ولادته ودراسته:
ينتمي الدكتور العربي بن عبدالمجبد بوسلهام[1] إلى عائلة طنجية عريقة، تمتد أصولها إلى قبيلة بني توزين الريفية التي قدم أفرادها إلى المدينة زمن الفتح الإسماعيلى سنة 1095هـ، وقد تعاقب في هذا البيت مجموعة من الفقهاء وطلبة العلم، واشتهر أفراد هذا البيت أبا عن جد بالالتزام القويم بالأخلاق الحسنة وبالسعي إلى الإحسان وبذل المعروف، وبالعمل النافع.
أبصر الأستاذ العربي نور الحياة بمدينة طنجة يوم 20 شعبان 1374هـ موافق 13 أبريل 1955م من أبوين كريمين: فوالده هو السيد عبدالمجيد أحد أنجال الفقيه العربي بوسلهام الذي كان إماما بالمسجد الأعظم بطنجة، وفد باشر جده هذه المهمة بظهير سلطاني مؤرخ في سنة 1347هـ/ 1929م، وقد سمي حفيده باسم جده تبركا به…وأما والدته فهي الحاجة حبيبة بنت الوطني الغيور عبدالصادق الفرايحي أحد رجال حزب الوحدة المغربية الذي كان يرأسه الشيخ محمد المكي الناصري، وأحد العاملين الناشطين في صفوفه مدة عقود من الزمن.
لقد حرصت أسرة المترجم له على تنشئة ابنها على الصون والعفاف، والتمسك بقيم الدين الحنيف، فيسرت له أسباب ولوج الكتاب لحفظ القرآن الكريم على عادة أبناء جيله، ثم انتظم في أقسام التعليم المغربي وتدرج في أطواره إلى أن حصل على الباكالوريا: تخصص علوم تجريبية من ثانوية ابن الخطيب بطنجة حوالي سنة 1974م.
والتحق بعدها بكلية الطب بالرباط فدرس فيها ثلاث سنوات، إلا أنه سرعان ما قرر بعد ذلك أن يتخلى عن دراسة الطب ليسافر إلى القاهرة مبتعثا كطالب الى جامعتها هو وصديقان آخران من طنجة، لكن هذه الرحلة مع الأسف لم تكلل بالنجاح ولم تحقق مبتغى الرفاق الثلاثة، نظرا لتقلبات ساسية طارئة في العلاقات بين المغرب ومصر، بسبب تطبيع العلاقة المغربية الليبية، وتأسيس الاتحاد الأفريقي.
وأثناء إقامته في مصر خلال تلك الرحلة قام بزيارة أغلب الرموز الثقافية والسياسية في القاهرة، حيث زار شيخ الأزهر، والأستاذ عمر التلمساني مرشد جماعة الإخوان المسلمين آنذاك، ووزير التعليم المصري وغيرهم من رجالات الفكر والدعوة في مصر .
عاد أفراد هذه البعثة إلى بلدهم بعد فشلهم في متابعة الدراسة في القطر المصري، وقرر الأستاذ العربي بوسلهام رحمه الله أن يلتحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، بأكدال بالرباط، طالبا في شعبة الدراسات الإسلامية، وتابع دراسته بها إلى أن حصل على الإجازة سنة 1984م.
وبعد نيله شهادة الإجازة، تابع دراسته العليا بالكلية نفسها، فنال شهادة استكمال الدروس العليا- السلك الثالث- في الدراسات الإسلامية العليا تخصص ” فكر وحضارة” سنة 1985م.
وبعد عام حصل على شهادة الأهلية التربوية بكلية علوم التربية جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1986.
وفي سنة 1988م حصل الدكتور العربي بوسلهام رحمه الله على دبلوم الدراسات العليا في الآداب، شعبة الدراسات الإسلامية بآداب الرباط، وكان موضوع رسالته:
” إشكالية التقدم والتخلف الحضاري- دراسة مقارنة“، تحت إشراف الأستاذ محمد بلبشير الحسني .
