.
نشر مجموعة من المقالات بجريدتي العلم والاتحاد الاشتراكي، وألف ما يربو عن ثلاثين كتابا، منها ما هو مطبوع وما هو مرقون ، ومن الكتب التي أصدرها نجد:
– صلاة الفاتح بين المعتقد والمنتقد، كتاب في 176 صفحة طبع بمطبعة سبارطيل سنة 1989م.
– الإنارة بحكم الزيارة أو الغارة على بعض أهل الحارة ببيان معنى الزيارة، وهو في 211 صفحة، نشر بمطبعة سبارطيل سنة 1989م.
– تعريف الأقران بإحكام سجود القرآن، نشر بدار الكتب العلمية ببيروت سنة 2002م في 271 صفحة.
– النصح الأوفى لأهل الصدق والوفا بإثبات سنية وضع اليمنى على اليسرى في هدي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله الحنفا. نشر بدار الكتب العلمية ببيروت سنة 2002م في 334 صفحة.
– حكم الإسلام في تجارة الذهب، وما يجوز بيعه وما لا يجوز في شرع الله، وهي رسالة صغيرة نشرتها دار الكتب العلمية ببيروت سنة 2002م في 34 صفحة ومعها: صفع أقفية التياه والخشب بإثبات سنية التحية والإمام يخطب، في نحو 30 صفحة.
– شرف العمل في الإسلام وتكريم اليد العاملة، نشرت بمطبعة إفزارن بطنجة سنة 2005م، في 54 صفحة.
– شرح سورة القدر، نشرت بمطبعة إفزارن بطنجة سنة 2005م في 59 صفحة
وأما الكتب المرقونة فمنها:
استعاذة والحسبلة ممن أنكر السيادة في الهيللة، النصائح الغالية بذكر شروط الطريقة التجانية، البشائر والتهاني في رسائل الشيخ التجاني، الموسوعة الإحسانية في النصيحة لبني الإنسانية (أحب المؤلفات إليه ولكن لم يطبع)، القول السديد في الرد على المنكر العنيد، زجر الجاني عن التصوف التجاني، الرسالة المقروءة والمسموعة، شرح الهمزية (لم يتم)، شرح آيات الصيام، سلسلة فى الخطب المنبرية، شرح العمل في الإسلام وتكريم اليد العاملة، التصوف الإسلامي هو النور أمامي، شرح حديث “إنما الأعمال بالنيات” ، شرح حديث “الدين النصيحة، فهرس “سير أعلام النبلاء”، منظومة “في مرآة الزمان”، رسالة لطيفة في اللغات الموجودة في القرآن، مذكرة حول الصناعة التقليدية، فهارس “فتح الباري” مع “البخاري”، (وهو أفضل ما له حسب شهادته)، أصدق النصح والوفاء ببيان بعض آداب الدعاء، الصحبة ببيان آداب الذكر في الحضرة والخلوة، التحفة في آداب الصحبة والأخوة، بلوغ الأرب في صفة المريد وما يلزمه من الأدب، مبشرات تفرح القلوب بذكر بعض ما يكفر الذنوب، الترجمة الميمونية الوافية بذكر السيرة الذاتية، الفخر والزهو بمعرفة بعض أحكام في الوضوء وسجود السهو، الويثقة في فقه الطريقة، القول الفصل في التحذير من أقوال أهل الجهل، التوجيه الصحيح.
توفي رحمة الله عليه ظهر يوم الاثنين 14 محرم 1443 الموافق 23 غشت 2021- بعد أن تمكن منه وباء كورونا، ولبث بسببه أكثر من عشرة أيام تحت العناية المركزة، لكن إرادة الله كانت أقوى وأغلب، ولا راد لقضائه وقدره.
وقد رثاه الأستاذ عدنان الزهار بأيات شعرية جاء فيها:
بِدُمُوعِ الْحُزْنِ عَلَى حِبِّــــي اَلْمَيْمُونِي عَيْنِي سِـــــيلِي
فَذَهَابُهُ ثَلْمَــــةُ ذَا الدَّهْــــــرِ فَابْكِيهِ الظُّهْرَ وبِاللَّيْــــــلِ
لَكِنْ قُولِي إِنَّا لِلَّـــــــــــــــــ ــهِ وّإِنَّ لَهُ الرُّجْعَى قُولِي
عدنان الوهابي