ولم تقف همته العلمية عند هذا الحد، بل تابع دراسته الأكاديمية العليا فنال شهادة دكتوراه الدولة في الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بالرباط، بميزة حسن جدا مع التوصية بالطبع، في موضوع:
” منهاج الشريعة الإسلامية في التدابير الوقائية وأثره على صحة الإنسان“، كانت تحت إشراف الدكتور المهدي بنعبود طيب الله ثراه، والدكتور محمد الروكي بتاريخ فبراير 2002م.
مهامه العلمية والثقافية:
عين الأستاذ العربي بوسلهام أستاذا جامعيا بكلية الآداب بالرباط جامعة محمد الخامس، وشارك فيها في لجان علمية متخصصة، منها: عضو اللجنة العلمية، وعضو اللجنة البيداغوجية، وعضو لجنة البحث العلمي، رئيس مؤسس سابق لفريق البحث الفكر الإسلامي وفن الخطاب وقضايا المجتمع والبيئة، و المنسق العام للهيئة العلمية العليا للتنسيق في الدراسات الإسلامية بالجامعات المغربية.
وشارك في تأسيس وتنشيط مجموعة من الجمعيات العلمية والثقافية، فكان عضوا مؤسسا “لجمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا”، ومسؤولا عن العلاقات الخارجية بمكتبها التنفيذي، وهي جمعية وطنية أسست سنة 1989م، وعضوا مؤسسا ” لجمعية ملتقى العلوم والمجتمع”، كما تولى فيها مهام كاتب عام في مكتبها التنفيذي، وهي جمعية وطنية علمية، تعنى بالبحث في وجوه التلاقي والارتباط بين العلوم الشرعية وبين مختلف العلوم الأخرى. وعضوا مؤسسا ” لجمعية الدراسات القرآنية” بطنجة، وعضوا مؤسسا ” لمؤسسة آل الصديق للدراسات الحديثية والسيرة النبوية”، وغيرها من الجمعيات التي ساهم بتأسيسها وبث إشعاعها العلمي والثقافي في مختلف ربوع المغرب.
وشارك في الكثير من الملتقيات داخل المغرب وخارجه منها مشاركته في الندوات التي نظمها جمعية مجمع الصالحين التي تعقد بشفشاون برعاية مؤرخها مولاي علي الريسوني، ومشاركته في الملتقى الثاني لخدمة القرآن والسنة في موضوع: ” السنة والسيرة النبوية: نحو وعي صحيح وتفاعل حقيقي” من إعداد وتنظيم شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الأول وجدة، ومشاركته في المؤتمر العلمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة من تنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدولة الكويت والهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة رابطة العالم الإسلامي، أيام 26-29 نوفمبر 2006م، ومشاركته في العاصمة الفرنسية بباريس في المؤتمر الدولي الأول للباحثين في الدراسات الإسلامية الذي نظم من 9 إلى 14 من شهر شتنبر سنة 2018م بمشاركة المعهد الأوربي للعلوم الإنسانية. وغيرها من الندوات العلمية الكثيرة التي حضرها وشارك فيها.
دفاعه عن الدراسات القرآنية بالمغرب:
كان رحمه الله أحد أعمدة الدّراسات الإسلامية بالمغرب، كان يدافع عنها دفاعاً مستميتاً، ساعيًا إلى التّقريب بينها فيما يخدم العلم الشّرعيّ، مهتما بطلبتها وخرّيجيها، واضعاً نصب عينيه مشروع أستاذه الكبير الدكتور محمد بلبشير الحسني حفظه الله.
وكان له حلم وهو المتمثل في إقامة جامعة الدراسات القرآنية والعلوم الاجتماعية والتطبيقات والتواصل في طنجة والتي استدعى الى تأسيسها مستشار الملك الراحل الحسن الثاني: أحمد بن سودة رحمه الله، وما يزال هذا المشروع لم ير النور بعد، غير أن الأرض المتواجدة في منطقة اجزناية تم وهبها بالكامل لهذا المشروع العلمي، ونرجو أن يتحقق ما سعى إليه الأستاذ الراحل وأن يتم تشييد هذا الصرح العلمي الهادف تكريما له وإحياء لذكراه.
كما قام الأستاذ العربي بتأسيس اول مدرسة اسلامية في طنجة أطلق عليها اسم ” براعم الإيمان ” وهي ما تزال تباشر أدوارها التربوية إلى اليوم.
وحرص الأستاذ العربي بوسلهام رحمه الله على ربط الناشئة بالقرآن الكريم والسنة المطهرة بشتى الوسائل، فنظم مجموعة من المهرجانات المحلية والجهوية والوطنية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، وفي الحديث الشريف، وفي السيرة االنبوية لفائدة التلاميذ والتلميذات والطلبة والطالبات.
أخلاقه وسجاياه:
وإذا كانت جوانب الرّجل من جهة المشاريع العلمية طويلة الذّيول، فإنّ جوانبه الإنسانية فهي حافلة بالقيم السامية التي آمن بها، ومواقفه مع محيطه عز نظيرها. فكل من عاشر الرجل أو خالطه أحبه لجميل أخلاقه وإن اختلف أحيانا معه، فكان لينا، هادئا، خافض الجناح، جم التواضع، صاحب ابتسامة لا تفارق محيّاه، دمث الأخلاق، حميد السجايا، محمود الشيم، مرضي السيرة، سليم الطوية، نقي السريرة، لا يُكِنُّ لأحد حقدا أو ضغينة[2].
فقد كان مخلصا في عمله إلى حد لا يطيقه غيره أو يجاريه فيه، ويتجلى هذا الإخلاص في صبره وعكوفه وتضحيته بالوقت وبالجهد والمال، وفي تقديره للمسؤولية حق قدرها، وحمله همها إلى حد فريد جدا.
يقول الدكتور محمد الروكي:” أذكر في هذا الإطار أنه رحمه الله تعالى قد سافر من الرباط إلى طنجة وفي يده ملفات كثيرة، فلما وصل إلى طنجة تذكر أمرا مهما فحجز تذكرة إلى الرباط ورجع إليها دون أن يذهب إلى بيته بطنجة”[3].
ومن أبرز ما يميزه في حياته صدقه في مواقفه وأقواله وأفعاله وعلاقاته ، وحبه العميق لطلبته، فيحنو عليهم ويعاملهم معاملة الأب لأبنائه، بل الأكثر من ذلك يهتم بأحوالهم وشؤونهم ويشرف على مصالحهم الخاصة وينفق عليهم من ماله ووقته. وقد عرف عنه هذا منذ أن كان في ريعان شبابه وإلى آخر عمره. يقول الأستاذ مصطفى الهاشمي عن الفقيد: ” جميله وعرفانه على طلبة الدراسات الإسلامية مما لا ينكر فقد كان بارا بطلبته متفهما لمشاكلهم متسامحا مع أخطائهم . لايرد طلبا لأحد وأن كان خارجا عن تخصصه .ومن مزايا المرحوم التي يذكرها الجميع انه كان بارا بأمه مطواعا لها لايخالف لها رأيا ، ملبيا لمطالبها وان كانت مستحيلة”[4].
كما كان معروفا بتواضعه الجم فيقضي مصالح الناس على حساب مصالحه الخاصة فلا اهتمام عنده بوقته أو بصحته أو بجهده، فكان الأهم عنده هو أن يساهم ويعطي للغير ما استطاع أن يعطي إياه إيثار وتفضيلا على نفسه.
و قد لخص الأستاذ عبد الله اشبابو مناقب الفقيد الراحل في العبارات التالية: ” فقدنا رجلا قليل من الرجال أمثاله، رجل كان يتقد غيرة على الإسلام وحرقة على نشر قيمه وثقافته، فمنذ أن عرفته في الثمانينات وهو شعلة من الحركة والنشاط” .
مؤلفاته ومقالاته وأعماله العلمية:
أنجز الدكتور العربي بوسلهام بعض المؤلفات العلمية منها:
- إشكالية التقدم والتخلف الحضاري- دراسة مقارنة،
- منهاج الشريعة الإسلامية في التدابير الوقائية وأثره على صحة الإنسان.
وأما مقالاته وأبحاثه علمية فهي عديدة جلها منشورة في مجلات علمية متخصصة منها:
- الأحكام الوقائية من المخدرات والسيدا في الاجتهاد الفقهي المعاصر. ضمن منشورات كلية آداب الرباط في كتاب ” الاجتهاد الفقهي: أي دور، وأي جديد” صدر سنة 1996م،
- الزكاة والأمن الاجتماعي ضمن منشورات كلية الآداب بالرباط في كتاب ” الزكاة وانعكاساتها في المجاليين الاقتصادي والاجتماعي” صدر سنة 1994م ،
- طنجة مدينة الانطلاقة القرآنية المباركة في المغرب وإشعاعها العلمي. من منشورات المجلس العلمي المحلي بطنجة، وغيرها من المقالات.
- المسجد ودوره في اليقظة الطنجية لمناهضة الاستعمار. ضمن منشورات كلية الآداب بتطوان في كتاب ” طنجة في التاريخ المعاصر”،
- كما ترك رحمه الله العديد من الكتب غير المطبوعة منها:
- أساليب الحوار والتربية في القرآن الكريم وأثرها في تخليق الفرد والمجتمع،
- إعجاز الطب الوقائي في القرآن والسنة.
- الإعجاز الطبي في القرآن والسنة من خلال تحريمها لما يضر بصحة الإنسان،
- البعد الحضاري للغة،ووظيفتها في الدراسات الإسلامية،
- التربية الإسلامية وبعدها الاستراتيجي لقضايا التنمية،
- التفسير: إشكالات وقضايا،
- مواصفات البيئة السليمة في شريعة الإسلام،
- نحو تجديد منهاج التدريس في الكتاتيب القرآنية،
وفاته:
استأثر الله تعالى بروح الأستاذ الدكتور سيدي العربي بن عبدالمجيد بوسلهام رحمه الله، ولبي داعي مولاه صابرا محتسبا متأثّراً بوباء كورونا، صبيحة يوم السّبت 12 محرّم 1443هـ موافق 21 غشت 2021م، عن عمر ناهز الست والستين سنة، ووري الثرى ظهر الغد بمقبرة الفريحيين من جماعة جزناية القريبة من طنجة.
وقد رثاه صديقه الأستاذ الدكتور محمد الروكي بقصيدة جاء فيها:
ألفت الحزن تصنعه المنــــايـــا | وتنشره بأوســـاط البـــــــــرايا | |
ومنهم صاحب القدح المعلـــــى | أبو السهام فاجعة الضـــــحايـــا | |
أخونا المرتضى العربــي أودى | وفوز رافعا كف التحـــايـــــــــا | |
فكم أسدى من المعــروف فيـــنا | وأعطى في الجهار وفي الخفايا | |
وكم واسى الأرامل واليتامــــى | وكم أعطى وأغدق في العطـايا |
[1] – مصادر ترجمته: شهادات قيلت في حقه عقب وفاته رحمه الله- معلومات أمدني بها الأستاذ عبداللطيف السملالي مشكورا.
[2] – الدكتور عبد المنعم التمسماني في تأبينه للدكتور العربي بوسلهام.
[3] – الدكتور محمد الروكيفي تأبينه للدكتور العربي بوسلهام.
[4] – الأستاذ مصطفى الهاشمي في تأبينه للدكتور العربي بوسلهام.
عدنان الوهابي